كتاب الحضرة والسور… هو رسالة ماجستير للباحث عبد الله احمد بشير مراد. حيث قدمها في جامعة مرمرة التركية. حيث وصف المؤلف الكتاب بأنه :”دراسة وصفية تحليلية للطريقة الشاذلية الدرقاوية الهاشمية في دمشق في القرن العشرين”.
أحوال دمشق والجزائر أبان نشوء الطريقة الشاذلية الدرقاوية الهاشمية:
يتحدث الباحث في هذا الفصل عن الواقع السياسي والديني والمجتمعي بشكل مكثف عبر قرن تقريبا. بدأ من نهاية الحكم العثماني في سوريا عام ١٩٢٠م ومجيء المستعمر الفرنسي وخروجه في عام ١٩٤٦م وفترة الديمقراطية القصيرة في سوريا والانقلابات الثلاثة في اواخر الاربعينات واوائل الخمسينات. ثم الوحدة المصرية السورية بين عامي ١٩٥٨ و١٩٦١م. والانفصال وحكم البعث بدء من عام ١٩٦٣م وسيطرة الاسد الاب والابن بعده على سوريا حتى الآن عام ٢٠٢٣م.
حيث يتابع الكاتب الطريقة الصوفية الشاذلية الهاشمية بشكل مفصل و مسهب حتى خروجها من سوريا الى تركيا وغيرها من البلاد بعد ثورة السوريين عام ٢٠١١م.
يتوسع الكاتب في هذا الفصل بالحديث عن أنماط التدين المجتمعي في دمشق: لقد كانت التدين السني مندمجا مع التصوف عند اغلب رجال الدين في دمشق منذ العهد العثماني الذي كان يرعى الطريقة النقشبندية التي كان لها رموزها منذ بداية القرن مثل الشيخ إبراهيم الغلاييني والشيخ محمد أبو الخير الميداني والشيخ عيسى الكردي. وكذلك الطريقة الشاذلية التي تعددت طرقها حسب تعدد مشايخها. لكنها تأخذ من ذات المنبع الشاذلي مثل الشيخ محمود أبو الشامات والشيخ محمد السفرجلاني وعبد الوهاب الصلاحي ومحمد الكتاني ومحمد التلمساني الجزائري ومحمد مهدي السكلاوي ومحمد المبارك وأولاده بعده وأحمد الشريف اليعقوبي والسعيد الجزائري وآل سعد الدين وآل السعدي والشيخ محمد علي الدقر واحمد الكردي … الخ.
كذلك تحدث الكاتب عن أحوال الجزائر أوائل القرن الماضي. حيث كانت قد احتلتها فرنسا منذ حوالي القرن وكانت الهجرة الى سورية قديمة منذ قدوم الأمير عبد القادر الجزائري وبعده استمرت الهجرات هربا من بطش الفرنسيين وظلمهم في الجزائر الى سوريا الواقعة تحت الحكم العثماني.
جاء الشيخ محمد التلمساني وتلميذه محمد الهاشمي الى دمشق في عام ٢٠١١م وبدؤوا بنشر الطريقة الصوفية الشاذلية برعاية الشيخ التلمساني ثم بعد وفاته أصبح شيخها محمد الهاشمي الذي استمر بالدعوة ونشر الطريقة في دمشق وجوارها حتى وفاته رحمه الله. ١٩٦١م.
كان ضد الاستعمار الفرنسي ولم يتقبل الانقلابات السورية . وكان على علاقة طيبة مع علماء دمشق بدء من الشيخ بدر الدين الحسني واغلب المشايخ الذين أخذوا عنه الطريق الشاذلية وأصبحوا شيوخها و و ذكرناهم سابقا.
لقد تميزت المشيخات الدمشقية بأنها تحاول أن تكون على مسافة من السلطة السياسية وخاصة بعد استلام البعث الحكم عام ١٩٦٣م وتفرد الأسد الأب وابنه بعده في الحكم منذ عام ١٩٧٠م. حيث لم يكن يقبل النظام أي نشاط ديني من أي نوع في سوريا دون أن يكون متابعا من اجهزته الامنية وحتى كان قد جنّد بعض المشايخ مخبرين لديه. لقد خاض النظام صراعا عنيفا مع الإسلام السياسي ممثلا في الطليعة المقاتلة و الاخوان المسلمين وكذلك اعتقل وسجن الكثير، كما انهى الحراك الوطني الديمقراطي واعتقل النقابيين وحل النقابات المهنية في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي . راح ضحية حملته الامنية عشرات الآلاف من الضحايا هذا غير المعتقلين والهاربين…
لكل هذه الأسباب كان الكثير من رجال الدين قد ارتأوا أن يكونوا بعيدين عن السياسة بعضهم له اجتهاداته الخاصة من القبول بالسلطة الحاكمة أيا كانت وعدم مواجهتها دفعا لفتنة اكبر حال مواجهتها. وبعضهم كان يرى أن الموقف السياسي أمر غير مطلوب دينيا وخاصة عند أغلب الطرق الصوفية التي كانت تهتم بإنشاء المسلم وتوجيهه ليكون سالكا في طريق التصوف الذي يؤدي به ليكون من المريدين وبعد ذلك من العارفين بالله ومن أئمة التصوف. في طريق صاعد نفسيا وسلوكيا بين المسلم وربه انتقالا من التعبد الديني إلى الشهود التذوقي .. يعني خلاص فردي.
نحن هنا في هذه القراءة نحاول أن نكون موضوعيين و منصفين وأن نحيّد القناعة الذاتية قدر الإمكان.
لقد كان أمام رجال الدين منذ تحول الحكم إلى حكم جبري غير شوري كما أمر الإسلام. وذلك منذ معاوية بن أبي سفيان وعبر التاريخ طريقين في علاقتهم مع السلطان. فإما مواجهته عندما يحيد عن العدل ويظلم الناس وتحمل بطش السلطان بالقتل أو السجن. وهناك من اعتمد الصمت على الحاكم وعدم مواجهته خوفا من بطشه. وبكل الأحوال كانوا يقولون إن من مصلحة الإسلام أن يستمر حاضرا بين الناس عبر مشايخه ولو لم يكن السلطان لم عادلا و شوريا كما يجب. كانت المشيخة التقليدية تاريخيا ومعها المتصوفة يعتمدون هذه الوجهة نظر…
ومن جهة اخرى وبعد ان بطش النظام السوري بالشعب والإخوان المسلمين والعمل الوطني الديمقراطي كما ذكرنا سابقا. ومن علمه أن المجتمع السوري متدين بالفطرة. وان التنسيب الإلزامي لحزب البعث لن يغطي حاجة الناس لتوجيه ديني لذلك قرر النظام منذ الثمانينات فتح المجال لدخول البعثيين متبتعثين داخليا لكلية الشريعة الاسلامية والحصول على معاشات شهرية ويكونوا بعد ذلك خطباء ومدرسين دين في المدارس . كذلك سكت عن المشيخات التقليدية وعن الطرق الصوفية أن تعمل وتنتشر في سوريا. طبعا وكل ذلك تحت رصد ومراقبة الاجهزة الامنية والمتابعة من الاوقاف ومن السلطة. وبعض المشايخ كانوا بمثابة لسان حال النظام نموذجهم الشيخ البوطي الذي برر مذابح النظام بحق الشعب السوري في الثمانينات وفي ثورة ٢٠١١م.
من هذه الخلفيات كلها عند المشايخ والطرق المتصوفة والنظام . كان في دمشق مساجد تنشط وكذلك كليات دينية ومدارس دينية نموذجها:
.جامع زيد وشيخه عبد الكريم الرفاعي الذي تابع بعد وفاته ولداه سارية واسامة الرفاعي دورهم الديني الدعوي فيه.
كذلك جماعة معهد الفتح وشيخه محمد صالح فرفور.
وجماعة كفتارو في مسجد ابو النور وشيخها مفتي الجمهورية حتى وفاته أحمد كفتارو. ..
وهم نموذج لأمثالهم في كل المدن السورية يغطون الفضاء الاسلامي الذي اراد النظام ان يكون تحت رصده وسيطرته…
تابع الكاتب في كتابه الحديث تفصيليا عن الطريق الشاذلية منذ نشأتها على يد أبو الحسن الشاذلي في القرن السابع الهجري في المغرب العربي وانتشارها حتى وصولها لمصر وبلاد الشام بعد ذلك.
كما تحدث الكاتب عن طريقة الانتساب للطريقة الشاذلية بخطواتها المتسلسلة. التبرء والاستغفار ومن ثم الخلوة وبعد ذلك الذكر والدعاء. وكل ذلك على يد شيخ . لا تصوف دون شيخ يسترشد به ويتبع طريقته المريد.
كما أن هناك العشرات من الطرق الشاذلية المنتسبة للشاذلي نتيجة موت الشيخ وتسمية الطريقة باسم الشيخ الجديد الذي يكون أحد أولاد الشيخ المتوفى او تلامذته. وقد ينشأ اكثر من طريقة بعد موت الشيخ وذلك من تنافس مريديه حول من يكن الشيخ المتابع للطريقة. قد يُدخل بعض المشايخ تطورات على طريقته الصوفية لكن ضمن الخطوط الأساسية للطريقة الشاذلية.
توسع الكاتب كثيرا في رصد تطور طريقة الشيخ الهاشمي ومن انتسب الى طريقته من الشيوخ بالعشرات حتى وفاته ومن تابع بعده. ونحن هنا نذكر الجيل الثاني من المشايخ الذين استلموا الطريقة وتابعوها حتى وفاتهم: الشيخ محمد القهوجي توفي ١٩٩٩م. الشيخ عبد الرحمن الشاغوري توفي عام ٢٠٠٤م. الشيخ محمد صالح فرفور توفي عام ٢٠٠٩م والشيخ محمد هشام البرهاني توفي عام ٢٠١٤م والشيخ شكري لحفي توفي ٢٠١٥م….