يسعى النظام السوري إلى وقف التظاهرات المناوئة له في محافظة السويداء، عبر اللجوء إلى أساليبه المعتادة. فبعد فشل مسعاه بالاستعانة بمشايخ من الطائفة الدرزية ووجهاء محليين، بدأ يلّوح بالعنف والأساليب الأمنية مجدداً، وذلك في مؤشر واضح على خشيته من توسع رقعة الحراك الشعبي، وامتدادها إلى مناطق جديدة.
وفي سبيل تحقيق ذلك، عرض النظام إطلاق سراح المتظاهرين التسعة الذين اعتقلتهم الأجهزة الأمنية خلال تظاهرات الاثنين، مقابل وقف التظاهرات التي تشهدها السويداء منذ الأسبوع الماضي.
وأكد مسؤول التحرير في شبكة “السويداء24” ريان معروف أن المعلومات بحوزته تشير إلى أن المعتقلين لا يزالون في السويداء، ولم يتم تحويلهم إلى الأفرع الأمنية في دمشق، وذلك فيما يبدو رغبة من النظام باحتواء الموقف، عبر إطلاق سراحهم مقابل وقف التظاهرات.
وحول احتمال قبول لجان الحراك بالعرض الذي قدمه النظام، قال ل”المدن”، إن حالة من الانقسام تسود بين أوساط الحراك الثوري، بين قسم وافق على مقترح النظام، أي إطلاق سراح المتظاهرين مقابل وقف التظاهرات، وآخر يرفض تماماً وقف التظاهرات.
مصدر ثانٍ من السويداء، أكد ل”المدن”، أن المتظاهرين ما زالوا متواجدين في مقر فرع الشرطة العسكرية في مدينة السويداء، مشيراً إلى التكتم الشديد على سير المفاوضات وشروطها، محذراً من عواقب رفض النظام إطلاق سراح المتظاهرين التسعة، إلى جانب رائد الخطيب أحد قياديي الحراك الذي تم اعتقاله الأسبوع الماضي، مع بداية التظاهرات.
وبانتظار اتضاح مصير المعتقلين، وبهدف إفساح المجال لمفاوضات هادئة بعد الحديث عن وعود من جانب النظام لإطلاق سراحهم، تم إلغاء مظاهرة كانت من المقرر أن تنطلق من أمام مركز مقام “عين الزمان” الخيري، ظهر الثلاثاء، وفق ما أفادت مصادر متطابقة.
وإلى جانب الجدل الواسع، أثار إلغاء التظاهرة التساؤل عمّا إذا كان النظام قد نجح في رهانه على البطش الأمني لوقف التظاهرات، وفي هذا السياق، لم يجزم الصحافي رامي نصر الله، الموجود في السويداء، بتوقف التظاهرات. وقال ل”المدن”: “لا وضوح في الوقت الحاضر، والاحتمالات كلها مفتوحة”.
ورداً على تساؤل البعض عن جدوى خروج التظاهرات إن كانت ستتوقف مع زيادة الضغوط من جانب النظام، أضاف “أحياناً يقدم البعض على خطوة علّها تفتح أفقاً جديداً، وحين تجد أن الواقع غير ناضج بعد، تقتضي الحكمة التروي والحفاظ على حياة الناس وأمنها، إلى فرصة ثانية تكون أكثر تنظيما”.
وأعرب نصر الله عن اعتقاده بأن “الواقع يحتاج إلى دراسة معمقة وتروٍ وحكمة، تفادياً لتكرار الخسائر القديمة”، وذلك في إشارة واضحة إلى مرحلة من الخذلان يعيشها حراك السويداء الثوري، وتحديداً من الفصائل المحلية، والطبقة الدينية.
وفي هذا الصدد، أشار مصدر خاص ل”المدن”، إلى قيام جهات شعبية بمحاولة الضغط على الفصائل المحلية، لإحراجها على أمل أن تخرج بمواقف قوية، رداً على أساليب النظام الأمنية التي يصر على ممارستها مع كل حراك ضده. وشدد على أن “الحراك مستمر، ولن يتوقف”.
تحدٍ ل”قيصر”
يبدأ سريان قانون قيصر الأربعاء، وسيفرض عقوبات مجددة على النظام السوري، الذي يعاني اقتصادياً. وقال مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني إن النظام السوري لا يزال يتعامل بالطريقة الوحشية ذاتها مع كل من يعارض حكمه، دون النظر إلى النتائج، والعقوبات الغربية. وأضاف أن النظام يدرك أن أي تنازل يقدمه يعني سقوطه، وعلى ذلك سيقوم النظام بمواجهة التظاهرات بالسويداء بالأساليب ذاتها، ومنها الاعتقالات، والإخفاء القسري، والتعذيب.
وأضاف في حديث ل”المدن”، إلى أن النظام يسعى الآن من خلال التحقيق مع المعتقلين، لمعرفة قيادات الحراك، وتحديداً الصفوف الأمامية منها، لضربها، مضيفاً أن “النظام الذي لم يتجاوب سابقا مع مطالب الشعب السوري في العام 2011، لن يتجاوب أيضاً مع مطالب السويداء”.
وتابع عبد الغني أنه رغم دخول قانون “قيصر” لحماية المدنيين السوريين حيز التطبيق الأربعاء، فإن النظام يواصل الممارسات الوحشية ذاتها، فهو من جانب يعتقل المتظاهرين في السويداء، وكذلك يواصل القصف على إدلب، ظناً منه أنه قادر على الصمود. وقال إن النظام يعتقد أن زيادة المعاناة على الشعب السوري قد تجلب التعاطف من أطراف منظمة، الأمر الذي قد يقود إلى ظهور مطالبات بتخفيف وطأة العقوبات.
في السياق، أدان منسق “الهيئة الوطنية السورية لشؤون المفقودين والمعتقلين” ياسر الفرحان، اعتقال المتظاهرين، مؤكداً أن نظام الأسد لا يملك سوى إستراتيجية وحيدة في تعامله مع الشعب السوري تقوم على القمع والعنف.
وطالب الفرحان، في بيان نُشر على موقع “الائتلاف” الرسمي، المؤسسات الدولية بمتابعة حالة المعتقلين، وأكد أن الاعتقال خارج القانون والإخفاء القسري والتعذيب والتصفية والمحاكمات غير العادلة، هي أوصاف متجذرة لدى نظام الأسد منذ أن استولى الأسد الأب على السلطة في سوريا.
المصدر: المدن