بقيت طريقة تسليم العقيد حسين حرموش إلى النظام، سراً يرغب الكثيرون في الكشف عنه، ومعرفة المتورطين، بتسليم أول ضابط انشق عن النظام في الثورة السورية، وحصلت صحيفة زمان الوصل، على الإفادة الكاملة للضابط التركي الذي خطف الهرموش وسلمه للنظام.
وكشف الضابط التركي الذي ساهم بخطف المقدم حسين هرموش عن تجاهل نظام الأسد له وإهماله بعدما استطاع الهرب من السجون التركية.
وأدين الضابط التركي ذي الأصول الساحلية السورية “أوندور سيغرجيك أوغلو” بن عبد المجيد والدته لمياء مواليد أضنة 1966، بجريمة الخطف 20 عاما، قضى منها 32 شهرا قبل هروبه من السجن ودخوله سوريا “وطنه الأم” برعاية وتنسيق جهاز “أمن الدولة” لدى نظام الأسد، بحسب ما نقل تقرير حصلت “زمان الوصل” عليه حصريا.
وذكر “أوغلو” بحسب إفادة رسمية، قدمها لجهاز أمن الدولة التابع للنظام، ٠ أنه حاول لقاء اللواء محمد ديب زيتون الذي حوله إلى ضابط أصغر، منحه ظرفا توقعه أن يكون محتويا على أوراق تسهل إقامته قبل أن يكتشف أن ليس في الظرف سوى مبلغ 10 ألف ليرة!
ورغم محاولته التقليل من الإهمال الذي لاقاه من مخابرات النظام، معتبرا نفسه بأنه “فخور بما فعلت من أجل الإنسانية وشعبي ومستعد لفعل المزيد من أجل وجداني وانتمائي وإنسانيتي”، إلا أنه اشتكى من عدم ثقة مديري أفرع الأمن به لوجود عائلته في تركيا، طالبا الاستقصاء عن حقيقة قصته.
وقال إنه حاول الوصول إلى أصحاب القرار مرارا، لكنه كان يصطدم بجواب واحد مفاده أن ملفه عند “المرحوم أبو وائل” أي اللواء محمد ناصيف.
واستند إلى وعود كان ينقلها له ناصيف عن بشار الأسد، لكنه مازال قيد الانتظار رغم أنه حاول، على حد زعمه، إيصال رسالة إلى النظام بأنه مستعد للمساهمة في إدانة “حكومة أردوغان” في محكمة العدل الدولية في “لاهاي” من خلال شهادته بما “يعرف” عن تفاصيل “ممارسات الحكومة التركية التي تنتج الإرهاب ضد سوريا والمنطقة”.
وذكر في التقرير أن الروس أرادوا التواصل معه من خلال علي كيالي “جزار بانياس” دون الخوض في تفاصيل أكثر.
وادعى العميل التركي أنه وعائلته مهددون من المخابرات التركية وأجهزة أجنبية أخرى إضافة إلى المعارضة السورية، مطالبا بحقه بالمواطنة والأمان له ولأسرته، في سوريا.
ويكشف أوغلو الإفادة التي حصلت “زمان الوصل” عليها طريقة تعامل مخابرات النظام معه عندما هرب من تركيا سابقا مخافة القبض عليه، فجاء إلى دمشق ولم يتمكن من لقاء اللواء ناصيف، رغم انه أطلع المسؤولين كما يقول على تفاصيل التطورات ونيته البقاء في سوريا أو الرحيل إلى موسكو.
لكنه عندما لم يلمس أي جدية بمساعدته من النظام، كما يعترف، عاد أدراجه إلى تركيا مغامرا بحياته، آملا بعجز المخابرات التركية عن إثبات ما قام به، إلا أنه تم القبض عليه وباقي أفراد مجموعته، وتحمّل المسؤولية لوحده إبعادا لأي شبهة طائفية، مبرّئا باقي رفاقه “اللوائيين” كما يؤكد.
كما عمل على توريط جمبع الضباط الأتراك من ذوي المستوى الأعلى في جهاز المخابرات، ونجح في ذلك ما أدى إلى إقالة 12 ضابطا رفيع المستوى دفعة واحدة، الأمر الذي تسبب بهزة لجهاز المخابرات التركية حسب ادعاءاته التي تضمنها التقرير.
* تكرار روايات النظام
عرف العميل التركي نفسه حسب الإفادة، بأنه من أسرة عربية سورية تنحدر من قرية “الدوير” قضاء انطاكيا وقبلها من جبال الساحل السوري، وقال إنهم حافظوا على هويتهم وعاداتهم ولغتهم العربية الأم، وتخرج من جامعة أنقرة كلية الأدب الأمريكي ونال الماجستير 1989.
وقال إنه أدى الخدمة الإلزامية في فرع مخابرات الأركان في قيادة الجيش التركي برتبة ملازم أول مجاز، وكان مسؤولا عن العلاقات مع جميع الملحقيات العسكرية للبعثات الديبولوماسية الأجنبية، إضافة إلى مهمة توثيق جميع محاضر اللقاءات باللغتين التركية والإنكليزية وأنهى خدمته بعد سنة تماما.
*تولى التحقيق مع المنشقين العسكريين والجامعيين
وأضاف “أوغلو” أنه تم توجيهه لاستلام ملف اللاجئين السوريين إلى تركيا، مشيرا إلى أنهم أنشؤوا قسما لهذه الغاية وانتقل مع موظفي القسم المحدث إلى أنطاكيا واتخذوا من مؤسسة التبغ في “يايلاداغ” القريبة من “كسب” مقرا لمكاتبهم، ليبدؤوا التحقيق مع اللاجئين.
وكشف أنه تولى بنفسه التحقيق مع العسكريين والجامعيين المنشقين، لافتا إلى أنه شكّل قاعدة معلومات ضخمة لصالح نظام الأسد نتيجة التحقيق مع 4 آلاف سوري.
وزعم أن النظام لم يكن المسبب بهروب اللاجئين من منازلهم، مكررا رواية النظام بأن المال والتضليل دفعا أعدادا كبيرة لاصطناع “ظاهرة هروب جماعي” لخداع الرأي العام وتشكيل كتلة لجوء سوري ليتم بناء نواة لمعارضة سورية بجناح مسلح بالتنسيق مع السلطات الفرنسية، حسب ما ورد في التقرير.
وأتى على ذكر بعض رموز المنشقين العسكريين الذين حقق معهم مثل المقدم حسين الهرموش والعقيدين رياض الأسعد، ومالك الكردي وغيرهم.
وقال إن ذلك توازى مع تصعيد إعلامي من خلال “إجراء العديد من الفبركات الإخبارية المصورة” في اسكندرونة والقول إنها داخل الأراضي السورية، ولا سيما الجزيرة “لتهويل وتزوير الحقائق”.
وادعى بأنه تم إبراز المقدم الهرموش كبطل استطاع الانتقام من النظام والطائفة العلوية، وذلك باستهداف مقرات الدولة في جسر الشغور وقتل موظفي البريد وتفجير مبنى مفرزة الأمن العسكري والإجهاز على كل عناصرها وسرقة السلاح.
وورد في التقرير قول أوغلو إن شخصا يدعى “محمد نادر زعتر” من “قلعة المضيق” بريف حماه ضالع باغتيال “عماد مغنية”، وادعى أن كمبيوتر “زعتر” الشخصي يضم معلومات خطيرة نسخها أوغلو، مشيرا إلى أن الرجل الذي يعمل بالمباني في طرابلس يرسل تقاريره إلى المخابرات السعودية والأردنية.
وزعم الضابط التركي أن أصوله الساحلية التي ظهرت في لهجته دفعت “زعتر” إلى الهروب إلى لبنان رغم أنه سبق أن ذكر في المحضر نفسه أن “زعتر” هرب من لبنان بعد تعرضه لإطلاق نار من قبل عناصر حزب الله الذين كانوا يحتجزونه.
