عقود bot لدعم استمرار الأسد

سمير خراط

لا يخفى على أحد  أن التغلغل الروسي بالعربة الاقتصادية السورية وخاصة بالمرافق الانتاجية التي يكون فيها دورة رأسمال المستثمر سريعة الدوران لذلك نجدها بميدان الطاقة والمرافئ السورية  ولكنها لم تقتصر على ذلك فهناك مشاريع تدرس اليوم في ميدان السياحة والزراعة والكهرباء ولا يغفو على أحد أن الكهرباء يعتبر واردها سيولة مباشرة ويغيب عنها مفهوم الدين ولا يمكن لفرد أو تجار الاستغناء عنها وخاصة الصناعي للاستمرار بالإنتاج والتطوير حيث تعتبر العصب الاساسي له وقد تمت صياغة عقود أغلب تلك الاستثمارات وفق مفهوم B.O.T وهنا يتوجب الوقوف على هذا المصطلح لبيان مفاهيمه ومعانيه.

يشير هذا  المصطلح الى    ( BUILD , OPERATE , TRANSFER)  وهو  النموذج  الذي يتم فيه استخدام استثمارات القطاع الخاص في تمويل البنية الأساسية للدول، ووفقا لهذا النظام تحصل إحدى شركات ( القطاع الخاص أو المشتركة  وفي أغلب الأحيان تكون مشترك بين شركة وطنية وأسهم تحملها شركة أجنبية )على مناقصة إنشاء وتشغيل مرفق عام والتي تكون مسؤولة عن تمويل وتصميم المشروع، في نهاية فترة المناقصة أي بعد عدد من السنوات يتم الاتفاق عليها تعود غالبا ملكية المشروع للدولة، مع ملاحظة أن العامل الرئيسي في تحديد مدة المشروع هو كفاية الفترة الزمنية لتحقيق إيرادات تغطي ديون الشركة الخاصة وتعويضها بمعدل ربح معقول نظير الجهود والمخاطر التي تحملتها في سبيل القيام بهذا المشروع، هذا وتحدد معظم مشروعات نظم الـ B.O.T من خلال الحكومة المضيفة والتي تقوم بنشر إعلان عن مناقصة عامة تطلب فيها التقدم بعطاءات لمشروعات تنفذ بإحدى نظم الـ B.O.T، وقد تكون المبادرة من خلال القطاع الخاص، كذلك فإن تشغيل المشروع أو المرفق  يكون لفترة زمنية محددة بنهاية هذه الفترة يتم إعادة ملكية المشروع بكافة أصوله وموارده إلى الدولة إما بدون مقابل أو مقابل تكاليف رمزية يتم تحديدها مسبقا بين الطرفين.

لنتحدث أولاً عن ايجابيات هذا النظام ونبين سلبياته بالوقت ذاته

الايجابيات:

تتنوع الإيجابيات التي تعود على الدولة من تطبيق نظم التمويل باستخدام عقود الـ B.O.T ما بين مزايا اقتصادية، وفنية أو تكنولوجية وإدارية، واجتماعية:

  • المزايا الاقتصادية:
  • عدم اللجوء إلى الانفاق من موازنة الدولة أو مواردها السيادية أو النقدية من أجل بناء هذه المشروعات.
  • إن بناء وتحديث مشروعات البنية الأساسية التي تحتاجها الدولة تساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية في المجالات المختلفة، الأمر الذي يترتب عليه زيادة الطاقة الاستيعابية للاستثمار المحلي والأجنبي.
  • تخفيف بعض أعباء الاقتراض من على كاهل الدولة لتمويل مشروعات البنية الأساسية، وبالتالي الحد من تزايد عبء الدين الداخلي والخارجي.
  • جذب تدفقات جديدة لرؤوس الأموال نظرا لجاذبية هذا النظام للمستثمرين لما ينطوي عليه من عائد أكبر وضمانات قانونية ومعاملة إدارية ومالية مستقرة.
  • مساعدة الدولة في عمليات الخصخصة من خلال صيغ مشاركات مؤقتة مختلفة للقطاع الخاص تشمل التحديث والتأجير والتشغيل والإدارة والتوسعات وغيرها للمشروعات المطلوب اخضاعها للخصخصة.
  • خلق فرص عمل جديدة تخفف من البطالة وتستوعب جانبا من القادمين مستقبلا لسوق العمل.
  • تنشيط وتعظيم دور القطاع الخاص الوطني وزيادة خبرته في الاستثمار الإنمائي والدخول الموسع له إلى مجال جديد هو هياكل البنية الأساسية.
  • رفع معدلات نمو الاقتصاد الوطني وزيادة الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي.
  • المزايا الفنية والتكنولوجية والإدارية:
  • الحصول على التقنية العالمية الحديثة لتشييد تلك المشروعات والمرافق والتي لا تتوافر محليا بل ينقلها المستثمر الأجنبي المالك لتلك التكنولوجيا الحديثة والذي لديه سابق الخبرة العالمية في تشييد وبناء مثل هذه المشروعات والمرافق.
  • المساهمة في تعميق التصنيع المحلي للمعدات الرأسمالية وزيادة القيمة المضافة من المشروع، الأمر الذي يساعد على دعم مسيرة الاقتصاد القومي من خلال تطوير التكنولوجيا الصناعية.
  • إحلال فنون وتطورات الإدارة الحديثة بمختلف مجالاتها في مشروعات متطورة سواء كان ذلك في مراحل الإنشاء أو التشغيل لرفع مستوى الإنتاجية ومستوى كفاءة العاملين.
  • إعداد وتأهيل الكوادر اللازمة في أجهزة الدولة للتعامل مع الأطراف الأخرى في هذه المشروعات من خلال دراسة المشروعات وإعداد وثائقها ومتابعة تنفيذ الحقوق والالتزامات الواردة فيها.
  • المزايا الاجتماعية:
  • توفير الخدمات الاساسية للمواطنين بأسعار ملائمة وجودة متوافقة مع المعايير المحلية والإقليمية والدولية مما يساعد على رفع مستوى معيشة الأفراد في ضوء مراقبة الدولة لهذه الخدمات.
  • زيادة حجم القوة الشرائية في المجتمع بما ينفقه المشروع على احتياجاته مما ينعكس على نشاطات قطاعات متعددة فيه الأمر الذي يساعد في النهاية إلى رفع مستوى المعيشة للمواطنين.
  • خلق وظائف جديدة ومستقرة للعديد من المواطنين مما يساعد في تخفيف معدلات البطالة، ومنح أجور جيدة للعاملين، مما يساعد على تحسين المناخ الاجتماعي.
  • مراعاة ضوابط حماية البيئة في المشروعات مما يساعد على حماية البيئة والارتقاء بالصحة والمجتمع.
  • المساهمة في تنمية الموارد البشرية من خلال ما يتطلبه المشروع من تأهيل وتدريب الكوادر التي تعمل فيه وتطوير وتحديث مهاراتهم بصفة مستمرة.
  • المساهمة في تحقيق التنمية المتوازنة من خلال إعادة التوزيع السكاني على مناطق جديدة، مما يؤدي للجذب السكاني والسياحي وانتشار العمران في المناطق النائية من خلال إقامة المشروعات الأساسية العملاقة كتلك التي تقام في سيناء والصعيد والواحات.

2– سلبيات تنفيذ المشروعات بنظام الـ B.O.T:

يتعرض أسلوب التمويل من خلال استخدام مجموعة عقود الـ B.O.T للعديد من المخاطر بسبب غياب الخبرة السابقة لدى الدول النامية في التنفيذ، عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي لدى البعض منهم، المخاطر المالية التي تتولد بسبب تقلبات أسعار الصرف والفائدة والتقلبات السوقية، بالتفصيل على النحو التالي

  • لجوء المستثمر للحصول على تمويل محلي للمشروع من البنوك والمؤسسات المالية في الدولة المضيفة، مما يفوت على الدولة والمجتمع جزئيا فرصة الحصول على تدفقات رأسمالية خارجية لتمويل برامج الدولة للاستثمار الإنمائي، بالإضافة لاستنزاف موارد الائتمان المصرفي التي كان مفروضا في تمويل المشروع أن يضيف إليها لا أن يؤثر عليها سلباً وخاصة إذا العقد الاساسي هو تشاركي مع القطاع الخاص الذي يتم الاستقراض باسمه من المصارف المحلية.
  • الاستعانة في المشروع بكوادر إدارية وعمالة فنية أجنبية لتغطية معظم احتياجاته من القوى العاملة، مما يضيع على المجتمع المحلي مزايا مثل هذه المشروعات من خلق فرص عمل جديدة وتأهيل وتدريب القوى العاملة للقيام بعمليات المشروع بوسائل وتكنولوجيا متقدمة.
  • التناقص التدريجي لعمليات الصيانة والإحلال والتجديد، وعدم تحديث المشروع المستمر بما يتناسب مع طول فترة الاستغلال، مما يترتب عليه تسليم المشروع في نهاية الالتزام بحالة سيئة تستلزم تكاليف كبيرة لإعادة تأهيله لكي يعمل بكفاءة عالية أو عادية وبشكل خاص إذا بالأساس تم اختلاق ثغرات بهذه الفقرة تخلي مسؤولية المستثمر.
  • تهرب المشروع من تنفيذ بعض التزاماته باستغلال الثغرات القانونية أو التنظيمية الناتجة عن تعدد النظم القانونية التي تحكم المشروع الواحد، وعدم وجود تشريع وإطار تنظيمي موحد يعمل كمظلة شاملة لهذا النوع من المشروعات بجانب أنظمة فرعية في القطاعات ذات العلاقة بها وأكبر مثال وجود عدة اسعار للعملات الصعبة.
  • الاحتمالات الكبيرة لحدوث فروق سعرية لأسباب مختلفة في الأجل الطويل للالتزام بين الأسعار الاقتصادية والأسعار الاجتماعية للخدمات التي يقدمها المشروع مما قد يحمل الدولة أعباء مالية لتحقيق التوازن في علاقاتها المالية مع المشروع.
  • نقص خبرة وكفاءة أجهزة الدولة المكلفة بالتفاوض على المشروع أو الإشراف عليه أثناء تنفيذه أو ممارسة الرقابة على نشاطه، مما يوفر الفرصة للمشروع للتهرب من بعض الالتزامات أو خفض مكاسب الدولة والمجتمع منه.
  • عدم اختيار الصيغة الملائمة للمشروع من بين مشتقات حق الانتفاع، مما قد يتسبب في خسائر للدولة أو للمستثمرين في المشروع الأمر الذي سينعكس سلبا فيما بعد على سلامة أدائه واستمراره.
  • حدوث منازعات بين الأطراف العديدة المرتبطة بالمشروع بسبب عدم ضبط عقوده الكثيرة أو حدوث تضارب بين مصالح هذه الأطراف.
  • حدوث عيوب في تصميم وتنفيذ المشروع تتسبب في تعثره في مراحل الإنشاء أو مراحل العمل الأولي، مما يعرضه لعدم الصلاحية الفنية أو الهندسية وربما توقف المنفذين له عن إتمامه، مما يضطر الدولة إلى التدخل لإكماله أو إصلاحه أو إعادة تأهيله وتحمل مبالغ باهظة في هذا الشأن.
  • عدم إدخال أو تطبيق تكنولوجيا متقدمة في المشروع مما ينتج عنه هبوط المستوى الفني للمشروع وأدائه لخدماته، وضياع فرصة التطوير كأحد أهم أهداف هذه المشروعات.

كل هذه النقاط إن لم تكن الدولة متمكنة من السيطرة عليها وبالشكل الصحيح ينقلب المشروع الى استثمار خاسر ويدفع ثمنه صندوق الدولة وبدوره ينعكس على السوية المعيشية للمواطن.

وبعملية اسقاط بسيطة لهذا النظام على ما يحدث اليوم في سوريا أو ما حدث بالماضي وأبرم من عقود فيظهر لنا أن كل عمليات التوسع والانشاء بالموانئ السورية تخضع لهذه المنظومة من العقود ولكن السؤال هل هناك سلطة تدقق هذه العقود ويظهر خفاياها وهل استعانوا ببيوت خبرة مختصه بهكذا عقود لأن سوريا ليست من الدولة التي تمتلك الخبرات بهذا الميدان وبلاشك يتعين التركيز على ناحية الفساد  المتشعب بكل دوائر الدولة الذي يسهل عملية خلق ثغرات قانونية بالعقود ويفتح المجال للغش حتى بالبنى التحية للمشاريع من متطلبات بالخرسانة وأصولها الى منظومة التدقيق والتلاعب بالأصول المحاسبية .

 توجه رئيس شركات “كوبيت” الروسية التي تمثل مجموعة من 158 شركة عملاقة، إلى سورية ويبحث مع المسؤولين بحكومة بشار الأسد، إقامة منشآت صناعية في مدينة عدرا الصناعية قرب دمشق، إضافة لاستثمارات “كوبيت” الزراعية والنفطية.

وحتى قطاع السياحة والعقارات، بدأ يشهد نشاطاً وإقبالاً من رساميل عربية ودولية، بعضها “بأسماء سورية” حيث وافقت وزارة السياحة، على 11 مشروعاً سياحياً خلال عام 2019 كان للروس منها الحصة الأوفر وأغلبها وفق نظام B.O.T.

ولم تخفِ دمشق العقود الاستثمارية في قطاع السياحة التي منحتها للروس، حيث كشف وزير السياحة في حكومة الأسد، عن مشروعين سياحيين روسيين يجري تنفيذهما على الساحل السوري.

وأكد في تصريحات إعلامية على توقيع عقد مع شركة “أولمبيك” في محافظة اللاذقية لإقامة مجمع سياحي من فئة 4 نجوم يضم فعاليات سياحية وتجارية وترفيهية متنوعة، حيث بدأت الشركة بتنفيذ الأعمال.

وأضاف الوزير أن المشروع الروسي الثاني يتمثل بالمنارة السياحية في محافظة طرطوس، حيث تم التعاقد على إعادة تأهيل المجمع القائم وتطوير الموقع العام لإقامة منتجع وشاليهات وفعاليات متنوعة، حيث يتم العمل بوتيرة عالية لوضع المشروع قيد الاستثمار.

آخر تلك العقود العقد الذي أبرمته وزارة السياحة مع الشركة الخاصة (شركة الحجاز الورية للتطور والاستثمار) والذي يعطي الصلاحية للشركة استثمار محطة الحجاز التاريخية بدمشق لتصبح فندق ومحلات تجارية ومقاهي ومطاعم لمدة 45 سنة تعود بالآخر الملكية للمشروع للحكومة السورية علماً أن ملكية محطة الحجاز وقف أي يتبع لوزارة الاوقاف وليس وزارة السياحة ولم يصرح لليوم من هي الشركة أو الدولة الخارجية بحقيقة الأمر ولكن الحديث عن شركة روسية بالوسط الاستثماري يتكرر يومياً.

يتبين لنا إن نظام الأسد يستمر في عملية تأجير مقدرات سورية عبر عقود الـ B.O.T أو الاستثمارات طويلة الأجل، لشركائه بالحرب، خاصة طهران وموسكو وذلك لإيفاء الديون التي تراكمت عليه من جراء شراء الأسلحة والنفط خلال السنوات الماضية.

 وهناك أسماء رجال أعمال سوريين جدد، بدأت تظهر في العقود الاستثمارية الجديدة، معتبراً أنها واجهات لرساميل خارجية عربية وأجنبية، وذلك بعد أن تم تأسيس شركات عدة في لبنان، استعداداً للحصول على حصة من الكعكة الكبرى خلال إعادة إعمار سورية.

وبنظرة سريع تحليلية نجد أن نهجاً تشاركياً جديداً يحصل في سورية الآن، وهو تشاركية مصارف أو شركات حكومية، مع مستثمرين سوريين وخارجيين باسم “شركات قابضة”، وأنه يجري الآن التحضير لتأسيس شركة مساهمة عامة عقارية بين المؤسسة العامة للإسكان والمصرف التجاري السوري وشركة خاصة بعد موافقة وزارة الأشغال العامة والإسكان، برأسمال مرصود بـنحو 50 مليار ليرة سورية بلا شك أغلب عقودها ستتمركز على صيغة مفهوم B.O.T.

من المؤكد أن  هذه المنظومة للعقود بمجملها وبشكل موضوعي جيدة ولها فوائدها للدول التي تتحكم باقتصادها بالشكل الصحيح والسليم ولا تشكوا من آفة الفساد بمؤسساتها التنفيذية ولا حتى التشريعية لاتخاذ القرار الحكيم واستصدار القوانين اللازمة لاستمرار المشاريع وهناك العديد من الدول استعملت هذه العقود حتى بالدول الاوربية ذات الاقتصاد النشط والصامد وهو نظام قديم وهناك مشاريع عديدة عبر التاريخ استعملت ذات المفهوم منها قناة السويس بتشارك عدة دول على انشائها واستثمارها ولكن تم نقض العقد بتأميم الشركة وهنا يمكن التساؤل  فيما إذا النظام السوري يتبع هذا المفهوم والتساهل به لإرضاء شركائه وتشجيعهم على الاستمرار بدعمه للبقاء على كرسي الحكم وأتمنى من الأخوة أصحاب الضمير المهني والوطني الانتباه الى هذه العقود والسعي للحد منها أو كشفها لكي يتم الطعن بها ونقضها إن كان بالمرحلة الانتقالية أو بالمراحل الأخرى بعد سقوط هذا النظام .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى