انتفاضة السويداء مستمرة ومتجددة

أحمد مظهر سعدو

تتصاعد اضطرادًا ثورة السوريين في محافظة  السويداء، والجنوب في عمومه، إذ أنه ضمن محافظة السويداء وجبل العرب كل شيء يتحرك،  بل إن كل إنسان هناك يحاول الامساك بأداة ميدانية سلمية من أدوات الثورة والانتفاض، وقد اقتنع معظم الناس في السويداء أن لاعودة عن الاستمرار في حراكهم الكبير، الذي بات يؤرق اليوم رقاد وسهاد نظام العسف الأسدي، ويزعج ويقلق راحة أنساقه العصبوية، وشبيحته كذلك، ليس في الجغرافيا السورية فحسب، بل حتى في المحيط الإقليمي خارجها، في لبنان أو إيران، حيث يستنفر النظام السوري بعض أدواته التشبيحية في العاصمة اللبنانية، في محاوىة منه لتخويف وتهديد الحراك الشعبي الكبير السوري المنتفض في السويداء من أجل إعادة انتاج سورية حرة موحدة .

ويبدو أن نشطاء وقادة الحراك الوطني السوري في محافظة السويداء قد استشعروا بمدى الخطر المحدق بهم من قبل نظام قمعي مجرم لم يعرف يومًا سوى سياسات ممنهجة في التعاطي الأمني العصاباتي التغولي على كل مايمكن ان تنتجه الحالة السورية من أنواع مميرزة من المظاهرات والانتفاضات والحراكات، إذ ليس في منظوره أبدًا، وليس في منطوقه مطلقًا، ولم يكن له أن يقتنع نهائيا، بأية قضية يمكن أن تحيله نحو منطق وقضية الحوار السياسي الوطني السوري،  وليس في متناول يده إلا لغة التعاطي مع البشر الثائرين أو والمنتفضين وهي اللغة التي يفهمها فقط، وهي لغة القوة والعسف والقمع والاعتقال وكم الأفواه، ولعلها سياسته التي  طالما انتهجها نظام بشار الأسد، ومن قبله نظام أبيه  حافظ الأسد عبر مايزيد عن خمسين عامًا ونيف،  من حكمهما المتواصل والقمعي.

نرى اليوم وبعد أكثر من عشرين يومًا مضت على الانطلاقة المتجددة للحراك الوطني المعارض للأسد في محافظة السويداء وجبل العرب، فإن المشهد السوري هناك يتبدى ويتحرك على أنه الحراك المصمم والمستمر،  وهو الآن أكثر تصميمًا وجدية وعنفوانًا واقتناعًا بفكرة المضي قدمًا،  في الحراك، النابع من قلب المعاناة، ومن جوانية المعطى الوطني السوري الصرف،  وهو أكثر إصرارًا على إنجاز حالة متميزة في الوصول إلى الإمساك بقيم وأهداف ثورة الحرية والكرامة، وتخطي عنق الزجاجة، وصولًا إلى تحقيق دولة المواطنة في سورية وهي المفتقدة في الوطن السوري منذ عقود طويلة ومديدة. ولعل حالة الاستمرار المحققة في الانتفاض عبر كل أرياف محافظة السويداء، تعيد إلى الأذهان قضة التعامل مع متغيرات كانت قد واكبت بدايات الثورة السورية، ومنها التأكيد عل أن الشعب السوري واحد، وأن كل ما يحاوله النظام الاستبدادي الأسدي لتشويه نبل وعلو قيم الثورة، إنما هو ارتكابات جرمية بائسة لن تغير من الأمر شيئًا ولن تثني الناس عن الاستمرار في الثورة عليه وعلى أدوات استبداه، ولن تخفف من حماس الانتفاضة أو تحرفها عن مساراتها المتمسكة بها دائمًا، وكل نشطاء السويداء وخاصة قضية وحدة سورية أرضًا وشعبًا، ومنع أية محاولة جديدة لتشويه الانتفاض الشعبي، أو محاولة جره نحو متاهات وملاذات ليست في منظوره، وليست متساوقة مع ارتفاعات وعلياء أسوار الثورة السورية المنتمية إلى وطنيتها وهويتها السورية أولًا وأخيرًا.

