ما يؤرق الرئيسين بوتين وأردوغان… من أوكرانيا إلى سورية

راغدة درغام

لم يحصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ما كان واثقاً من أنّه سيكسبه عند لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي مطلع الأسبوع. بدا مستاءً أثناء المؤتمر الصحافي المشترك، في حين بدا على بوتين مزيج من خيبة الأمل والعزم على تلقين نظيره درساً بسبب سياساته نحو أوكرانيا.

الطرفان خاسران من عدم الاتفاق على تجديد صفقة الحبوب التي رعاها أردوغان- كل لأسبابه. سوريا ستكون ساحة مهمّة لانعكاس تداعيات الاختلاف، وسيترتب على ذلك العودة الى طاولة رسم السياسات في أعقاب الاعتقاد، بأنّ الخارطة السورية ستتغيّر لو حدث توافق بين السيدين بوتين وأردوغان. لم يكن أسبوع الرئيس التركي وحده محبطاً له. فالرئيس الروسي اضطر أن يبقى غائباً عن تجمّع دولي مهمّ كان في الماضي نجماً فيه، أي قمة العشرين في نيودلهي، وذلك خشية من حملة أميركية- أوروبية عليه ترافق الإجراءات التي يقوم بها الغرب ضدّ روسيا عقاباً لها على حربها الأوكرانية. فقد اتخذت واشنطن إجراءات جديدة ونوعيّة ضدّ موسكو الأسبوع الماضي باستخدامها الأصول الروسية المجمّدة كمساعدات إلى أوكرانيا رافقت تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 600 مليون دولار، وصفها المسؤولون الروس بأنّها “سرقة”، كما استعدّت لشن حملة مكثّفة ضدّ روسيا أثناء قمة العشرين، لتشديد خناق العزل على فلاديمير بوتين، لو حضر.

قبل بدء القمّة التي تترأسها الهند هذه السنة، تركّزت الأنظار على قرار الرئيس الصيني شي جينبينغ ألاّ يشارك فيها، كما على اضطرار الرئيس الروسي أن يغيب عنها. الرئيس الأميركي جو بايدن احتل مركز الصدارة في القمّة في غياب نظيريه الصيني والروسي، كما بسبب حسن علاقته برئيس وزراء الهند ناريندرا مودي.

فرقصة التحالفات اليوم تقع على أنغام الحرب الأوكرانية التي حذفت روسيا من مرتبة الدولة الكبرى، حيث كانت في ثلاثية الولايات المتحدة- الصين- روسيا. والإدارة الأميركية تعمل على حراك ديبلوماسي مع الدول الآسيوية المهمّة شمل أخيراً اليابان وكوريا الجنوبية، وزيارة غير مسبوقة سيقوم بها الرئيس بايدن إلى فيتنام للقاء زعيم الحزب الشيوعي هناك، نغوين فو ترونغ، وذلك في إطار التصدّي لنفوذ الصين في الدول الآسيوية.

في الأثناء، كانت الهند والولايات المتحدة والسعودية والإمارات، تتهيأ للإعلان عن اتفاق كبير مشترك للبنية التحتية في قمّة العشرين، كما نقلت “أكسيوس”، عبر إنشاء شبكة لسكك الحديد، تربط الهند بالممرات الملاحية في الشرق الأوسط، كما تربط الدول العربية في الخليج وبلاد الشام. مثل هذه الإنجازات المهمّة والرائدة للسعودية والإمارات، هو ما أرادت الهند الكشف عنه في قمّة العشرين، التي كان متوقعاً أن تشتد الخلافات فيها بسبب المواقف المتباينة بين الدول الغربية ودول الـ “بريكس” الأكثر ميلاً الى “عدم الانحياز” بين الغرب والصين كما بين دول حلف “ناتو” وروسيا.

تركيا حاولت أن تلعب دوراً يميّزها في حلف شمال الأطلسي “ناتو” الذي تنتمي إليه، وتعتبر نفسها مختلفة اللون فيه، لأنّها دولة شرق أوسطية/ أوروبية، سكانها مسلمون وتشعر بالتمييز ضدّها.

الرئيس أردوغان تمكّن من تثبيت أهميته لدى الـ “ناتو” في الآونة الأخيرة، كما استطاع أن يلعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا- عبر صفقة الحبوب- الى أن قرّرت روسيا عدم تمديدها إذا لم تقدّم الدول الغربية إليها ضمانات بتسهيلات مالية.

ظنّ أردوغان أنّه سيتمكّن من إقناع بوتين بإعادة النظر والموافقة على استئناف الوساطة التركية بين روسيا وأوكرانيا، وعلى تمديد صفقة الحبوب ولو لمدة قصيرة، لاستئناف تصدير الحبوب من ثلاثة موانئ أوكرانية على البحر الأسود. لكنه فشل. الرئيس الروسي بدوره ظنّ أنّ نظيره التركي قادر على إقناع الغرب بالتجاوب مع المطالب الروسية، ثم استنتج أنّ أردوغان فشل في مهمّة الإقناع. في النهاية، فشل الرئيس التركي بإقناع الطرفين وبالمهمتين، ما سبّب له انتكاسة سياسية واقتصادية.

لقد راهنت الديبلوماسية التركية على نجاح جهود التوسط وصفقة الحبوب، باعتبارها شهادة على الديبلوماسية المباشرة القوية بين الرئيسين أردوغان وبوتين. إلاّ أنّ مجرد إصرار الرئيس الروسي على عقد اللقاء مع نظيره التركي في سوتشي وليس في تركيا كما كان مقرّراً، يُعتبر مؤشراً إلى غضب بوتين من سياسات أردوغان. كذلك كان اقتصار اللقاء على ساعة ونصف ساعة مقارنة مع الاجتماع لفترة ست ساعات المرّة الأخيرة.

ووفق أحد المراقبين الروس لسياسات الكرملين الخارجية، إنّ خلاصة رسالة بوتين إلى أردوغان هي: “ساعدناك في الانتخابات الرئاسية. وافقنا على تأخير مدفوعات “غازبروم”. قدّمنا لك النجاح في صفقة الحبوب. وقد حان لك أن تراقب سلوكك”. تابع المراقب، أنّ العلاقة الشخصية بين الرئيسين لم تنهر إنما فحوى رسالة بوتين إلى أردوغان هي “أريد منك أن تكافئني وأن تراقب خطواتك”.

الرئيس الروسي وكامل الديبلوماسية الروسية استاءا كثيراً من صفقة الطائرات المسيّرة التي أبرمتها الحكومة التركية مع أوكرانيا، وبالذات عبر شركة صهر الرئيس. ثم أنّ رصّ موقع تركيا في صفوف حلف شمال الأطلسي لم يعجب أبداً بوتين أو الديبلوماسية الروسية.

لقاء بوتين- أردوغان عكَسَ هذه الأجواء في ملفات حيوية عدّة لتركيا، من ضمنها مشاريع أنابيب النفط التي كان يُفترض لها أن تحلّ نوعاً ما مكان “نورد ستريم2” الألمانية، ومشروع المفاعل النووي الذي كان يُفترض أن تموّله روسيا في تركيا، وملف سوريا.

لم ينجح الرئيس أردوغان في إقناع الرئيس بوتين بإحراز اختراق في أي من هذه المواضيع، وأبرزها سوريا.

روسيا منزعجة جداً من مواقف تركيا إزاء أوكرانيا ودعمها العام لها، وهي غاضبة من عدم اعتراف تركيا بالقرم التي ضمّتها روسيا إليها رسمياً. لذلك سحبت من الرئيس التركي ورقة الوسيط، وأحبطت مساعيه لتمديد صفقة الحبوب، بالرغم من أنّ إلغاء صفقة الحبوب إجراء مُكلف لروسيا. فالعنفوان أهم للرئيس الروسي في هذا المنعطف من علاقاته بالرئيس التركي، وهذه كانت رسالته الأساسية في القمّة بينهما، مقترنة بإبلاغ جديّة الغضب الروسي من تركيا في الساحة السورية.

فحوى رسالة بوتين إلى أردوغان هي أنّ عليه الاعتراف بالرئيس السوري بشار الأسد، وأن يُبرم صفقة معه مباشرة لحل مشاكله ذات العلاقة باللاجئين السوريين أو غيرها. لم يعرض بوتين على أردوغان أن تقوم روسيا بدور الوسيط مع الأسد- وهذا شكّل إفشالاً للتطلّعات التركية وامتعاضاً للرئيس التركي.

ما نقلته المصادر المطلعة على اللقاء، هو أنّ الرئيس الروسي ذكّر الرئيس التركي أنّ “تركيا هي التي خلقت مشكلة اللاجئين، وأنّ عليها سحب قواتها من شمال سوريا… وعندئذٍ تتغيّر الأمور”. لم تأتِ هذه الكلمات من فراغ، وإنما من تغيير مهمّ في السياسة الروسية نحو تركيا، بالرغم من أنّ روسيا تساهم في شدّ الحبال حول عنقها، لأنّ تركيا ممر حيوي للاقتصاد الروسي. إلاّ أنّ الديبلوماسية الروسية اليوم ارتأت أنّه لا يهمّها “قطع الأنف انتقاماً من الوجه”، كما يقول المثل، وإنما الأهم هو إبلاغ رئيس تركيا أنّه ليس في وسعه أن يلعب على الحبلين ويستفيد من ضعف روسيا.

الأرق والتوتر في الديبلوماسية الروسية لهما أسبابهما، وسط انعقاد تلك السلسلة من القمم المحبطة لروسيا وتلك التي تزيد من عزلتها الدولية. المحطة المقبلة هي محطة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تنوي موسكو اختبار العديد من أصدقائها القدامى، وليس فقط تركيا. لكن الرئيس التركي بدوره لم يعد مرتاحاً كما كان عند إعادة انتخابه رئيساً قبل أشهر قليلة. فقيمة الليرة التركية تؤرقه، وكذلك أزمة اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم حوالى 4 ملايين شخص. ثم هناك الآن خسارته للورقة الروسية وغيظ الرئيس الروسي منه. وهذا أيضاً يؤرقه كثيراً بسبب تداعيات الغضب في الساحة السورية.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى