ما لا يقل عن 112713 شخصاً، بينهم 3105 أطفال و6698 سيدة لا يزالون قيد الاختفاء القسري في سوريا منذ آذار/ 2011
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريرها السنوي الثاني عشر عن الاختفاء القسري في سوريا، بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري 30/ آب من كل عام، وقالت فيه إنَّ ما لا يقل عن 112713 شخصاً، بينهم 3105 أطفال و6698 سيدة لا يزالون قيد الاختفاء القسري في سوريا منذ آذار/ 2011.
اشتملَ التقرير -الذي جاء في 44 صفحة- على كمٍّ واسع من حوادث الاختفاء القسري وشهادات لذوي ضحايا، وقال إن عمليات الاختفاء القسري التي نُفذت من قبل أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا شكلت أحد أكثر الانتهاكات تعقيداً ووحشيةً والتي عانى منها المجتمع السوري على مدى الاثني عشرة أعوام الماضية لما يترتب على ظاهرة الاختفاء القسري من سلسلة مترابطة من الانتهاكات التي تندرج ضمن سياق عمليات اعتقال تعسفي واحتجاز غير مشروع للحرية، وتعذيب بمختلف أنماطه وأبعاده النفسية والجسدية والجنسية، ومحاكمات استثنائية بإجراءات موجزة وسرية، لأنه يطبق ويجري بعيداً تماماً عن الأنظار، ويفتقد المختفون لكافة أشكال الحماية والرقابة الحقوقية والقانونية وتهمل حقوقهم الأساسية داخل مراكز الاحتجاز على نحو مقصود ومتعمد، ويتعرضون لتجربة تعذيب شديدة وإهمال طبي مترافق. ووفقاً للتقرير فقد شاركت جميع أطراف النزاع في ممارسة الاختفاء القسري كوسيلة لإرهاب المجتمع وخلق الرعب فيه وتعزيز السيطرة. إلا أن النظام السوري، من خلال منظومته الأمنية، اتخذ من هذه الظاهرة أداة فعّالة لقمع أي نوع من التطلعات نحو التغيير والحرية والديمقراطية وتفوق على جميع أطراف النزاع في ممارستها وتكريسها ودون هوادة ضد مختلف شرائح المجتمع السوري ذكوراً وإناثاً وأطفالاً ودون تمييز أو استثناء.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“يعتبر الإخفاء القسري أحد أبرز أسباب رفض ملايين النازحين واللاجئين العودة إلى منازلهم، وذلك لأن نسبة المختفين قسرياً في سوريا إلى عدد السكان الكلي تقرب الخمسة بالمئة من عدد السكان الكلي البالغ عددهم تقريباً 24 مليوناً، و5٪ هي نسبة مرتفعة جداً وتعتبر الأسوأ في العالم، إضافةً إلى ما يتعرض له المختفي قسرياً من تعذيب، ونهب ممتلكات وأراض، وتفكك أسري“.
استعرض التقرير حصيلة ضحايا الاختفاء القسري منذ اندلاع الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا آذار/ 2011 حتى آب/ 2023 وركَّز بشكل رئيس على الانتهاكات التي سجَّلها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ آب/ 2022 حتى آب/ 2023، وتحدَّث عن استمرار النظام السوري في التلاعب بالقوانين وتسجيل جزء من المختفين على أنهم متوفون عبر دوائر السجل المدني، كما عرضَ أبرز أسماء قيادات الأجهزة الأمنية واللجان الأمنية/العسكرية وقوات الجيش التابعة للنظام السوري المتورطين في جريمة الإخفاء القسري لعشرات آلاف المواطنين السوريين.
اعتمدَ التقرير بشكل رئيس على قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي يتم العمل عليها وبناؤها بشكل متواصل منذ اثني عشر عاماً حتى الآن، واستندَ إلى مقابلات تمت مع عائلات ضحايا مختفين قسرياً من مختلف المحافظات السورية واستعرض 18 رواية تم الحصول عليها بشكل مباشر وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة.
وأوضح التقرير أن إنشاء الآلية الأممية للمفقودين في سورية سوف يساهم دون شك في حشد الجهود الحقوقية السورية والدولية لدعم ملف المفقودين، وربما تتمكن هذه الآلية من بناء قاعدة بيانات مركزية، وسوف تشكل منصة يمكن لعشرات الآلاف من أهالي المفقودين التواصل معها، لكن هناك جملة من المخاوف التي لا بد من التطرق إليها أثناء الاحتفال بإنشاء الآلية الأممية للمفقودين في سورية، أولها عدم وجود دور محدد لها في الإفراج عن المعتقلين تعسفياً أما السبب الثاني فهو عدم وجود نص صريح في محاسبة مرتكبي الانتهاكات في سوريا والسبب الأخير عدم تعاون أطراف الصراع في سوريا معها مما سيعقد من مهامها في الكشف عن مصير المفقودين.
وأشار التقرير إلى عمليات مراسلة دورية مستمرة يقوم بها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان لفريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، والمقرر الخاص المعني بالتعذيب، ومقرر حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، والمقرر المعني بحق كل إنسان بالتمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية. وذكر التقرير أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان استطاعت تزويد الفريق منذ آذار/ 2011 بما لا يقل عن 593 حالة اختفاء بينهم عشرات النساء والأطفال والعائلات وما زال لديها مئات الحالات التي تقوم بتسجيلها ومعالجة بياناتها وفق منهجيتها.
طبقاً للتقرير فإنَّ ما لا يقل عن 155604 شخصاً بينهم 5213 طفلاً و10176 سيدة لا يزالون قيد الاعتقال/ الاحتجاز أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2023، بينهم 135638 لدى النظام السوري بينهم 3693 طفلاً، و8478 سيدة، فيما لا يزال ما لا يقل عن 8684 بينهم319 طفلاً و255 سيدة مختفون لدى تنظيم داعش، و2514 بينهم 46 طفلاً و45 سيدة لا يزالون قيد الاحتجاز أو الاختفاء القسري لدى هيئة تحرير الشام.
وبحسب التقرير فإنَّ ما لا يقل عن 4064 شخصاً بينهم 364 طفلاً و874 سيدة لا يزالون قيد الاحتجاز أو الاختفاء القسري لدى جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، إضافة إلى وجود ما لا يقل عن 4704 شخصاً بينهم 791 طفلاً و524 سيدة لا يزالون قيد الاحتجاز أو الاختفاء القسري لدى قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية.
وجاء في التقرير أنَّ ما لا يقل عن 112713 شخصاً بينهم 3105 طفلاً و6698 سيدة لا يزالون قيد الاختفاء القسري منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2023 على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة سوريا، بينهم 96103 لدى قوات النظام السوري بينهم 2327 طفلاً، و5739 سيدة، و8684 شخصاً أُخفوا على يد تنظيم داعش بينهم 319 طفلاً و255 سيدة، فيما أسندَ التقرير مسؤولية إخفاء 2162 بينهم 17 طفلاً و32 سيدة إلى هيئة تحرير الشام. وأضاف أنَّ 2943 شخصاً بينهم 256 طفلاً و563 سيدة لا يزالون قيد الاختفاء القسري لدى مختلف فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني منذ عام 2011 حتى الآن في جميع المناطق التي سيطرت عليها، و 2821شخصاً بينهم 186 طفلاً و109سيدة لا يزالون قيد الاختفاء القسري لدى قوات سوريا الديمقراطية.
وجاء في التقرير أن مراسيم العفو فشلت في الإفراج عن المعتقلين والمختفين قسرياً، ولم تتضمن فعالية وشفافية حقيقية، أو آليات لضمان إطلاق سراح جميع المعتقلين والمختفين قسرياً وتحقيق العدالة لهم. وإنما كانت خدعة سياسية استخدمت للترويج لصورة النظام السوري بأنه يتخذ إجراءات لتخفيف الضغط الدولي من جهة ومواسم لابتزاز أهالي المعتقلين والمختفين قسرياً مالياً من جهة أخرى. وذكر التقرير أن حصيلة المعتقلين تعسفياً الذين أفرج عنهم من 21 مرسوم عفو صدروا منذ آذار/2011 وحتى تشرين الأول/ 2022 بلغت ما لا يقل عن 7351 شخصاً (6086 مدنياً، و1265 عسكرياً) وذلك من مُختلف السجون المدنية والعسكرية والأفرع الأمنية في المحافظات السورية، بينهم 6086 مدنياً، بينهم 349 سيدة و159 شخصاً كانوا أطفالاً حين اعتقالهم، ولم يسجل عمليات أية إفراجات مرتبطة بمرسوم العفو الأخير الذي أصدره النظام السوري في 21/ كانون الأول/ 2022 المرسوم التشريعي رقم (24) لعام 2022.
وقد استعرض التقرير المؤشر التراكمي لحصيلة المختفين قسرياً منذ آذار 2011 وتوزُّع تلك الحصيلة أيضاً بحسب سنوات وأطراف النزاع وأظهرَ التوزع أنَّ الأعوام الأربعة الأولى للحراك الشعبي نحو الديمقراطية شهدت الموجات الأعلى من عمليات الاختفاء القسري؛ وكان عام 2012 الأسوأ من حيث حصيلة المختفين قسرياً، يليه عام 2013 ثم 2011 فـ 2014.
كما أوردَ التقرير توزع حصيلة المختفين قسرياً على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة بحسب المحافظات السورية، أي تبعاً للمكان الذي وقعَت فيه حادثة الاعتقال، وليس تبعاً للمحافظة التي ينتمي إليها المعتقل، وكانت محافظة ريف دمشق بحسب التقرير قد شهدَت الحصيلة الأكبر من ضحايا الاختفاء القسري، تليها حلب ثم دمشق، ثم دير الزور.
وأشار التقرير إلى استمرار النظام السوري منذ مطلع عام 2018 في تسجيل جزء من المختفين قسرياً على أنهم متوفون عبر دوائر السجل المدني، وبلغت حصيلة الحالات الموثقة بحسب التقرير ما لا يقل عن 1609 حالة كشف النظام السوري عن مصيرهم بأنهم قد ماتوا جميعاً بينهم 24 طفلاً و21 سيدة و16 حالة من الكوادر الطبية منذ مطلع عام 2018 حتى آب/ 2023، لم يكشف عن سبب الوفاة، ولم يقم بتسليم جثامين الضحايا لأُسرهم أو إعلامهم بمكان دفنهم. وقال بأن النظام السوري قد سخَّر مستويات عدة من مؤسسات الدولة السورية لتنفيذ هذا الإجراء المخالف للقانون السوري والتلاعب ببيانات السجل المدني للمختفين قسرياً بدءاً من وزارتي الداخلية والعدل وحتى مسؤولي دوائر السجل المدني في كافة المحافظات السورية.
أكد التقرير أن عمليات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري من أبرز المخاطر التي تواجه العائدين النازحين واللاجئين إلى مناطق سيطرة قوات النظام السوري حتى أولئك الذين لم يكن لهم أي نشاط معارض، وجاء في التقرير أن ما لا يقل عن 3376 حالة اعتقال بينها 246 طفلاً و212 سيدة (أنثى بالغة)، للاجئين عادوا من دول اللجوء أو الإقامة إلى مناطق إقامتهم في سوريا منذ مطلع عام 2014 حتى آب/ 2023، جميعهم تم اعتقالهم على يد قوات النظام السوري. أفرج النظام السوري عن 2094 حالة وبقي 1282 حالة اعتقال، تحوَّل 926 منها إلى حالة اختفاء قسري، معظمهم كانوا قد عادوا من لبنان وتركيا والأردن. كما سجل في المدة ذاتها اعتقال ما لا يقل عن 989 نازح عادوا إلى مناطق يسيطر عليها النظام السوري، من بينهم 22 طفلاً و19 سيدة، أفرج النظام السوري عن 246 حالة وبقي 743 حالة، تحوَّل منهم538 إلى مختفين قسرياً، وسجل إفراج النظام السوري عن 246 حالة، عاد واحتجز عدداً منهم، وأجبرهم على الالتحاق بالتجنيد العسكري.
قال التقرير إن المئات من قادة الأجهزة الأمنية والجيش واللجان العسكرية والأمنية ومؤسسات أخرى تورطوا في الانتهاكات التي مورست ضد الشعب السوري والدولة السورية منذ عام 2011 حتى الآن، وقد مورسَ الإخفاء القسري بطريقة ممنهجة عامة أخذت شكلاً هرمياً متسلسلاً في القيادة وتبدأ من رئيس الجمهورية وترتبط به مباشرةً وزارتا الدفاع والداخلية ومكتب الأمن القومي/ الوطني، وما يرتبط بها من الأجهزة الأمنية واللجان الأمنية والعسكرية، وإن عمليات التعيين والترقية والتنقلات للضباط من رؤساء الأجهزة الأمنية تتم وفق قرارات ومراسيم يصدرها رئيس الجمهورية حصراً. وعرض التقرير أبرز أسماء المتورطين لدى النظام السوري في جريمة الإخفاء القسري لعشرات آلاف المواطنين السوريين، بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان الخاصة ببيانات مرتكبي الانتهاكات.
جاء في التقرير أن النظام السوري لم يفي بأيِّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، بشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، عبر توقيف مئات آلاف المعتقلين دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، وتحول قرابة 69 % من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرياً ولم يتم إبلاغ عائلاتهم بأماكن وجودهم، وفي حال سؤال العائلة تُنكر الأفرع الأمنية والسلطات وجود أبنائها، وربما يتعرَّض من يقوم بالسؤال لخطر الاعتقال.
ونوَّه التقرير إلى أن الاختفاء القسري ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق ضد فئات السكان المدنيين كافة، ويُعتبر النظام السوري أول الأطراف المرتكبة له ويتصدَّر بقية الأطراف الفاعلة بفارق شاسع، وهو ما يُشكِّل جريمة ضد الإنسانية وفق المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما يُعتبر جريمة حرب وفق المادة 8 من نظام روما ذاته لممارسته في إطار منهجية وسياسة عامة في التعامل مع الحراك الشعبي نحو الديمقراطية من قبل النظام السوري بشكل أساسي.
وأضافَ أن بقية أطراف النزاع مارست جريمة الإخفاء القسري وإن لم تكن على المركزية ذاتها، التي يتميز بها النظام السوري، كما تختلف عنه في كَمِّ الحالات وتوزعها، موضحاً أن تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام يشبهان النظام السوري في توسُّع انتشار الحالات ومنهجيتها.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بحماية عشرات آلاف المعتقلين والمختفين قسرياً لدى النظام السوري من التعذيب حتى الموت، وإنقاذ من تبقى منهم على قيد الحياة. كما طالبهم بالعمل على الكشف عن مصير المختفين قسرياً بالتوازي أو قبل البدء بجولات العملية السياسية ووضع جدول زمني صارم للكشف عن مصيرهم.
وأوصى الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري لدى الأمم المتحدة بزيادة عدد العاملين في قضية المختفين قسراً في مكتب المقرر الخاص المعني بحالات الاختفاء القسري في سوريا؛ نظراً لكثافة وحجم حالات المختفين قسرياً فيها.
المصدر: الشبكة السورية لحقوق الانسان