يشهد الشمال الغربي من سورية تصعيداً عسكرياً من قبل قوات النظام السوري ومليشيات تساندها حاولت التسلل إلى مناطق خارجة عن سيطرتها، إلا أنها جوبهت بصد من فصائل المعارضة، ما دفع هذه القوات إلى قصف بلدات وقرى بريف إدلب الجنوبي، وهو ما تسبّب بحركة نزوح بين المدنيين.
قصف على أرياف إدلب
وقُتلت طفلة وأصيبت شقيقتها صباح أمس الاثنين في بلدة سرمين بريف إدلب الشرقي بقصف من قوات النظام استهدف خيمة تقطنها عائلة الطفلتين، في أرض زراعية على أطراف البلدة، وفق الدفاع المدني في محافظة إدلب، الذي أشار إلى أن العائلة نزحت الأحد من بلدة آفس في ريف إدلب إلى أطراف سرمين هرباً من القصف اليومي من قبل قوات النظام.
وفي السياق، ذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن قوات النظام قصفت بالمدفعية والرشاشات الثقيلة محور قرية آفس في ريف إدلب الشرقي، ومحور الفطيرة في جبل الزاوية جنوبي إدلب، موقعة أضراراً في ممتلكات المدنيين، مشيرة إلى أن طائرات الاستطلاع تحوم منذ فجر الأحد فوق جبل الزاوية جنوب إدلب وريف حلب الغربي. كما قصفت قوات النظام بالصواريخ قرية القرقور بريف حماة الشمالي الغربي، إضافة للعديد من البلدات والقرى بريف إدلب الجنوبي، ما تسبب بحركة نزوح للمدنيين من المنطقة.
وصدّت فصائل المعارضة في شمال غربي سورية فجر أمس الاثنين عملية تسلل من قبل قوات النظام على محور الملاجة في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي الشرقي، تبعها قصف مدفعي وصاروخي وجوي مكثف من قبل هذه القوات، وفق مصادر في فصائل المعارضة.
من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل عنصر من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، إثر استهداف قوات النظام بقذائف المدفعية الثقيلة، مواقع الهيئة على محور كفرتعال بريف حلب الغربي. وكان محور الفوج 46 في ريف حلب الغربي شهد الأحد اشتباكات وقصفاً متبادلاً بين الفصائل وقوات النظام إثر تقدم الأخيرة إلى مجموعة من النقاط الأمامية في محور خط التماس. كما قصف الطيران الروسي العديد من المواقع الأحد في ريف إدلب بقنابل شديدة الانفجار، في بلدتي الفطيرة وسفوهن بجبل الزاوية جنوب إدلب.
وتعليقاً على هذا التصعيد من قبل قوات النظام، قال القيادي في فصائل المعارضة في شمال غربي سورية العقيد مصطفى البكور، في حديث مع “العربي الجديد”: “اعتدنا على التصعيد الروسي الأسدي بين الفينة والأخرى، خصوصاً عند توجّه الأهالي لجني محاصيلهم في المناطق القريبة من نقاط التماس”. وتابع: “في هذه الفترة هناك محاصيل التين والفستق الحلبي في بلدات منطقة جبل الزاوية. النظام يحاول خلق حالة من عدم الاستقرار في المناطق المحررة من سلطته في محافظة إدلب ومحيطها”.
إضعاف المناطق خارج سيطرة النظام
وما يزال الشمال الغربي من سورية محكوماً وفق اتفاق موسكو المبرم بين الروس والأتراك في مارس/آذار 2020 والذي وضع حداً لتقدم قوات النظام على الأرض في ذلك العام الذي خسرت فيه المعارضة مناطق سيطرتها في ريف حماة الشمالي وريفي حلب الجنوبي والغربي وجانباً كبيراً من ريفي إدلب الشرقي والجنوبي. وخسرت المعارضة في ذلك العام أهم المدن التي كانت تسيطر عليها، وأبرزها معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، وسراقب في ريف إدلب الشرقي.
وانكفأت فصائل المعارضة إلى الشمال الغربي من سورية في حيّز جغرافي ضيق يضم اليوم ملايين المدنيين جلّهم نازحون من عدة مناطق سورية، يتعرضون لقصف من الطيران الروسي ومن قوات النظام بشكل مستمر تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وتحاول قوات النظام والمليشيات الإيرانية والمحلية المساندة لها تغيير خريطة السيطرة في شمال غربي سورية لتصل إلى الطريق الدولي “أم 4” الذي يخترق ريف إدلب الجنوبي قادماً من الساحل السوري غربي البلاد إلى مدينة حلب كبرى مدن الشمال. وتعد مسألة السيطرة الكاملة على هذا الطريق أولوية للنظام، إلا أن التفاهمات التركية الروسية تحول حتى اللحظة دون تقدّم قواته بشكل واسع على الأرض في عمق محافظة إدلب الذي يضم قواعد ونقاط تمركز تركية.
وتسيطر فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام” على جانب كبير من هذا الطريق الذي لم يستطع الروس والأتراك استعادة حركة السير عليه وفق اتفاق موسكو لأسباب ميدانية معقدة، إذ فشلت أكثر من محاولة في عام 2020 بسبب رفض شعبي واسع لأي وجود روسي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
ويبدو أن محاولات النظام الفاشلة لاستعادة السيطرة على هذا الطريق الحيوي تدفعه بين وقت وآخر إلى تحريك الجبهات واستهداف المدنيين لخلق حالة من عدم الاستقرار في شمال غربي سورية. وكان الجانب التركي قد استفاد من اتفاق موسكو لتعزيز وجوده العسكري في عموم محافظة إدلب، إذ نشر آلاف الجنود في عشرات نقاط التمركز، فضلاً عن قيام الجيش التركي بإنشاء قواعد في المحافظة، وهو ما شكّل حائطاً دفاعياً على خطوط التماس بين فصائل المعارضة وقوات النظام.
ورأى المحلل العسكري في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن التصعيد من قبل الروس والنظام في شمال غربي سورية “يندرج في سياق المحاولات لإضعاف المنطقة”. وأضاف: “الجانب الروسي يستفيد من التفاهمات التركية الروسية على أن شمال غربي سورية منطقة تخضع لسيطرة تنظيمات مصنفة على أنها إرهابية”.
ورأى أن التصعيد جاء رداً على عمليات عسكرية قامت بها “هيئة تحرير الشام” وفصائل أخرى في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي قبل عدة أيام وأدت إلى مقتل العشرات من قوات النظام. وأضاف: كما يتزامن هذا التصعيد مع زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لموسكو وتوجهه بعدها إلى طهران، لذا لا بد من حضور الوضع السوري في زيارتيه، ولهذا تعمل روسيا على التصعيد في إدلب.
المصدر: العربي الجديد