قراءة في كتاب : سؤال المصير  ٧ من ٨ ||   قرنان من صراع العرب من أجل السيادة والحرية

أحمد العربي

ربيع ليبيا .

تحرك الشارع الشعبي الليبي لإسقاط نظام الاستبداد الليبي ممثلا برئيسه الإشكالي معمر القذافي.  قدم القذافي نفسه الى الشعب الليبي مشروع نبي وقائد  واستكان الشعب قهرا و خوفا وتقية. كان القذافي نموذجا مناكفا للغرب والأنظمة العربية وأغلب دول العالم، أراد تقليد عبد الناصر بكونه قائد وطني قومي تحرري، لكنه عجز عن ذلك. فجر طائرة ركاب غربية مرة ودفع مليارات الدولارات تعويضا، وحارب في افريقيا اخرى، واصبح مشكلة للغرب، كانوا يتحملونه لانه يجلس على كنز من النفط يحتاجونه. وما أن جاء الربيع العربي حتى قرر الغرب مساعدة الليبيين ضد القذافي الذي قرر ان يخوض حرب ابادة على الشعب. وسرعان ما استصدر الغرب قرارا دوليا باستعمال القوة حسب البند السابع ضد القذافي ودخلت الطائرات  والجيوش الغربية الى ليبيا وساعدت بإسقاط نظام القذافي، قبضت عليه و قتلته بشكل شنيع بعد ذلك.

وما ان استتب الوضع للمنتصرين وبرعاية دولية حتى تمت تدخلات اقليمية ودولية منعت وجود مناخ ديمقراطي حقيقي في ليبيا. هناك من دعم الشرق الليبي وبقايا حلفاء القذافي حفتر وغيره، كذلك الحال في الغرب الليبي الذي دُعم من دول أخرى له ، تقاسموا النفط والقوة والثروة . أصبحت ليبيا ضحية قوات عسكرية تحكم الأرض بدعم من دول الخارج وكل يحكم مقاطعته. لهم ممثلين سياسيين يجتمعون في هذه الدولة أو تلك يبحثون عن مخارج: توحيد البلاد وانتخاب برلمان واحد ورئيس وتوحيد المجموعات العسكرية ومنع سرقة ثمن النفط الذي أصرّ الغرب على الحصول عليه كائنا من كان يأخذ الثمن، وكأنهم يدعمون الصراع بتمويله من نفط الليبيين أنفسهم ليهدر دمهم، دخلت مصر السيسي على الازمة الليبية وكذلك الإمارات العربية وتركيا وروسيا وأمريكا وأوروبا والأمم المتحدة…

ماتزال الوضع في ليبيا في حالة سيولة ولا أفق منظور للحل يلوح في الافق…

 

ربيع اليمن .

سرعان ما وصل الربيع العربي الى اليمن الذي كان قد توحّد سابقا، كان رئيسه علي عبد صالح متجذرا في السلطة هو وعائلته وامتداده العصبوي. لكن الحراك الشعبي أطاح به . سرعان ما تدخلت دول الخليج السعودية والامارات بشكل أساسي، لاستيعاب صدمة الثورة الشعبية وبدأت تعمل بالتوافق مع الغرب على كيفية استيعاب هذا الحراك الذي وصل الى “دار” دول الخليج. انه نار معدية يجب اطفاؤها. فحاولت دول الخليج ان تجمع بين ممثلي الثورة وبعض اطراف النظام السابق، وكان احدهم قائدا لاحدى المواقع العسكرية وتوسعت طاولة التفاوض وتم الاتفاق على عودة علي عبد الله صالح على ان يكون رئيسا لمجلس حكم من الثوار وممثلي المجتمع من الشمال والجنوب ثم بعد ذلك نائبه عبد منصور هادي وتدحرجت كرة السياسة في اليمن…

سرعان ما تدخلت إيران في اليمن من خلال شراء ولاء الحوثيين الزيديين. حيث تم دعمهم بالمال والعتاد، ودفعتهم ان يطرحوا مطالب لهم تصل الى مستوى انفصال الجنوب حيث الحوثيين عن الشمال. بحيث أسقطوا منجزا تاريخيا وهو الوحدة اليمنية. لم تتوافق الأطراف على حل واحد تجاه اليمن، الأطراف الداخلية مختلفة متصارعة والاطراف الاقليمية السعودية والإمارات وإيران مختلفة اجنداتها إلى درجة الصراع. الغرب و أمريكا يراقب الحالة مبتهجا ان ربيع اليمن سيؤدي الى تقسيمها والى الحرب الاهلية. أخذت أمريكا دور المايسترو لتحريك الأطراف اليمنية. سقط مجلس الرئاسة وبدأ صراع حقيقي على الأرض بالسلاح بين الشمال بدعم خليجي سعودي ، ودخلت السعودية بقواتها تقاتل وسقط لها قتلى ووقع بعض جنودها بالأسر. انسحبت الإمارات من اليمن ودخلت ايران بكل قوة بجانب الحوثيين الذين خاضوا معركة وجود وبدعوى دينية يتقنها الحلف الإيراني: الموت لامريكا والموت لاسرائيل…

 استمر الصراع لسنوات وظهر ان لا حل في الافق، والدعم الغربي الأمريكي الذي كانت تنتظره السعودية ضد الحوثيين وإيران بقي وعود وتسويف. لذلك بادرت السعودية اخيرا الى اللقاء مع الايرانيين مباشرة عبر العراقيين والصينيين واوقفوا اطلاق النار في اليمن، وبدؤوا بتبادل الاسرى، ووضعوا الوضع اليمني في مسار حل طويل الاجل ينتظر توافقات إقليمية ودولية فيها ملفات كثيرة معقدة وملفات جديدة تزيد الأمر تعقيدا..

المهم أن اليمن عاد بعد ربيعه اسوأ مما كان وهذا ما اراده الغرب والانظمة التابعة…

قتل اي خيار ديمقراطي مستقل حر يفكر بمصلحة شعوب المنطقة…

ربيع العراق.

لقد كان الربيع في العراق ممثلا بالحراك الشعبي العراقي الذي ظهر على دفعات مثل موجات تسونامي المواكب لحراك الربيع العربي  رافضا الواقع الطائفي الاثني الماقبل وطني الذي فرضه الاستعمار الأمريكي للعراق وبقي مكرسا عبر دستور بريمر وهيمنة الحشد الشعبي الشيعي المحسوب كقوة سياسية وعسكرية على ايران بالكامل. حيث كان يتم القضاء على هذا الحراك الشعبي الوطني الديمقراطي المطالب بالحرية والعدالة واصفين المناطق ذات الاغلبية السنية في العراق بأنها البيئة التي ولدت القاعدة وداعش والإرهاب. ومن خلال التغلغل في موجات الحراك الأخيرة التي كانت في أوساط الشيعة العراقيين الذين يطالبون برفع يد إيران وهيمنتها على العراق كمرجعية دينية وسياسية وعسكرية، وطالبوا بتثبيت الهوية العراقية العربية الإسلامية من خلال مرجعيات دينية عراقية. أجهضت هذه الموجات من التحرك عبر القوة العسكرية احيانا والمحاصصة السياسية تارة أخرى وفي كل الأوقات بقي العراق مقسما عمليا بين شمال شبه مستقل كدولة كردية والباقي تحت سيطرة الميليشيات العراقية الشيعية التابعة عسكريا وسياسيا لإيران. والمهم والاهم هو تقاسم النفوذ والمصلحة بين الغرب وامريكا مع ايران على تحديد مسار العراق السياسي واستنزافه الاقتصادي ونهب بتروله كل الوقت.

الشعب العراقي يعيش على كنز لكنه ممنوع من الاستفادة من خيراته، و ضحية صراعات وهمية دينية وطائفية  يعيش الفقر والقهر والظلم والفاقة ودمه مهدور كل الوقت …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى