فشلت مؤسسات النظام السوري بإخماد الحرائق التي نشبت قبل عدة أيام في الغابات الحراجية في مناطق مشقيتا والسركسية وربيعة أقصى شمال محافظة اللاذقية. وطالت الحرائق بساتين الليمون والرمان في عين البيضا وخربة الجوزية بمنطقة النخلة. والتهمت النيران عشرات آلاف الدونمات من الغابات الحراجية في منطقة جبل التركمان الممتدة باتجاه الحدود مع تركيا شمالاً.
ويتبع الدفاع المدني ومراكز حماية الأحراج الطرق البدائية في عملية إخماد الحرائق، حيث ظهر رئيس مركز حماية الغابات في قسطل معاف، طارق حطاب في موقع كوم الحطب التابع لمنطقة بيت حليبية، وهو يشير إلى إدخال الآليات المزنجرة لفصل المواقع المحروقة عن الخضراء بهدف فتح طرق يقومون بعدها بإدخال الاطفائيات.
واتهم مدير الدفاع المدني في محافظة اللاذقية، العميد جلال داؤود فصائل المعارضة السورية بشكل غير مباشر بانها تقف خلف الحرائق التي اندلعت في جبل النملة بالقرب من بلدة ربيعة في ريف المحافظة الشمالي، عازيا الأمر إلى قرب المنطقة من انتشار الفصائل القريبة من مناطق التماس بين قوات المعارضة وقوات النظام.
وفي السياق، اعتبر المكتب الصحافي في محافظة اللاذقية أن الحرائق في جبل زغارو بريف اللاذقية الشمالي حدثت جراء انفجار لغم من مخلفات المعارضة بآلية دون أن يحدد نوعها.
وأدى استمرار الحرائق وعدم السيطرة عليها إلى انتقادات كبيرة من قبل السكان المحليين في مناطق الساحل السوري الذي يعتبر خزان قوات النظام البشري وحاضنته الأساسية. الأمر الذي دفع إلى استنفار مؤسسات النظام على كافة المستويات، حيث أشرف وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا ومحافظ اللاذقية المهندس عامر هلال ورئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في المحافظة وقائد الفيلق الرابع اللواء بركات بركات، إضافة إلى وزير الإدارة المحلية والبيئة المهندس حسين مخلوف، كما شارك مدير الزراعة في اللاذقية المهندس باسم دوبا في عمليات الإطفاء.
وأكد وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا، توفير كل المستلزمات والتجهيزات والآليات لدعم الكوادر التي تعمل بأقصى طاقتها للسيطرة على الحرائق، لافتاً إلى جملة من العوامل التي تسببت بتفاقم الوضع، وأبرزها شدة الرياح وكثافة الغطاء النباتي.
وبَين مدير زراعة اللاذقية المهندس باسم دوبا أن عمليات إخماد الحرائق في هذه المنطقة تعتبر من الأصعب، حيث تعد غابات منطقة جبال الباير عالية الكثافة. وبعد إعلانه تطويق النيران، عاد ونوه إلى تجدد اشتعالها مرة أخرى بسبب سرعة الرياح حيث امتدت إلى أماكن جديدة. وشاركت الطائرات المروحية الروسية المتمركزة بمطار حميميم العسكري قرب مدينة القرداحة بإخماد الحرائق عبر نقل المياه من البحر الأبيض المتوسط والسدود القريبة.
كما شارك عناصر قوات النظام المنتشرين في جبال اللاذقية بإطفاء الحرائق، ودفعت أغلب المحافظات السورية الوسطى والشمالية بالآليات وفرق من الدفاع المدني وأفواج الإطفاء والزراعة، كما أرسلت أفرع الإنشاءات العسكرية وباقي المؤسسات المعدات الهندسية الثقيلة للمساعدة في فتح الطرق. وساهمت فرق منظومة الإسعاف والهلال الأحمر العربي السوري بإخلاء بعض المدنيين بعد اقتراب الحرائق من منازلهم وقالت بعض الجمعيات الأهلية أنها تنسق مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل لتقديم المياه والطعام واللوجستيات لرجال الإطفاء الذين يواصلون عملهم لليوم الرابع على التوالي.
وحول استجابة مؤسسات النظام خلال هذا العام والأعوام السابقة لإطفاء الحرائق قال الصحافي المتخصص بقضايا البيئة، زاهر هاشم إنها «دون المطلوب ولم تتمكن من التعامل بشكل سريع مع الحرائق وذلك لغياب المعدات المتطورة المخصصة للإطفاء» ونوه إلى ان الصور أظهرت محاولات إطفاء بطرق «بدائية مثل المعاول وأدوات الحفر اليدوية» وعن الإطفاء الجوي اعتبر أنه يتم بواسطة «عدد قليل من المروحيات القتالية غير المجهزة لإطفاء الحرائق سوى ببعض الخزانات صغيرة الحجم التي لا يمكن أن تتعامل مع حرائق كبيرة الحجم».
وأكد أن «وعورة الطرق وعدم وجود نقاط مراقبة وإنذار في تفاقم الحرائق عدا عن ضعف الحوكمة والترهل الإداري والفساد الذي تعاني منه مؤسسات النظام يؤثر بشكل كبير على أية استجابة طارئة للحرائق».
وفي شرح أسباب تكرر حوادث الحرائق أضاف هاشم في اتصال مع «القدس العربي» أن العامل البشري من العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى حرائق الغابات في كثير من الأحيان «خصوصا مع ارتفاع درجة الحرارة وجفاف الأوراق والتربة والأعشاب، يمكن أن يؤدي أي خطأ بشري أو إهمال خصوصاً في فترات الاصطياف إلى إيقاد الشرارة الأولى التي يمكن أن تتحول إلى نيران تفتك بمساحات واسعة من الغابات».
وإضافة إلى الخطأ والإهمال هناك تعمد في كثير من حالات حرائق الغابات، وهي «تحدث بشكل متكرر في غابات اللاذقية وذلك لأسباب تجارية مثل تحويل مساحات واسعة منها إلى مناطق صناعية وتجارية، وكذلك بقصد التفحيم أي تحويلها إلى فحم وبيعه. كما يمكن أن تلعب العمليات العسكرية التي شهدتها المنطقة دوراً كبيراً في إشعال عدد من الحرائق».
وتعتبر المنطقة التي نشبت فيها الحرائق شبه خالية من السكان بسبب الأعمال القتالية بين فصائل المعارضة والنظام منذ 2012 وتبادل السيطرة في عدة مرات بين الطرفين.
وامتدت سحب الدخان الأسود إلى محافظتي إدلب وحماة حيث غطت منطقتي سهل الغاب وسهل الروج. وتحسبا لانتقال النيران إلى مناطق سيطرة المعارضة نشر الدفاع المدني «الخوذ البيضاء» نقاطا متقدمة تضمنت فرق إطفاء الحرائق وإسعاف ومعدات هندسية.
واندلعت ثمانية حرائق في شمال إدلب وجوارها، يوم الثلاثاء، خمسة منها في الأراضي والحقول في مدن وبلدات أريحا وجنة القرى والجميلية والحمامة في ريف إدلب ومدينة دارة عزة في ريف حلب الغربي، إضافة إلى حريقين حراجيين أحدهما في حرش بلدة بسنقول جنوبي إدلب والآخر في أحراش بمحيط قرية الدرية، وحريق في مكب للنفايات في ريف إدلب الغربي، حسب ما أفاد الدفاع المدني.
ومع ارتفاع درجات الحرارة مجددا يوم الخميس، اشتعلت نيران في المنطقة الحراجية في تل عثمان بريف دركوش غرب إدلب. واستمر الدفاع المدني قرابة عشر ساعات من العمل المتواصل حتى تمكن من السيطرة على الحريق وتبريد القطاع المحترق خشية أن يقوم الهواء بإعادة اشعال الأشجار المحترقة مرة أخرى.
وحول واقع الغطاء النباتي في سوريا قال منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني السوري للشؤون الإنسانية في تصريح لـ «القدس العربي» إن سوريا بدأت «تتأثر بشكل كبير بموجات الجفاف في عام 2008 وأدى ذلك لاستنفاد كبير للغطاء النباتي وللموارد الطبيعية في الأحراج والغابات بعدد من المناطق وتبع ذلك موجات نزوح نحو المدن الكبرى».
وأوضح أن حرب النظام السوري وروسيا «انعكس على الغطاء النباتي مثل باقي أشكال الحياة. وأدى القصف الممنهج والعمليات العسكرية إلى ضغط وكثافة سكانية أثرت بدورها على الغطاء النباتي، وتسببت الحرائق والقطع الجائر وعدم وجود آلية لتعويض النقص الحاصل في الغطاء النباتي بشكل كبير في تسريع التآكل والانهيار».
ووصف تعويض الغابات بالأمر «الصعب» الذي يحتاج إلى «جهد كبير وتضافر مجتمعي حقيقي، فالحفاظ على الغطاء النباتي مسؤولية مجتمعية تشمل الجميع دون استثناء».
وعن أسباب تلك الحرائق لفت المسؤول إلى أن موجة الحر ساهمت بتشكل «وسط حراري أدى لجفاف الأعشاب في قاع الغابات والأحراش، وبالتالي أي شرارة بسيطة تؤدي لاشتعال سريع للأعشاب، وانتقالها للأشجار، ويمكن أن يكون لقطع الزجاج والعبوات الزجاجية المرمية دور في التسبب بالحرائق، وفرقنا تحاول التوعية من ذلك بشكل دائم».
وفي سياق منفصل، عبر الدفاع المدني في مرات عديدة عن جهوزيته للمشاركة في إخماد الحرائق سواء في مناطق سيطرة النظام أو في منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية «قسد».
وحول المساعدة العابرة للمناطق قال نائب مدير الدفاع المدني إن «مؤسسته لديها قيم ومبادئ تؤمن بها وهذه القيم لا تتغير مع الزمن والمكان، وأي مكان يحتاج المساعدة ويمكننا الوصول إليها -مع ضمان سلامة متطوعينا – يجب أن نساعد فيه، وسبق وأبدينا استعدادنا للمشاركة في إخماد الحرائق بكافة الجغرافية السورية وهذا ما نعتبره واجبا تجاه وطننا».
ورأى مصطفى أن الآثار الناتجة عن الحرائق والكوارث «لا تقتصر على منطقة بعينها، وقد تمتد لمناطق أوسع مهددة تجمعات المدنيين، وقد تتبعها كوارث بيئية على مستوى سوريا، فما خلفته الحرائق حتى الآن من أضرار يحتاج لسنوات طويلة للتعافي منه».
وعن إحصائية خسارة محافظة اللاذقية للغطاء الشجري، يشير مرصد الغابات العالمي إلى أنه ومنذ عام 2001 إلى 2022 فقدت اللاذقية 14.2 ألف هكتار من الغطاء الشجري، أي ما يعادل انخفاضا بنسبة 26 في المئة من الغطاء الشجري فيها.
وحسب هاشم كان الغطاء الشجري عام 2010 في محافظ اللاذقية يشكل أكثر من 25 في المئة من مساحة أراضيها، ما يعني فقدان نحو ربع المساحات الحراجية خلال حرائق الغابات في الأعوام الأخيرة. وتحتاج الغابات إلى عقود للتعافي التام وهو ما يؤكده هاشم حيث يتعلق إعادة تشكل الغابات بعوامل عديدة مثل «الاختلافات الوراثية بين أنواع الأشجار، والظروف المحيطة بها وكثافة التشجير». وهناك بعض الأشجار التي قد تحتاج إلى أكثر من 70 عاماً لتصل إلى فترة القطع، لكن حتى مع بعض الأنواع سريعة النمو ومتوسطة النمو فإن مدة التعافي لا تقل عن 10 إلى 25 عاماً.
ويرفع التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة من احتمالية خسارة الغطاء الشجري في سوريا، وهو ما يرتب على الإدارات المحلية في شمال شرق وشمال غرب سوريا دق ناقوس الخطر من أجل تعويض الغطاء الشجري، فخسارته ستساهم بتسريع عمليات التصحر التي تتقدم باتجاه الداخل وصولا إلى المنطقة الخضراء غرب البلاد.
المصدر: القدس العربي