كما أشار أوغلو في التحقيق إلى أنه راسل المخابرات السورية لكي يشتري السلاح المسروق من مفرزة الأمن العسكري في جسر الشغور، والأرشيف الذي يضم قوائم مطلوبين من جماعة الإخوان المسلمين.
غير أن تجاهل النظام لمطالبه جعل قسما تابعا للمخابرات التركية يسيطر على الأرشيف المذكور.
*اختطاف الهرموش
وروى أوغلو أن الهرموش تعاظم دوره تنظيميا وتكتيكيا، مدعيا أن خلافات نشأت بينه وبين كل من رياض الأسعد ومالك الكردي حول “السرقة والاختلاس”.
وقال إن الهرموش هرب مرتين من المخيم قبل أن تلقي الشرطة القبض عليه.
وكشف الضابط التركي أن تعليمات جاءته بالعمل على الإفراج عن الهرموش الذي كان ينوي التمركز في جبل الزاوية.
وأكد أنه سرّب عن طريق العقيد المتقاعد “فخري مكحل” أسماء عشرات الضباط إلى المخابرات السورية كانوا على أهبة الانشقاق بحسب معلومات انتزعها من الهرموش أثناء تحقيقاته معه.
واسترسل في سرده تفاصيل عملية خطف الهرموش، لافتا إلى أنه جاء إلى سوريا متخفيا عبر البحر، قبل أن ينتقل بطائرة خاصة بترتيب اللواء محمد ناصيف من اللاذقية إلى دمشق ليلتقي ناصيف ثم علي مملوك، حيث سلم كلا منهما أيضا قائمة بأسماء ضباط الحرس الجمهوري الذين كانوا ينوون الانشقاق.
وبعد عودته إلى تركيا علم بنية النظام عرض الهرموش أمام وسائل الإعلام، الأمر الذي جعله يطلب من الوسيط لكي يثني النظام عن ذلك مخافة اكتشاف المخابرات التركية لفعلته، حسب ما ذكر.
لكنه فشل، وعندما عرض الهرموش على التلفزيون جن جنون المخابرات التركية التي جاءها أمر من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بالتحقيق بالجريمة، فحققوا مع أوغلو وأنكر، لكن الضغوط بدأت تنهال عليه كما يقول.
*شهادة مختطف آخر
وعندما علم بنية أحد كبار ضباط المخابرات الانشقاق عن النظام، تفاقم خوف أوغلو لاحتمال أن يكون على علم بما فعل بالهرموش، ليحصل على إجازة صحية ويسافر إلى لبنان، ويتصل بالعقيد المتقاعد فخري مكحل لتدخله السلطات السورية دون ختم الجواز.
وهنا كشف في حديثه عن قصة وصول شقيق مصطفى قسوم الذي اختطف بنفس يوم اختطاف هرموش، وقال إن عمر قسوم سيدفع للإفراج عن شقيقه المختطف مصطفى مبلغ وصل إلى 600 مليون ليرة سورية.
وضمن هذا السياق اتصلت “زمان الوصل” مع قسوم وعرضت عليه صورة الضابط المذكور، فأكد أنها صورة الشخص الذي اختطفه أيضا.
وكان قسوم علق على موضوع نشر في “زمان الوصل” مفندا الرواية التي ساقها المعارض طاهر أسعد يحكي فيها أن المدعو محمد أصلان هو من اختطف هرموش بعد تخديره بحسب ما نقلت له زوجة أصلان التي سربت المعلومات انتقاما من خيانة زوجها أصلان لها.
وأرسل قسوم حينها إلى “زمان الوصل” ما اعتبره تصويبا لرواية أسعد، متهما جهات معارضة بالتواطؤ مع النظام في اختطاف الهرموش، دون أن يسمي أحدا.
المصدر: زمان الوصل/ قاسيون