قراءة في كتاب : سؤال المصير  ٣ من ٨ || قرنان من صراع العرب من أجل السيادة والحرية

أحمد العربي

الفصل الثاني:

الحداثة المغدورة : أو كيف صنع الغرب الشرق الكسيح.

 

لعنة الجغرافيا السياسية : الموقع ودور الغرب تجاه العرب.

يتحدث د برهان عن القرب الجغرافي بين الغرب الأوروبي والعالم العربي في حوض البحر الأبيض المتوسط . وأن التمدد الرأسمالي الاستعماري كان منصبا على هذه البلاد بشكل مباشر ومكثف منذ القرن التاسع عشر وما بعد.

صحيح ان الاستعمار الاوروبي لدول العالم كان شاملا من الصين والهند شرقا الى العالم العربي وامتد لأمريكا. لكن بعض الأطراف لم تصل لها يد الغرب الأوروبي مثل اندونيسيا وماليزيا حيث صنعوا تقدمهم ،وكذلك  اليابان وكوريا بعد الحرب العالمية الثانية صنعوا نموذجهم الحديث المتقدم، واستطاعوا أن يخرجوا من عباءة التبعية للغرب والتخلف الاقتصادي والاجتماعي وبناء دولة الحداثة والديمقراطية.

لكن موقع البلاد العربية. ووجود ذاكرة مشتركة حول تاريخ ما قبل عصر النهضة الأوربية وكيف كان التوسع العربي والإسلامي قد دخل عمق أوروبا واستقر لقرون في اسبانيا، وان الدولة العثمانية الإسلامية كانت في قلب أوروبا لقرون طويلة. هذا يعني ان هناك حقد خفي مبطّن تجاه البلاد العربية وأن فيها مارد يجب أن لا يفيق، لذلك كان استعمار البلدان العربية تباعا لتأمين استمرار حرمانها من دخول عصر الحداثة واستمرار نهبها الاقتصادي واستمرار تبعيتها للغرب وخلق انظمة مستبدة حاكمة لهذه البلدان ودعمها في مواجهة شعوبها وجعلها الحامية لمصالح الغرب في هذه الدول، وحتى بعد خروج الاستعمار الغربي من هذه البلدان بصفته العسكرية العلنية، استمر التواجد الغربي مصالح وتبعية من خلال هذه الأنظمة والربط  الوجودي بين هذه الانظمة المستبدة بكل أشكال الحكم الجمهوري والملكي الوراثي  وبين الغرب الاستعماري…

إجهاض الثورة الصناعية :

لقد واجه الغرب الاوروبي كما ذكر سابقا كل محاولات البناء الحداثي والتطور الاقتصادي الصناعي في البلاد العربية منذ ما قبل اسقاط الدولة العثمانية. مثال ذلك ما فعله الغرب مع محمد علي باشا الذي صنع نموذج مصر المتقدم علميا وصناعيا وصنع قوة عسكرية كادت تسقط الدولة العثمانية لكن الغرب توحد مجددا واسقط تجربة محمد علي واعاده ليكون حكما وراثيا في دولة ممنوعة من ان تتجاوز تخلفها وتبعيتها للغرب وأن تنفذ خططه ومصالحه كل الوقت.

تقويض مشروع الدولة الوطنية:

وكما ذكر سابقا لم يكتف الغرب الاوربي والامريكي معه بعد ذلك بتقسيم بلاد العرب وفق سايكس بيكو ولا خيانة وعد الانكليز للشريف حسين بتكوين مملكة عربية يرأسها. بل حضر الغرب المستعمر لهذه الدول التي انشأها على الخريطة متقاسمين هذه الدول كغنائم، والعمل ضمن هذه الدول وفق مبدأ فرّق تسد مؤججين الصراع الطائفي والاثني. وحتى تقسيم هذه الدول الى دويلات طائفية واثنية كما فعلت فرنسا في سوريا ولبنان بعد سقوط الدولة العثمانية…

الفصل الثالث:

مفارقات الحداثة واعادة انتاج السيطرة الغربية.

يعيد د برهان الحديث عن الغرب والعرب والعلاقة بينهما من منظور آخر وهو منظور الحداثة والتنظير الغربي حول العرب والمسلمين. بحيث يرى الغرب دوره وفعله الاستعماري مشروع تجاه هذه الدول ومشروع. سواء في مرحلة الاستعمار وما بعدها بوجود أنظمة تابعة للغرب. فلا يرى الغرب بالعرب ودولهم إلا امتداد لمصالحه ومجاله الحيوي الاقتصادي مواد أولية بخسة وتصريف منتجاته ورعاية تخلفها وضبط صراعاتها ومنعها وبالقوة من امتلاك الحداثة والسير على طريق التقدم. صحيح أن أوروبا تمددت استعماريا في أمريكا ولكنها تحولت من مستعمرة لها الى شريك رأسمالي لها في الهيمنة على العالم. أما بالنسبة للعرب فالوضع مختلف، فهي دول تابعة ومستبدة ومتخلفة وتخدم الغرب وتؤمن له المواد الخام والسوق التجاري. ولا أمل لها بالتقدم ولا الدخول في عصر الحداثة… لقد رمم الغرب جبهته بعد سقوط السوفييت وتحولت دول عدم الانحياز الى مجرد واجهة شكلية غير ذات مضمون. ومحاولة روسيا الآن أن تعيد العالم الى ثنائية القطبية في حربها في أوكرانيا جعل الغرب يجند كل قوته ليهزم روسيا وقد يتطور الصراع الى صراع نووي يفني كل الأطراف… الأيام حبلى.

العنصرية وصناعة الدونية :

أطل د برهان في هذا الفصل على الجانب التأسيسي الفكري الغربي الذي يقدم للسياسيين الغربيين مبررات لهم في أدوارهم الاستعمارية مع كل تبعياتها من قتل وتدمير وارهاب ومنع البشر من تحقيق حياة افضل…

 هؤلاء المستشرقين نماذجهم إرنست رينان وبرنارد لويس وغيرهم نظّروا بقولهم ان العرق الغربي الآري يمتلك المميزات التفوقية التي تجعله يحكم الآخرين من الاعراق الاخرى السامية منها. نعم استندت النازية على هذه النظرية وحرقت اليهود الساميين. واستند الغرب على هذه النظرية وتمدد في بلادنا دون اي رادع. تصرف الغرب وكأنه صاحب رسالة بإنقاذ هؤلاء الشعوب المتخلفة بتكوينها العرقي. وزاد المستشرقين من غلواء ظلمهم للشعوب العربية والاسلامية. من خلال التنظير تجاه الدين الاسلامي وانه غير عقلاني ولا يدعو للعلم والتقدم وضد الحداثة وأن المنتمين له متخلفين بالفطرة عرقيا وبسبب التكوين الديني الإسلامي في وجدانهم. فهم بشر دون البشر واستعمارهم صحيح واستغلالهم ايضا وفرض التبعية عليهم وسرق مواردهم وتصريف منتجات الغرب عندهم أمر طبيعي ومطلوب وتحويل انظمتهم الى مجرد تابعين للغرب يخدمون مصالحه على حساب شعوبهم واستغلالها وقهرها وظلمها…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى