لم يتغير شيء… العلاقات الأمريكية الإيرانية وتطوراتها…   تحت الضوء…

أحمد العربي

اولا. سنبدأ تحليلنا من الحضور الامريكي القوي على مستوى العالم وخاصة في منطقتنا المسماة الشرق الأوسط، فبعد مشاركتها في الحرب العالمية الثانية ومساهمتها في الانتصار على دول المحور ألمانيا وإيطاليا، واقتسام النفوذ العالمي بين حلف الأطلسي وعلى رأسه أمريكا، وحلف وارسو وعلى رأسه الاتحاد السوفييتي، وانتقال الصراع الدولي بين الكبار على مصالحهم في مرحلة الحرب الباردة، حيث صراع حلفاء وهيمنة وامتداد نفوذ..الخ…

ثانيا. اعتمدت أمريكا على دول حليفة، أو تابعة لها سياسيا، مثل أوروبا وتركيا و(اسرائيل) إيران أيام حكم الشاه، كدول تمثل درع استراتيجي ضد التمدد السوفييتي، وعملت على خلق تحالفات إقليمية، موجهة ضد مصالح الاتحاد السوفييتي والدول التي تدور في فلكه، وكان حلف بغداد في الخمسينات نموذجا….

ثالثا. مثلت ايران الشاه الدولة الاقوى في المنطقة التي تتبع السياسة الأمريكية، كعصا تستخدم عند الحاجه لردع دول المنطقة التي تتحالف مع الاتحاد السوفييتي، وهذا ما حصل فعلا من خلال التوتر والصراع شبه الدائم بين إيران الشاه والعراق الذي التحق تحالفا في الركب السوفييتي بعد ثورته في الخمسينات، واحتلال إيران الشاه للجزر العربية (طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى ) في الخليج العربي، وفرض اتفاق على العراق مجحفة بحقوقه الدولية في الوصول الى الخليج العربي، كما ثبت في اتفاق الجزائر بين العراق وإيران الشاه في سبعينيات القرن الماضي…

رابعا. وعلى مستوى آخر داخلي إيراني. حيث كان هناك مظلومية مجتمعية أدت للثورة على نظام الشاه ونجحت الثورة الدستورية ايام مصدق، في خمسينات القرن الماضي، لكن أمريكا وحلفائها الغربيين أسقطوا مصدق وأعادوا تثبيت حكم الشاه، ولكن أسباب الثورة لم تنتهي، والتقط الكرة تيار الإسلام السياسي الشيعي بقيادة الخميني على رأس (آيات الله)، للوصول للسلطة السياسية في إيران، وهذا ماحصل فعلا في عام 1979، وكانت أهم التوجهات السياسية للخميني ومن معه من الحكام الجدد، أنهم على تناقض مطلق مع أمريكا ومصالحها سواء في ايران او المنطقة، وأطلقوا عليها تعبيرهم الأشهر (الشيطان الأكبر)… وأطلقت إيران الخميني تعبير الثورة الاسلامية على ثورة الشعب الايراني وعملت على مفهوم تصدير الثورة كوسيلة هيمنة جديدة إمبراطورية فارسية مغطية نفسها بالإسلام الشيعي الايراني واعتبرت منذ ذلك الوقت ان اي تواجد إسلامي شيعي هو مجالها الحيوي ونشطت داخله، سواء في العراق ولبنان ودول الخليج… الخ.. وتحالفت مع نظام الاستبداد في سوريا، وفي العمق كان طائفيا فارسيا شيعيا معلنا عند إيران. وخفي مغطى بادعاء المقاومة من قبل النظام السوري…

خامسا. لم تتقبل أمريكا ما حصل في إيران، وعملت على مستويات عدة لمواجهة السلطة الجديدة في إيران واعتبرته نظاما عدوا لأمريكا؛ وعندما  لم تستطع إسقاطه سعت لاحتوائه، واستخدمت عدائه لها (استثماريا) لمصلحة أمريكا على كافة المستويات، وكانت أول الأعمال تشجيع عراق صدام حسين على إعلان الحرب على ايران، تحت دعوى استرداد أراضى عراقية؛ وحق الإطلالة على الخليج، ونصرة للعرب في الأحواز المحتلة من ايران، واعلان الحرب عليها كضربة استباقية ضد امتداد الإسلام الفارسي الشيعي السياسي في  الشيعة العراقيين، الذين وجدوا بإيران حاضنة وداعمة له؛ كحزب الدعوة وغيره، هذه الحرب التي امتدت لثمانية سنوات، وكانت كارثة حقيقية على إيران والعراق بشريا وماديا، و كانت تكلفتها الاقتصادية الباهظة على دول الخليج التي كانت تمول العراق في حربه تلك هذا غير الضحايا العراقيين الذين وصلوا لحدود المليون انسان… الحرب التي لم تتوقف أمريكا عن أن تعطيها أسباب الاستمرار، استنزاف لكل الأطراف التي اعتبرت عدوة حليفتها (اسرائيل)، فلم تتورع عن دعم ايران بالسلاح (الاسرائيلي) سرا عبر وسطاء؛ وفضح فيما بعد… ولم تكد تنتهي الحرب حتى تم العمل على ضرب العراق، ليصل لما وصل إليه، لم ينته الحضور الايراني في العراق، فقد اصبح المرجع السياسي والمادي والعسكري، لأغلب القوى الشيعية السياسية داخل العراق، والتي استمرت تنسق ايضا مع أمريكا، خاصة بعد احتلال الكويت من قبل العراق وتحريرها، وبدء معركة اسقاط دولة العراق وتدميرها، عبر دعوى إسقاط صدام حسين، فما تم من عدوان في تحرير الكويت و بعده ضد العراق؛ والذي توج باحتلاله من امريكا؛ من حصار وقتل وتدمير… جعل العراق دولة فاشلة، وكان للحضور الإيراني فيها عبر حلفائها، وخاصة بعد الخروج الامريكي منها، بداية تشكيل دولة طائفية وعرقية ستقسم العراق عموديا، وعبر دستور بريمر الأمريكي؛ الراعي للتقسيم الطائفي العرقي للعراق، وتؤسس التقسيم الفعلي كما هو حاصل على الأرض… وهنا ايضا تتبادل أمريكا وإيران الأدوار (الاخوة الاعداء)؛ على مصالح واحده داخل العراق، ولو عدنا لموضوع الارهاب والقاعدة وداعش والتأكيد على رعايته ايرانيا، وتحويله لهدف يجب محاربته. ويتم تحت ستار محاربة داعش، حيث التهجير الطائفي وتأكيد مظلوميه سنية، تؤسس لحرب طائفية مستديمة في العراق تخدم مصلحة أمريكا و(اسرائيل) باستنزاف المنطقة ذاتيا، وتخدم إيران حيث سيطر حلفاءها على الدولة العراقية عموما…

سادسا. انتهت الحرب العراقية الايرانية في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، لكن لم تنتهي سياسات التمدد الإيراني. كمجال حيوي وخلق حلفاء واتباع في المنطقة وفق آليات مختلفة، قامت ايران و بالتوافق مع النظام الاستبدادي السوري  في شيعة لبنان ، ومن منظور تسييسهم على انهم مضطهدين وأصحاب حقوق، ولمواجهة (اسرائيل)كذريعة سياسية ومصلحيه، وساعدت على تأسيس حركة امل وحزب الله، الذين كانا اداة ايران والنظام السوري، حيث تم تبادل الأدوار بين النظام السوري و(اسرائيل) وأمريكا استئصال القوى الوطنيه اللبنانيه، وإخراج الثورة الفلسطينية من لبنان، وتحول لبنان لدولة تابعة للسياسه السوريه الايرانيه بالكامل، عبر حضورهم المباشر وعبر وكيلهم حزب الله… هنا كانت أمريكا حريصة ان ترسم الحضور السوري في لبنان، وكذلك إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية منه، ومتابعة الصراع بين حزب الله و(اسرائيل)، ورعاية الاتفاقات التي انتهت أخيرا بوجود حزب الله على حدود لبنان مع فلسطين كضامن لأمن (اسرائيل)، تماما كما فعل النظام السوري في الجولان عبر أربعين عاما، هكذا يتضح حدود الصراع بين أمريكا وإيران، واحتواء واستخدام امريكا لايران ايضا…

سابعا. كذلك الحال استمرت إيران بالتغلغل في أوساط الشيعة العرب في الخليج حيث استثمرت مظلومية مجتمعية وسياسية، لتلحق أغلب  الشيعة العرب  ليصبحوا تابعين لها ومنفذين أجندتها، فتكون حزب الله كفرع لتنظيم إيراني دولي في أغلب دولها، يمثل أجندة إيران وينفذ توجهاتها، حيث حصل بعض الحراك ضد دولهم وقامت بعض العمليات الإرهابية ايضا، وهنا كانت أمريكا المستفيدة؛ حيث جعلت دول الخليج ترتبط مصيريا مع أمريكا عبر معاهدات دفاع مشترك، تحت دعوى التهديد الايراني، وادى لوجود قواعد عسكرية امريكية، وادى لحصول استعداد لتمرد داخلي ذي صبغة طائفية شيعية، يضرب الوحدة الوطنية لهذه الدول، وهذا الحضور الإيراني والمشاكل الداخلية وطريقة تعاطي الدول معها، لم تعكس كل سلبياتها بعد، والمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات السيئة للاسف…

ثامنا. هناك نموذج للتدخل التخريبي الإيراني. وهو دور إيران في اليمن. فرغم كون الشيعة الاثني عشرية كمذهب غير منتشر في اليمن، بل هناك الشيعه الزيدية ومنهم الحوثيين، فقد استطاعت ايران ان تستثمر ادعاءاتها بمحاربة امريكا و(اسرائيل)، وان تستثمر مظلومية الحوثيين بعلاقتهم مع السلطة، ومدهم بالدعم المادي والعسكري، بحيث خاضوا مواجهات عدة عبر تاريخهم مع الدولة، تنتهي الى مصالحات هشه، وكانوا اخيرا الحصان الرابح لإيران التي وجدت بهم حليفا يستثمر إقليميا في خاصرة السعودية، ودوليا في اليمن وموقعها الاستراتيجي في طريق ملاحة دولية، وهنا استثمرت ذلك أمريكا في اليمن. حيث اعطت الضوء الاخضر للتحالف العربي الاسلامي بقيادة السعودية، للحرب في اليمن، الذي يستنزف السعودية ودول الخليج و يدمر اليمن ويقتل شعبه، ويزيد من المواجهات الإقليمية بين إيران ودول المنطقة، وتركت أمريكا المنطقة مفتوحة على صراع يستنزف الجميع ويضرب البنى المجتمعية، المتداخلة طائفيا ومجتمعيا، والمستفيد الوحيد (اسرائيل). والآن وبعد مضي سنوات هناك محاولة لإيجاد حل بين السعودية وإيران في اليمن لتجاوز هذه المشكلة التي أدت لتجذير وجود إيران في اليمن وتأبيده

تاسعا. أما الدور الإيراني في سوريا. فمنذ بداية الثورة السورية، فقد اعلنت ايران دعمها المطلق للنظام وقدمت له كل أسباب القوة والحياة، فدخل الحرس الثوري الايراني و حزب الله والمرتزقة الطائفيين من العراق وافغانستان.الخ… واستثمرت أمريكا في سوريا، حيث تزعمت دول أصدقاء الشعب السوري، ورعت وضبطت الدعم المالي والعسكري، الذي لم يسقط النظام ولم يسمح بانتصار الثورة، وجعلت سوريا مسرحا لصراع دولي إقليمي، أججت الصراع الطائفي، وكانت حصيلة الصراع فيه كارثية على الشعب السوري. ما يزيد عن مليون شهيد، ومثلهم مصابين ومشوهين، وربع الشعب السوري مهجر خارجيا ومثلهم داخليا، وأكثر من نصف سوريا مدمر، والمستفيد الأكبر (اسرائيل)، والفاعل الأكبر في المأساة السورية ايران بمالها وسلاحها ومرتزقتها. بتغطية ودعم روسي، وهنا ظهر الاحتواء المزدوج في السياسه الايرانيه والامريكيه في سوريا من قبل امريكا، كما هو حاصل في العراق واليمن، أفعال متكاملة ، تظهر متصارعة، تؤدي لما ادت اليه…

عاشرا. ظهرت السياسة الأمريكية في مرحلة أوباما أقرب للتنصل من التواجد على الأرض منها الى الحضور العسكري المباشر، لكنها مثلت دور المايسترو قائد فريق العمل، فرعت العمل المباشر لاسقاط الثورة في مصر، وتحويل الثورة في ليبيا واليمن لحرب أهلية، ورعاية الصراع في سوريا وعليها، وساعدت (عبر تركها الأطراف تستمر بالصراع) على إعادة إنعاش إرهاب القاعدة وداعش، وتحويله لعدو دولي والحرب عليه، وانتجت داخل هذه الدول أرضية كبيرة لصراع طائفي أهلي بيني على كل المستويات، (صراع سني سني. شيعي سني. علوي سني. خوف بقية الأقليات. التأسيس لصراع عربي كردي. تتوج بعد حين بخلق شبه دولة كردية انفصالية في شرق سوريا بقيادة حزب العمال الكردستاني برعاية امريكية وسكوت او عجز ايراني روسي. الخ.). ولم تتدخل أمريكا بالمباشر إلا في ملفين: في سوريا هددت بضرب النظام بعد أن ضرب الشعب بالكيماوي، وادى ذلك الى تسليم الكيماوي لمجلس الأمن. والثاني رعاية استبعاد ايران من الالتحاق بالنادي النووي، عبر إيقاف أبحاثها النووية، وإلزامها باتفاقات دولية تمنعها بالمطلق من أن تصنع السلاح الذري، وبالحالتين خدمت المصلحة العليا ل(اسرائيل)… هذه السياسة التي اظهرت صمتا أمريكيا عن حضور إيران في مواقع الصراع، و تعاونت معها عبر حلفائها في العراق، مما جعل حلفاءها في المنطقة يرفضون تعاطي أسلوب أمريكا مع إيران بهذه الطريقة، ويطالبونها بمواجهتها ومنع تمددها… وهذا ما لم يتحقق في مرحلة أوباما…

