قراءة في رواية : امبراطورية فسادستان || دولة خيال الظل

أحمد العربي

غيث حمور روائي سوري، روايته امبراطورية فسادستان أول عمل أقرأه له. تعتمد الرواية في سردها لغة المتكلم على لسان ملهم شخصيتها المحورية. كما تعتمد الرواية على تقنية تورية تظهر أكثر مما تخفي. مليئة بالسخرية المرّة إلى درجة اعتبار رأس البلاد الحاكم في روايته حمار، ومتابعة الحدث الروائي بالكامل على اساس ان الحاكم حمار وعصبته المحيطة به وعسكره وامنه وطاقم الحكم المحيط به وعائلته كلهم حمير. مما أربك تقنية الرواية بالحديث عن حالة إنسانية بمحتواها وتعقيداتها وظروفها التاريخية والمجتمعية وتطوراتها عبر عقود من حكم الحاكم الأول ثم مجئ الحمار للحكم كل ذلك يتم التحدث عنه بكونه من عالم الحمير… مع العلم ان عالم الحمير أبسط بكثير من عالم البشر وتعقيداته. لذلك جاء النص في هذه الجزئية غير موفق…

لا يخفى على القارئ ما يقصد الكاتب في ترميزاته. الدولة سوريا والحاكم السابق الأسد الاب وبعده الحمار ابنه وحتى مستشاريه وقادة جنده وامنه وزوجته كلها أطلق عليها الكاتب أسماء قريبه بالمعنى والمبنى من الأسماء الحقيقية…

يمر الكاتب على واقع النظام وأفعاله وهيمنته مع عصبته المجتمعية والسياسية والاقتصادية على كل موارد الدولة ومفاصلها منذ عهد الحاكم الأول الأب وبعده الابن…

يعمل ملهم طبيبا بيطريا في جوار الحاكم ويصل إلى مرحلة يصبح مستشارا له. يخاف منه ومن مخبريه وأمنه. مع ذلك يستمر في العمل معه وفي خدمته. يعود الى افعال الحاكم الأول قتل واعتقال الناس وسرقة خيرات البلاد. كذلك الحال عند الحاكم الابن. الذي واجه ثورة الناس بكل الطرق الوحشية بما فيها استعمال الكيماوي والطيران والقصف والتدمير والتهجير…

لم يستطع ملهم الذي يعيش مع جدته وأمه أن يستمر بجوار الحاكم. فقد قرر أن يهرب مع أسرته من سوريا فسادستان الى احدى دول الجوار. وهكذا يحصل. يهرب ويصل الى احدى المخيمات على الحدود. وهناك يلتقي بحب حياته تلك الفتاة التي كان تعرّف عليها أيام دراسته في الجامعة. لم تتطور علاقتهم وقتها لانها اختفت دون اخباره. وعلم بعد لقائهما أنها كانت ابنة معارض للنظام وكان ملاحقا ولذلك غادر البلاد هو وأسرته سرا وبسرعة. درست في تلك البلاد ثم وحين حصلت الثورة في بلادنا وبطش النظام بالشعب وتشرد الكثير منهم. جاءت من موطنها الجديد البعيد لكي تقوم بدور إغاثي بحق اهل بلدها المظلومين في مخيمات اللجوء على حدود هذه الدولة وغيرها…

عادت جذوة الحب بين ملهم وحبيبته وعاشا مع بعضهما علاقة مفتوحة جسديا وتصرفا كأنهما متزوجين. وفي الأثناء تعرف ملهم على صديقة حبيبته التي تكتب وتوثق ما حصل مع السوريين. من ظلم واضطهاد ومآسي وجلست مع ملهم وسمعت منه وقررا تدوين قصته كاملة التي أنجزت في رواية فسادستان التي بين يدينا.

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها أقول:

ان بعض النقد بناء إيجابي للرواية وإن لم يوافق ما أنجزه الكاتب.

إن استخدام الحمار لوصف الحاكم واعلافه وتصرفاته وجيشه الحميري وعائلته الحميرية وأناشيده الحميرية ومسلسلاته وأمنه الحميري وكل المحيط به … الخ. أثقل النص وإن جعله يحصد الكثير من السخرية والتهكم والسباب والتشفي، في الوقت الذي كان المطلوب أن نطل أيضا من عين وعقل الكاتب على واقع الحاكم وأفعاله، ولا ندري أن كانت هذه التورية نجحت في توصيل الرسالة المطلوبة من العمل الروائي، و هو أمر يعود في النهاية إلى القارئ.

غير هذه النقطة. تنتمي الرواية الى موجة روايات الثورة السورية التي ترصد ظلم الحاكم المستبد في سوريا الأب والابن. وواقع حياة الناس وفقدانهم لأسباب العيش الإنساني بأدنى مستوياتها. الظلم الفساد القهر . وكيف واجه الناس النظام أيام الأب ومن ثم ابنه وثاروا عليه. وما فعله النظام بحق الناس قتل اعتقال تدمير البلدات والمدن. مما دفعهم للهروب واللجوء لكل دول العالم للحفاظ على الحياة. وولادة مشكلة وجودية جديدة للسوريين كيف يبدؤون بصناعة حياة جديدة حيث يصلوا حيث مرّ اغلبهم بظروف سيئة جدا…

بكل الأحوال يحق للروائي أن يختار ما يراه مناسبا كتابته الروائية ويفعله، ونحن النقاد علينا أن نعتمد النقد البناء الذي يخدم الرواية ويعطي للروائي ما نراه مناسبا لتجربته الإبداعية القادمة.

مطلوب من كل السوريين في مجال الإنجاز الحياتي ان يؤكدون انتصارهم لمثل الثورة الاولى:

الحرية والعدالة والكرامة الانسانية والديمقراطية وبناء الحياة الافضل …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى