قد يكون “حزب الله” راضياً عن المكاسب السياسية الحالية التي حققها من الصراع، لكن لا يزال يتعين على واشنطن أن تحاول تغيير حساباتها بالنظر إلى المخاطر الجسيمة المتمثلة في نشوب حرب أوسع نطاقاً.
منذ اندلاع الحرب في غزة، يحاول “حزب الله” تحقيق توازن هش بين الردود المحدودة والانخراط الكامل، ويبدو أنه يزداد جرأة ومخاطرة يوماً بعد يوم، في إشارة إلى استعداده للحرب دون انتهاك القواعد الضمنية التي وضعها الحزب مع إسرائيل بعد حرب لبنان عام 2006. ومع ذلك فإن هذا التوازن المحفوف بالمخاطر قد ينهار في أي وقت، سواء بسبب سوء التقدير أو اتخاذ قرار متعمد بتغيير الاستراتيجيات.
وحتى الآن، انخرط “حزب الله” في عدة اشتباكات على طول الحدود مع إسرائيل، إما بشكل مباشر أو عبر خلايا تابعة لـ “كتائب عز الدين القسام”، وهي قوة تابعة لـ “حماس” سُمح لها بالعمل في جنوب لبنان لبعض الوقت. ودُرس نطاق هذه الاشتباكات بعناية لحصره ضمن حدود معينة مع الاستمرار في إبقاء إسرائيل مهددة بخطر التصعيد على جبهات متعددة. وبالفعل، لم ينضم “حزب الله” بعد إلى الحرب من منظور لوجستي: فقد امتنعت وحداته عن إطلاق الصواريخ على البنية الأساسية الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين، ولم تتسلل قواته الخاصة إلى إسرائيل، ولا تزال مجموعة أهدافه مقتصرة على العناصر العسكرية في الشمال. ولكنه يحرص في الوقت نفسه، على الحفاظ على مستوى تهديد مرتفع من خلال إجراء نوع من العمليات الهامة كل يوم منذ هجوم “حماس”.
ويبدو الهدف من الاستراتيجية الحالية لـ “حزب الله” واضحاً، وهو قطف ثمار الحرب بين حركة “حماس” وإسرائيل من دون خسارة الوجود العسكري الذي نجح في بنائه بشكل مطرد في لبنان منذ عام 2006. وعلى الرغم من أن الحزب يعتقد بأن فتح جبهة أخرى يمكن أن يربك إسرائيل لبعض الوقت وفقاً لاستراتيجية “الجبهة الموحدة” التي صممها “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”، إلّا أن الحزب يدرك أيضاً على ما يبدو أن هذا النهج لن ينجح في هزيمة إسرائيل على المدى الطويل – وعلى الأرجح سينتهي ذلك بتدمير ترسانة “حزب الله” وإضعاف قواته. ومن شأن اندلاع حرب واسعة النطاق لا يتّضح فيها من المنتصر ومن المهزوم أن تضعف قدرات الحزب المالية لإعادة تجهيز جيشه أو إقناع جمهوره الأساسي في لبنان بسردية “النصر”؛ وقد لا تتمكن قيادة الحزب حتى من إعادة بناء معاقلها في بيروت وجنوب البلاد.
باختصار، قد تكون تكاليف التصعيد على نطاق واسع أكبر بكثير من أي مكاسب أخرى. وفي الداخل اللبناني، سوف يلقي كل حزب وطائفة اللوم على “حزب الله” لأنه جر لبنان إلى حرب أخرى، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على الاستراتيجية السياسية الداخلية للحزب، والتدفقات النقدية المتوفرة، والآفاق الاقتصادية المستقبلية. فحتى حلفائه المقربين أعربوا عن معارضتهم دخول الحرب.
وبالمثل، حصد بالفعل الراعي الإيراني لـ”حزب الله” الكثير مما سعى إليه على ما يبدو من هجوم “حماس” وقد يتمسك بموقفه – على الأقل في الوقت الحالي. وتجدر الإشارة إلى أنه تم تجميد عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية المدعومة من الولايات المتحدة، وتم الكشف عن نقاط الضعف في القوة الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية، كما نجح أحد وكلاء طهران في تنفيذ التهديد الذي لطالما أطلقه النظام وهو التسبب بأضرار جسيمة داخل إسرائيل رداً على العمليات الإسرائيلية المشتبه بها داخل إيران. كما أدى الهجوم إلى إعادة تنشيط رواية المقاومة التي يروج لها النظام الإيراني في جميع أنحاء المنطقة.
وتَعتبر طهران أن وقوع ضحايا فلسطينيين بأعداد كبيرة ليس إلا ثمن بسيط يجب دفعه مقابل تحقيق هذه المكاسب وزيادة نفوذ وكيلها العسكري الرئيسي، “حزب الله”. والمعضلة بطبيعة الحال هي أنّ المراهنة على فتح “حزب الله” جبهة واسعة النطاق، لن يترك لإيران أي ورقة مهمة أخرى تراهن عليها. ومع ذلك، لا تشارك طهران المخاوف اللبنانية المحلية لـ “حزب الله”، وبالتالي لن تكون مقيدة بهذا العامل. وإذا صدر الأمر بانضمام “حزب الله” إلى الحرب، فسينفذ الحزب ذلك دون نقاش مع إيران.
وتبث وسائل إعلام “حزب الله” رسالتين رئيسيتين حالياً، مفادهما أن الولايات المتحدة استُدرجت بالخداع للدخول في الصراع، وأن التحذيرات الأمريكية لن تخرج الحزب عن مساره. ومع ذلك، لم يستدعِ الحزب عناصره الاحتياطيين ولم يخلِ الضاحية الجنوبية لبيروت، على الرغم من مطالبته سكان البلدات الحدودية بالمغادرة – وهي دلالة على رغبته في إبقاء أي أعمال عدائية مقتصرة على الحدود في الوقت الحالي. بالإضافة إلى ذلك، غاب قائد “حزب الله” حسن نصر الله كلياً عن الساحة منذ هجوم “حماس”، وهو ما يعني عادة أن الحزب لم يقرر بعد مدى عمق التدخل في أزمة معينة. ففي عام 2006، كان نصر الله أول من أعلن الحرب وعلّق باستمرار على تقدمها.
وبينما يتداول “حزب الله” وإيران بشأن خطواتهما التالية، من الضروري إظهار القوة والعزم، إذ لا يمكن ثنيهما عن التصعيد إلا بتحويل ثقتهما إلى خوف، الأمر الذي يتطلب إظهار جدية التهديدات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية. على “حزب الله” أن يفهم أنه أخطأ بالفعل في تقدير الموقف، وأنه لم يعد من الممكن استخدام أصوله العسكرية لتعزيز المصالح الإيرانية في المنطقة.
وبالإضافة إلى قيام “حزب الله” بتكثيف نشاطه على الحدود، حذر من أنه سينضم إلى حركة “حماس” إذا نفذت إسرائيل اجتياحاً واسع النطاق في غزة. وإذا صدق هذا التعهد، سيصبح فتح جبهة ثانية مسألة وقت وليس مجرد احتمال. وحتى لو لم يتسبب توغل إسرائيلي في إشعال حرب مع “حزب الله”، إلّا أن هناك عوامل أخرى قد تؤدي إلى النتيجة نفسها، من بينها التكتيكات المحفوفة بالمخاطر التي ينتهجها الحزب حالياً، أو الخطاً القاتل في التقديرات أو الخطأ في الاستهداف، أو تغيّر في استراتيجية إيران. وقد ينفجر الصراع أيضاً على المستوى الإقليمي بطرق أخرى غير متوقعة، مما قد يدفع “حزب الله” إلى الاعتقاد بأنه ليس لديه خيار سوى التدخل.
وفي ظلّ هذه المخاطر، فإن الرسائل الدبلوماسية غير كافية، حيث لن يضفي الحزب مصداقية للتحذيرات الأمريكية والإسرائيلية ما لم تكن مصحوبة بخطوات عسكرية واضحة. وبالفعل، نشرت البحرية الأمريكية حاملتَي طائرات في المنطقة المجاورة، ولكن ما زال على الحلفاء تعزيز حضورهم بالقرب من حدود وسواحل لبنان وسوريا وإسرائيل، بالإضافة إلى إجراء تحليقات عسكرية بالقرب من مرتفعات الجولان وغيرها من نقاط الاشتعال المحتملة الأخرى.
وعلى نحو مماثل، يجب أن تدرك إيران وأن يدرك “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” المخاطر التي تهدد بنيتهما التحتية السياسية والعسكرية إذا تدخل “حزب الله” في المعركة. إن القرار في يد طهران – وقبل أن يتخذ النظام الإيراني قراره، على واشنطن أن توضح ما سيحدث إذا استمرت إيران في استخدام وكلاء عرب لاستهداف إسرائيليين وأمريكيين.
حنين غدار هي “زميلة فريدمان” في “برنامج السياسة العربية” التابع لمعهد واشنطن ومؤلفة دراسته الأخيرة “عصابات «الكاش»: كيف يستفيد “حزب الله” من الأزمة المالية في لبنان”.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
لقد أثبت #طوفان_الاقصى فشل حسابات حلف المقاولة والمماتعة زعيمه نظام ملالي طهران وأذرعتها الإرهابية الاجرامية ، فلم تتجرأ على مساندة حليفتهم “حماس” بعد أن أظهرت أمريكا وحلفائها الغربيين قوتهم واستقدموا أساطيلهم وجاء قادتهم لدعم صنيعتهم “الكيان الصه/يوني” إنه العهر السياسي الدولي بامتياز .