حادي عشر. في مرحلة ترامب، ظهر أن هناك ردة على سياسة أوباما في كل شيء ومنها موقفه من إيران، أمريكا تعلن رفضها المعاهدة المبرمة مع إيران حول برنامجها النووي، لكن دون تصرف مباشر، وتعلن استياءها من حضورها في سوريا واليمن، وتطالبها بالخروج منهما، وبكل الأحوال هي تعلن مواقف ولم ترسم سياسات بعد، و لا نرى أن هناك تغير استراتيجي في المنطقة لموقف أمريكا تجاه إيران، فهي بالنسبة لها قوة إقليمية تنظر لحضورها في اي ملف وفق منظور مصلحي براغماتي، وتتخذ ما تراه أقرب لمصلحتها وحليفتها (اسرائيل)، ولا يعني شيئا بالنسبة لها و حلفائها وأعدائها ما تدعيه اعلاميا، وما زالت استراتيجية أمريكا تجاه إيران هي نفسها : ان الدولة الايرانية وقوتها مستهدفة من أمريكيا و(اسرائيل)، وبالتالي سيتم العمل على استمرار الصراع في كل المواقع التي تتواجد فيها ايران؛ او لها امتداد ولو معنوي في أي مكان، استنزافا لكل الأطراف، وايران مازالت على موقفها السياسي، سواء بمبدأ تصدير الثورة؛ أو بالاستبداد الداخلي؛ او برعاية احزاب وتكتلات طائفية ودول مستبدة وطائفية، وان ذلك لن يكون إلا وقود في صراع اهلي او طائفي او قومي يخدم الاعداء والمستبدين..

.اخيرا. نحن ومن موقع مصلحة الشعب السوري وثورته، نرى ان الدولة الإيرانية دولة جوار إقليمي، محكومة بسلطة استبداية دينية، تعمل ضد شعبها وشعوب المنطقة، ونحن في سوريا ندفع ثمن تدخلها من دم الشعب السوري، وتأخير للوقت الذي تنتصر به ثورتنا ونبني دولتنا الوطنية الديمقراطية، لذلك نقول ان السلطة الإيرانية بالنسبة لنا عدو نحارب احتلاله لبلادنا، واننا مع معارضي النظام الإيراني للعمل لاسقاطه، وبناء دولتهم الديمقراطية..

.اما امريكا فإننا مطالبون ان نستمر في اقناعها بأن مصالحها بالمنطقة ومنها سورية، أن تساعد الشعوب للوصول للحكم الديمقراطي  وان نبني علاقتنا معها؛ وفق المصالح المتبادلة كدول تحترم بعضها، ونعرف ان امريكا تنطلق بعملها من مصلحتها بالنفط وموارد المنطقة؛ لذلك نراها تدعم حزب العمال الكردستاني الانفصالي في شرق الفرات حيث النفط والموارد الزراعية لسورية،  وذلك ضد مصلحة الشعب السوري  كذلك حماية ودعم (اسرائيل)؛ و دعمها لدول الاستبداد العربي كأدوات رعاية لمصالحها… وهي ترعى حملة خلق تناقض مصيري بين مكونات شعوب المنطقة؛ كمقدمة لصراع أهلي دائم يقتل ويستنزف الكل. ومازلنا نعمل لوعي هذا الحضور وكيفية مواجهته…

.ما زلنا نرى في الحالة الإيرانية والأمريكية نموذجا للصراع السياسي الذي تستخدم به كل الوسائل في منطقتنا وعلى حسابنا ومن دمنا… وما زلنا مطالبين ان نتخذ الموقف الصحيح الضامن لحقوق شعبنا وثورتنا ونعمل عليه.

30.3.2017…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى