ابدأ..الرواية رائعه.. هي فلسطين في الوجدان .والذاكرة والمعيوش اليومي .. هي الانا والانت والهو والنحن.. هي الجغرافيا والتاريخ والانسان.. امرأه ورجل وحب وحياة. كما هي منذ آدم وحواء .. فلسطين حكاية بلا بداية ولا نهاية ولكنها محكية على الدوام…
.تبدأ الرواية في مشفى في مخيم شاتيلا .حيث نسجت الرواية في تسعينات القرن الماضي.. حيث يونس احد الفدائيين مسجى بحالة سبات (موت سريري).يرعاه ممرض وفدائي ايضا هو جابر.. الرواية تتحرك بنفس واحد لراوي لا يتعب ولديه فجع للحكي ولنقل ما بجعبته بمواظبة نبي يريد توصيل رسالته قبل الموت.. وبجاذبية حكواتي يقتات من مهنة الحكي .وبمصداقية تطال النفس والعقل والقلب والروح.. فما بالك ان الحكاية فلسطين.. جابر يحادث يونس على مدار الساعة لمدة ستة اشهر متواصله.. يحكي حكاية يونس الفلسطيني من الجليل و الفدائي مبكرا قبل ان يكون هناك فدائيين. مع الحسيني ثم بعد التشرد في 48 .ثم مع الثورة الفلسطينية قائدا فيها .. يتحدث دائما لغة المخاطب تحكمه .. لا يتفلسف ولا يتحدث بالاستراتيجيا او التكتيك او سياسات الدول وكيف ضاعت فلسطين وضاعت الثورة ..ابدا هي الحكايا تتناسل لتعطيك الذاكرة الحقه ولتقول لك كل ما يجب ان يقال .. متجاوزة كل حشو بالكلام.. يونس ابن قرية من الاف القرى الفلسطينية التي صحت في يوم ما في 1948. وقد جمع اهلها ورحلوا .بعضهم قتل رجالهم والبعض الاخر اقتيدوا الى.. لا نعرف اين. والكل حمل والقي على حدود الدول التي سارعت لانقاذ فلسطين ولكنها تحولت لشاهد على الجريمة وشريك بها.. والده الضرير وزوجته وامه لم يغادروا انتقلوا من مكان لاخر داخل فلسطين واستطاعوا ان ينزرعوا بها مجددا.. الحكايا تطال الناس الذين لم يصدقوا انهم تركوا بيوتهم واستمروا في الاشهر الاولى يعودون ويطردون او يقتلون في بيوتهم او حقولهم . يونس الذي اصبح يقاتل العدو منذ البدء وينتقل من لبنان الىفلسطين وقريته وليصل لزوجته. وليصنع له ولها في مغارة في احد الجبال بيتا اسموه باب الشمس.. عبر سنوات طويلة يعود للقريه ينقر على النافذة ويغادر لباب الشمس وتلتحق به نهيلة زوجته ليعيدوا انتاج الحب والحياة وليصنع الاولاد لفلسطين رغما عن الجغرافيا والاحتلال.. سنعيش حبهما بكل تفاصيله وحميميته وقدرته على صناعة مجد الانسان وروعته.. ان حكاية يونس واحده من الاف الحكايا المشابهة والمختلفة التي تروى وتعاش .كلها تتحدث عن البلاد والعودة وعن حلم سرق منا وما زلنا نحلم به دوما..فلسطين.. جابر الطفل ايام اللجوء مع امه وابوة وجدته يلجأ .ابوة يلتحق بالفدائيين . ويموت مبكرا قتلا على يدي (اخوة العروبه) السلطات السوريه .. ولانعرف السبب ونعرف الجرح الناتج.. ويصبح شبلا في العمل الفدائي ويتبناه يونس . ويصبحا اب وابن وكل يعوض للاخر ما يفتقده.. جابر الفدائي في عمان ولبنان وجرحه ودورة في الصين وتحوله للتمريض لاصابته البليغة .جابر وحبة لشمس الفدائية التي كانت زوجة لفدائي لكنه موتور ومريض نفسيا تركته .لتصنع مجدها الشخصي كفدائيه.. ولكنها ستصلب على حبل التخلف وتقتلها (القبيله).لانها احبت وقتلت من غدرها.. شمس حبة الاكبر والاوحد .عندما غادرته .التحف صحبة يونس (الميت الحي).. لا يتوقف جابر عن سرد الحكايه ..الحكايات. في كل انسان تاريخ كامل مؤثر ومحزن ومفرح وعظيم.. يتحدث ناسجا التاريخ دون ادعاء .سنعرف ان الثورة غدرت مرتين الاولى في الاردن 1970.والثانيه في لبنان 1982 .بعد اجتياح اسرائيل. سنعرف كيف عاش الفلسطيني هنا وهناك .منفيا زائدا عن الحاجة ومضطهدا ايضا .وسنعرفه فدائيا يعبر دائما اليها شوقا ومقاتلا للتحرير.. ستتكرر حكاية اللجوء مع مذابح صبرا وشاتيلا وتل الزعتر .وسنكتشف اننا دوما ضحايا.. ولكن سنذهل اننا ما زلنا من بني الانسان. نحب ونعشق ونتزوج وننجب الاولاد والاحلام والفدائيين. ونعيش هنا في اللجوء .كاننا هناك في البلاد.. الاف الحكايا تتلى والنفس تتوق للجديد .وخيط واحد يربط الكل .انه فلسطين الانسان فردا وجماعة.. ليونس امتداد بفلسطين عائلته اولاده واحفاده . ولجابر امتداد في فلسطينيي الغربة يتناسلون في كل اسقاع الارض ووجهتهم واحده فلسطين.. سنتعرف على ام حسن قابلة فلسطين وموتها المؤثر .كما موت شمس قتلا وغيلة .. ولا احد يهتم .سنتعرف على الكثيرين كلهم يقومون بدورهم في نسج حكاية فلسطين الحق الذي لن يموت.. للحب حضور وللمرأه وللانسان بصفته انسان بحقوق وكرامة وحق بالحياة والوطن والحرية والعدل.. سنجد ان الرواية يكتمل سردها عندما تشبعنا نفسيا ومعنويا .بفلسطين من الثلاثينيات الى ما قبل الالفية الجديده .وانها حية وان زيادة اعوام البعد عنها يزيد التعلق.. وان انساننا هو الاول ..والاخير في معادلة الحياة..تنتهي الرواية عندما يقف جابر على قبر يونس يودعه بآخر اعتراف له تحت جنح الليل وحبال المطر.. ما اخرني عنك ياغالي الا حب امرأه..وانا لم اظلمك ألست ايضا فنيت عمرك من اجل امرأه تارة اسميتها نهيله وفي كل الاحوال كانت فلسطين…
.الرواية غير قابلة للتلخيص .هي كالهواء لا تعيش الا ان تشربته رئتاك دوما ودائما وكله..
.الرواية تعطينا خوفا من ان تتكرر تغريبة السوريين على شاكلة تغريبة الفلسطينيين.. مغادرين الوطن ساكنين الحكاية. لذلك كانت الثورة وطنهم ..واصبحت الثورة وطننا.
رواية “باب الشمس” للروائي الكاتب “الياس خوري” قراءة جميلة وتعقيب رائع للمبدع “احمد العربي” الرواية تتحدث عن محنة فلسطيني من مخيم شاتيلا ورحلته ، الرواية تعطينا الخوف من تكرار التغريبة الفلسطينية مع السوريين مغادرين الوطن ساكنين الحكاية. لذلك كانت الثورة وطنهم ..وأصبحت الثورة وطننا.