بداية:رايموند هينبوش باحث اسكتلندي متخصص في الشأن السوري، تابع دراسة سورية عبر عقود، والكتاب يدرس الحالة السياسية والمجتمعية عموما لسورية في العصر الحديث وينتهي بحثه في أواخر الثمانينات من القرن العشرين، رغم ان الكتاب مترجم حديثا 2014. والمترجم والمراجع ناشطين سياسيين سوريين.
ثاني عشر. حصلت حركة 8 آذار 1963. وأسقطت الانفصال وبنت دولة البعث التي كانت تعتمد في تسويق مشروعيتها على وحدويتها (الصحيحة والمدروسة)؛ وذلك تبريرا لعدم التقدم للوحدة الجديّة مع ناصر، وكذلك أنها تعمل لمصلحة الشعب الكادح وخاصة الفلاحين والعمال، ولعبت على وتر الإصلاح الزراعي ومزيد من الإصلاح الزراعي، واعتمدت تنظيميا على خلق بنية حزبية للبعث في كل الدولة السورية كحزب عقائدي مركزي برعاية الدولة وتنفيذا لتوجهاتها، سيمتد لاحقا ليشمل الجيش والطلبة والعمال والفلاحين والنساء وكل منشط عام، ستصبح به السلطة حاضره ظاهرا كحزب و بالعمق كشبكة استخبارات تلاحق كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس؛ ستؤدي أخيرا لتأبيد السلطة وتقضي تباعا على كل المخالفين، وتعدم إمكانية وجود أي نشاط سياسي مختلف عن النظام داخل سورية.
ثالث عشر. سيبدأ البعثيين بعد إسقاط الناصريين المنافسين في الصراع العلني والضمني على السلطة، بين اللجنه العسكريه بقيادتها -التي ذكرت سابقا- وعبر امتدادها بالجيش، وبين الجناح السياسي للحزب بقيادته التاريخية، وسينتهي الصراع بأبعاد القيادة التاريخية في 23 شباط 1966، وسيتم إبعاد محمد عمران معهم رغم كونه من مؤسسي وقادة اللجنة العسكرية، ويبعد للبنان سيغتاله الاسد بعد ذلك. لكن الصراع داخل الحزب بلجنته العسكرية لم ينتهي، حيث استمر الصراع ظاهرا وباطنا بين حافظ الأسد ومن من يتبعه خاصة في الجيش، ويين صلاح جديد ومن يتبعه خاصة في الحزب، لاختلافات في التوجهات السياسية؛ الموقف من التغيير الداخلي بين مزيد من الاشتراكية او اعادة شرعنة الطبقة الرأسمالية وامتدادها الداخلي والدولي، و الموقف المتفهم للغرب ومصالحه حول فلسطين و(اسرائيل) والفدائيين..الخ. وهذا ما كان يعمل وفقه حافظ الأسد. كذلك الصراع الضمني على السلطة ولمن الكلمة الأولى، وينتهي الصراع أخيرا لصالح حافظ الأسد الذي استخدم قوته العسكرية واستلم السلطة، وزج بخصومه في السجن : أهمهم صلاح جديد في وأعلن حركته التصحيحية في تشرين ثاني عام 1970.
رابع عشر. بانقلاب حافظ الاسد واستلامه السلطه في سورية، عمل في السنوات الاولى لحكمه على بلورة سياسة داخليه وخارجيه تتركز على محورية وجوده ودوره؛ حيث دخل مع القوى السياسية الداخلية لعبة الجبهة الوطنية التقدمية، التي ظاهرها تحالف قوى سياسية وحدوية اشتراكية للحكم ؛ وواقعها تبعية مطلقة لسلطة البعث، التي عمل الاسد لتكون تأكيدا لسلطته الشخصية المطلقة؛ فهو رئيس حزب البعث وامينه القطري ورئيس الجمهورية ومتحكم بالحكومة وبمجلس الشعب وقائد للجيش والقوات المسلحة، وعمل على بناء اجهزة امنية متعدده تتبعه شخصيا وتتغلغل في جميع اركان المجتمع، واستثمر الحزب وحوله لاداته الشخصية المنظمة في الدولة والمجتمع، واستثمره كشبكة زبائنية مصلحية انتهازية، وحوله لمعبر الزامي للتعامل مع الدولة، وجفف الحضور الحقيقي للقوى السياسيه الاخرى، حيث انشقت احزاب الجبهة الوطنية التقدمية عن امهاتها الاحزاب المعارضة التي لم تقبل الالتحاق بجبهة النظام التي صادرت السياسة في سورية تحت سلطة الدستور وأن حزب البعث قائد الدولة والمجتمع وان الاحزاب الاخرى مجرد ديكور في استبداد حقيقي، فمن بقي مع السلطه بقي بحضور رمزي كافي بالنسبة للنظام ليقدم مشروعية شكلية بانه يعتمد الديمقراطية الشعبية، ومن بقي من الاحزاب المعارضة عامله حسب حدة موقفة المعادي ومدى،ضرره بالسلطهة بين المراقب المتربص والباطش عبر الاعتقال والسجن لمدد قد تصل لعشرات السنين، والنتيجة جفف اي نشاط سياسي معارض جدي، وما بقي حالات رمزية غير فاعلة بالواقع، واعتمد الاسد مع الطليعة المقاتلة و الاخوان المسلمين البطش العنفي بعد ان حاولت الطليعه المقاتله ان تتحرك ضد النظام، وانتهت بحملة اعتقال وسجن وقتل ومذابح طالت الكثير من المدن اهمها حماة حيث كان الضحايا بعشرات الالاف، وضربت بذات الوقت القوى الوطنية الديمقراطية. بحيث وصلت لحالة الاستئصال لها سياسيا تقريبا.
خامس عشر. اعتمد الأسد في ترسيخ حكمه داخليا على شبكة أمنية وعسكرية ذات ولاء مطلق له وسلطته وقدم لها كل المكاسب عبر شرعنة الفساد والأعطيات ومواقع الهيمنة والسيطرة، واستخدم شباب الطائفة العلوية ليكونوا عصب هذه الشبكية العسكرية الأمنية، عبر الارتباطات العائلية العصبوية والعشائرية ضمن الطائفة، وعبر التغلغل في كل مفاصل الدولة بتدرج ودون ضجيج، ومن خلال الغطاء العقائدي: البعث كحزب عقائدي، وأن سورية علمانية وانها قومية واشتراكية وأنها المواجهة للعدو الصهيوني، واقترن كل ذلك بإلغاء السياسة مجتمعيا وتحول السلطة أداة هيمنة وامتصاص لموارد الدولة والمجتمع، وإلغاء أي مشروعية مدعاة؛ عن كون السلطة تمثل مصالح العمال والفلاحين، بل بدأت تخلق طبقة زبائنية من عائلة الاسد ومن حولها، طبقة اقطاعية رأسمالية ستظهر بقوة وللعلن في عصر بشار الأسد، يتحول اغلب الناس في دولة الخوف والقمع السورية الى الركض وراء لقمة العيش والبحث عن فرصة للسفر والبحث عن حياة أفضل خاصة في الخليج العربي.
سادس عشر. سيعمل حافظ الاسد اقليميا ودوليا على بناء شبكة مصالح تركز على مركزية سلطته، وتكيفه مع الإرادات الدولية واستثمار أدوار يقوم بها؛ تحوله الى لاعب اقليمي مقبول دوليا؛ سيقبل بالقرار 242 المعترف ضمنا ب(اسرائيل)، سيعمل حتى يهيمن على الثورة الفلسطينية ليستخدمها ضمن أدواره الإقليمية، وسيؤدي لتقسيمها وطردها من لبنان، سيعمل لصناعة حرب تشرين 1973 وتحول لبطل حيث حررت رمزيا القنيطرة، وصنع حدودا آمنة مع (اسرائيل) عبر عقود بالاتفاق مع الأمريكان، سيدخل لبنان ويهيمن عليه ويساعد بإخراج الثورة الفلسطينية منه، وينهي الحركة الوطنية اللبنانية، ويساعد ببناء حزب الله ويحوله لـ اداة تخدم سياساته في لبنان باتجاه اسرائيل، وليصبح أداة قمع داخلي و حارس حدود (اسرائيل)، ويساهم بعد حين في قتل الشعب السوري، ردا على ثورة الشعب على حكم بشار الأسد الاستبدادي، سيتحالف حافظ الأسد مع إيران ويضبط إيقاعها في المنطقة تجاه العراق ودول الخليج، سيخدم الاسد الاب أدوارا عدة في قضية الإرهاب الدولي، وملاحقة القاعدة واستخدامها ، حيث سيعرف كيف سيعيد استخدام هذه القوة وجودا وعدما، احتضانا و عداء، لصالحه ولصالح زبائنه من القوى العظمى الفاعلة.
سابع عشر. سيتوسع الكتاب في الحديث عن ثلاثية الهيمنة لنظام حافظ الأسد. الجيش (وضمنه الأمن) والحزب والبيروقراطية أجهزة الدولة. وانه اعتمد على ابناء الريف وابناء الاقليات الطائفيه خاصة العلويين، وهذا صحيح لفترة ما لكنه بعد ذلك تحول عن ان يبقى ضمانا وامانا عاما للكادحين السوريين حسب ادعائه، حيث تأكدوا عبر حياتهم اليومية انهم ضحايا النظام ولا يمثل مصالحهم بل يستغلهم ويقهرهم، وان اي منتمي للحزب والجيش والامن و من الطائفة العلوية وغيرها، يتحرك وفق مصلحة انتهازية مباشرة كخدمة متبادلة مع السلطة حسب موقعه وحجمه، وان شرعنة الفساد أعطت الكل فرص الاستفادة من مواقعهم السلطوية، وان الكل ايضا في أعناقهم دين للنظام لصمته عنهم وانهم أن تجاوزوا عن ما تريده السلطة، فهم تحت المحاسبة دوما، لذلك تحولت قوى الجيش والأمن ومراكز السلطة لموقع استثمار للجميع يخدم أشخاصهم وليس طوائفهم وان كان اغلبهم من العلويين، وسيتحول هذا الوضع بالثورة السورية لمأزق يطال أبناء السلطة وخاصة العلويين، الذين سيدفعون ثمن ولائهم للنظام من حياة ابنائهم وضد مجتمعهم وتحت راية المستبد في قضية ظلم واضح واجرام دائم ضد الشعب السوري.
ثامن عشر. يتناول الكتاب في أحد فصوله الاسلام السياسي في سوريا ومساره وعلاقته مع النظام صراعا ومآلات، ويؤكد ان الإخوان المسلمين ينتمون موضوعيا للقوى المدينية التي ضربت مصالحها بوصول البعث للسلطة. وتبرر هذه القوى تمرداتها وحركتها ضد النظام، بسبب علمانيته وطائفيته واتهام العلويين انهم استحوذوا على السلطة إضافة لاتهامهم باعتقادهم وان اسلامهم ناقص او مرفوض، ستحصل تحركات عدة وراءها الإسلاميين؛ سواء من اجل الدستور ومادة الاسلام المصدر التشريعي الأول، أو ضد السلطة بعد اعتقال مروان حديد قائد الطليعة المقاتله وقتله، واحتدام الصراع خاصة في السبعينات واستعمال النظام للقوة العسكرية لضرب المجتمع وقواه الحية والسياسية وليس الإخوان فقط، وحصول مجازر حماة وغيرها من المدن، سيتم استئصال الإخوان من سورية بالقتل والسجن والاختفاء والهروب، ولن يتجدد حضورهم إلا بعد ثورة الربيع السوري عام ٢٠١١م، لكن ستظهر نسخة من الإسلام الجهادي ذي الخلفية السلفية الوهابية القطبية باحدث حضور على شكل القاعدة، يوجد وينمو عبر السجون او الذهاب لأفغانستان وباكستان والعراق، وتطورات ذلك لتكوين القاعدة وداعش والنصرة، وكلها موغلة في الفهم العنفي الخاطئ للإسلام ودورها المجتمعي السلبي على الناس وعلى الاسلام ايضا.
تاسع عشر. ينتهي الكتاب في أواخر الثمانينات من القرن الماضي. وحيث نظام الأسد قد هيمن بالمطلق على الدولة والمجتمع السوري، وأمن علاقات مصالح متبادلة مع القوى الدولية والاقليمية، وبدأ النظام كسلطه ملكية رئاسية يعمل لموضوع توريث الحكم الذي سيؤدي اخيرا عام ٢٠٠٠م لتوريث بشار الأسد الحكم.
عشرين. ما لم يقله الكتاب وما لم يصل إليه في تحليله في الزمن مرحلة حكم بشار الأسد، والانتقال الى مرحلة الدولة الرأسمالية الفعلية، وتحول طبقة السلطة لمالكة للدولة كما هي صاحبة السلطة، و لا يصل الكتاب لربيع دمشق وعودة القمع ودخول سوريا مجددا في القمع العلني، ودخول الشعب في حالة ثبات سياسي. سيتم تحرك الشعب السوري متأثرا بالربيع العربي ربيع عام ٢٠١١م، حيث ظهر أن تحت رماد الواقع شعب يتوق للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. رافضا الدولة الاستبدادية ومطالبا بالديمقراطية للدولة والمجتمع..