الفصل الخامس:
مكر التاريخ أو كيف صنع المثقفون العرب الشعب الكسيح.
النخبة العاقلة والشعب الجاهل.
يتابع د برهان تفنيد موقف عموم المثقفين العرب من الشعوب العربية. أغلب هؤلاء المثقفين يسير في ركاب الأنظمة المستبدة ويأكل من خبزها. ينظّرون إن الشعب العربي على أنه متخلّف في بنيته الذاتية حيث عقله المسكون بالدين، الغير قابل للتقدم، المنغلق على ذاته. لقد استباحوا حياة الناس بادّعاء تخلفهم وعجزهم عن التقدم والدخول في عصر الحداثة إلا عبر الإجبار، وهذا يتم بالطبع عبر الأنظمة الاستبدادية التابعة والظالمة. يبرر هؤلاء المثقفون المنظرون الاستبداد ويعظمون دوره وأثره لصناعة الحياة الأفضل عبر ادعاء أن هذه الانظمة هي من تستنبت الحداثة والعلمانية والالتحاق بالعصر في مجتمعاتنا العربية، وكل ذلك ليس إلا قشرة تغطي حقيقة الانظمة الطائفية القبلية المناطقية العصبوية واستغلالها وتوحشها وتبعيتها لراعيها الغربي او الشرقي . طبعا وهم يغضون الطرف عن الظلم الاجتماعي والسياسي والفساد والمحسوبية وغياب الحرية والعدالة. يبرر هؤلاء المثقفين غياب الديمقراطية لان الشعوب عاجزة عن اداء دورها الديمقراطي فهي متخلفة وقد تقود ديمقراطيتها الى خراب البلاد …
التنوير المعكوس:
واستمرارا في ذات الدور التخريبي المجتمعي لهؤلاء المثقفين ضد مجتمعاتهم. فإنهم يقفزون عن المظالم الاجتماعية والفساد والفقر وغياب العدالة والقهر السياسي والاجتماعي وعيش الناس على الكفاف. والتبعية المطلقة للغرب ودوره في سرق خيرات البلاد واستنزاف مواردها، حيث يخوضوا معركة وهمية مفادها ان الناس متخلفين فكريا وبنيتهم العقائدية الإسلامية تمنعهم من التقدم ومواكبة العصر ومجاراة التقدم لذلك يخوضون معارك طواحين الهواء مع نماذجهم المزيفة “لتنوير” الناس ودفعهم للعقلنة والتنوير المُدّعى…
انها حرب مزيفة خارج الحياة وضد الإنسانية….
شركاء في صناعة الإسلاموفوبيا:
كان لا بد أن يخلق الغرب عدوا كونيا له ليبرر تدخله في دول العالم حفاظا على مصالحه واستمرارا في خلق التبعية واستنزاف خيرات البلاد و تصريف منتجاتها ومنعها من الحداثة والتقدم. هذه الاستراتيجية تطلبت من الغرب بعد سقوط الاتحاد السوفييتي لابتداع الإسلام والمسلمين عدو مفترض. انعكس بخلق الإسلاموفوبيا الخوف المرضي من الإسلام والمسلمين سيبرر الحروب في العالم ويبرر العنصرية في الغرب وفي كل المجتمعات وسيخلق مفهوم الإرهاب ويلصق بالمسلمين كل ذلك لخدمة الغرب والدول التابعة لتكن يدهم طولى ويتدخلوا في كل زمان ومكان ليحموا مصالحهم كل الوقت..
انتحار المثقفين و مفهوم الاستثناء العربي
كذلك : بين المثقف والسلفي:
وهكذا كما ذكرنا سابقا كان دور اغلب المثقفين ودورهم تزييف واقع حياة الناس وأن مشكلتهم ليست مع التخلف والاستبداد والظلم الاجتماعي والسياسي والتبعية للغرب والفقر والجوع والفساد بل مع بنيته الذاتية الفكرية المتخلفة والمسكونة بإسلام غير قابل للتنوير أو التحرر.
وان العرب اشبه بحالة استثناء بين البشر فهم عاجزين عن العقلنة ودخول عصر الحداثة ولذلك طبيعي ان يكونوا تحت حكم استبدادي يقودهم لبناء حياتهم الافضل رغما عنهم…
لذلك كانت معارك الوهم حاضرة بين مثقف مغترب منقطع الصلة مع الواقع وسلفي متنوع يعيش خارج العصر وباشكال مختلفة، البعض يرى الحياة الافضل في زمان الصحابة ووفق ما حصل معها. والمثقف الذي يريد نقل تجربة الغرب دون الأخذ بخصوصية مجتمعاتنا. والطرفان مغتربان عن الواقع العربي وحياة الناس في الواقع يحدد مشاكله وكيفية معالجتها وآليات مواجهة التحديات في عصر الحداثة والعقلانية والديمقراطية…
نجح السلفيين لانهم كانوا بأحد اوجههم ضد الاستبداد ووجد بهم الناس خشبة خلاص من المظالم التي تحيط بهم.
وفشل العلمانيون لانهم كانوا ادوات الانظمة الاستبدادية بتأييد الظلم و القهر والتخلف والاستبداد وانعكاس كل ذلك على مجتمعاتهم…
الحداثة بوصفها معركة. وشماعة التراث.
يعود د برهان الى ما ابتدأه في كتابه حول ضرورة دخول العرب في عصر الحداثة وهي دعوى مطروحة منذ مفكري عصر النهضة. الحداثة بصفتها منظومة متكاملة للحياة. العقلنة والعلم والديمقراطية واحترام حقوق الانسان وتحقيق العدالة والحياة الافضل وان ذلك مازال الهدف الاهم والاسمى وان الحضور الغربي في بلادنا كان لمنع الحداثة من التحقق. وان دعم الغرب للانظمة المستبدة والقضاء على من يحاول تجاوز ذلك مثل محمد علي وعبد الناصر في مصر وكذلك العراق ايام صدام حسين مصيره حرب ابادة. وان واقع الحال هو استمرار وجود الأنظمة الاستبدادية التابعة للغرب والمدعومة منه جعل المصالح الغربية محققة عبر هذه الأنظمة كل الوقت…
الخاتمة:
ينهي د برهان كتابه بمجموعة توصيات:
١ . إدراك الحداثة…
٢ . بناء النظم الديمقراطية في بلادنا…
٣ . المصالحة مع التراث كعرب ومسلمين…
٤ . وعي العرب كونيتهم كونهم جزء من الإنسانية. .
٥ . حل عقدة الغرب وعقلنة التعامل معه.
٦ . التعامل مع الغرب بعقلية الندية والقطع مع التبعية المهينة.
٧ . لا مشروع للتقدم العربي ناجزا…
علينا البدء في كل بلد بخلق شروط الحداثة والعمل بموجبها…