ومن هذا المنطلق فقد بدأت ثورة الحرية والكرامة في ربيعها المتجدد الثاني إعادة طرح المسألة الوطنية السورية والغوص في ملامحها البنيوية المتينة، الخارجة من رحم ثورة الحرية والكرامة التي انطلقت أواسط آذار/ مارس ٢٠١١ ومازالت تتابع ضمن نفس السياقات، وتتكيء إلى نفس الحوامل الشعبية السورية السلمية، المندرجة في أتون فعل شعبي واعٍ يعرف ماله وما عليه ويدرك كنه نظام الاستبداد المشرقي، وماهية قيامته في العقد الماضي، بعد أن كاد ينهار كليًا،  عبر بيع السيادة السورية على قارعة الطريق للروس تارة وللإيرانيين (الملالي) تارة أخرى، وهو اليوم على استعداد للبيع لمن يشتري، بعد أن أوصل البلد السوري إلى حالة (الدولة الفاشلة) وحقق ماعجزت كل حكومات النهب والفساد عن تحقيقه، عندما أوصل البلد والمواطن السوري إلى مستويات من الفقر المدقع غير مسبوقة،  فبات خط الفقر في سورية يتجاوز  عتبة التسعين بالمئة. وهو الذي سبق ودمر البنية التحتية في سورية بما يتخطى نسبة ٦٥ بالمئة حسل دراسات وتقديرات أممية.

لم تكن إنتفاضة أهلنا في محافظة السويداء وقتية لحظية أو مرحلية، أو كردة فعل فقط على حالة الفقر والعوز المعيشي، التي أوصل بها بشار الأسد السوريين إلى ماهم فيه، من قلة حيلة وفقر لم تعرفه سورية منذ نشأتها، بل إن ثورة الجنوب والسويداء وعبر الدخول في منحنياتها اليومية واستمراريتها وامتلاكها الوعي المطابق، تظهر بوضوح ان البوصلة بالنسبة لها واضحة وصحيحة، وتؤشر إلى الاتجاه الحقيقي للثورة السورية، وهي كنس الاستبداد وإسقاط نظام القهر والاستلاب والهدر المستمر للإنسان السوري، وإن أولويات ومباديء ثورة الحرية والكرامة مابرحت واضحة وناجزة وتشكل مدخلًا لابد منه لإنجاز ماتريده هذه الحشود البشرية المصرة على تحقيق دولة الحق والقانون، دولة المواطنة، والوصول عبرها إلى إنجاز دولة سيادة الدستور والقانون، التي تتساوق مع جميع حالات العدل والمساواة، وتعمل لإنجاز صيغة العقد الاجتماعي المطلوب وطنيًا، والتمسك بالهوية الوطنية السورية رغم كل حالات التخلي الكبيرة التي تعرض لها ومازال يتعرض الشعب السوري الثائر ضد طغيان آل الأسد واستبداد الفاشيست الأسدي، ومن ثم إزاحة كل أدوات القهر (القروسطي) المتخلف العصبوي الذي يعوق حالة النهوض الوطني السوري المبتغاة، والتي ينشدها كل السوريين على اختلالف أثنياتهم وأعراقهم وطوائفهم. فلا قيامة حقيقية لسورية الحرة بدون ثورة عارمة جديدة وممتدة على مساحة الجغرافيا السورية، تقلع جذور الاستبداد، وتزيح كابوس القهر الواقع على كاهل كل السوريين، حيث طال أمده واتسعت رقعة ومساحة خطف الوطن السوري، وتمددت عبر أدوات قمع نظام الطاغوت الأسدي وداعميه الإيرانيين الذين يحملون مشروعًا خطيرًا يهدد أمن المنطقة العربية برمتها وليس سورية فقط. وكذاك المحتل الروسي الذي يُمسك بالجغرافيا السورية يتدخل في كل المسألة السورية، من أجل  تحقيق مصالحه الجيوسياسية في مواجهة الغرب المشتبك معه في في حرب ضروس عبر الوحل الأوكراني وسواه.

 

المصدر: موقع “المجلس العسكري السوري”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى