“ترحيلي من تركيا كان قسرياً وتحت الضغط والترهيب”، بحسب ما يفيد الشاب السوري عبد الرحمن العيسى “العربي الجديد”، علماً أنّ السلطات التركية كانت قد رحّلته قبل أيام عدّة إلى منطقة تل أبيض بمحافظة الرقة شمال شرقي سورية، مع عشرات السوريين الآخرين. ويأتي ذلك في سياق حملة ترحيل كبرى بدأتها أنقرة مستهدفة الأجانب الذين دخلوا البلاد بطرق غير قانونية بحسب ما تشير، غير أنّ الوقائع تُبيّن أنّ الحملة طاولت لاجئين سوريين يحملون بطاقة الحماية المؤقتة (كملك).
ويخبر العيسى أنّه “بعد صعودنا إلى حافلة الترحيل في محافظة هاتاي (جنوب)، وُجّهت إلينا إهانات وضُربنا بالهراوات وتعرّضنا للدوس من قبل عناصر الجندرما (قوات الدرك)”. يضيف أنّ السلطات التركية “رفضت ترحيلنا من المعابر التي نريدها، بل فعلت ذلك من معبر تل أبيض البعيد عن قرانا في الشمال السوري”، مشدّداً على أنّ “أحداً لم يعد طوعاً بحسب ما تزعم السلطات التركية”.
والعيسى الذي يتحدّر من بلدة الهبيط في ريف إدلب، شمال غربي سورية، ترك وراءه في جنوب تركيا زوجته وابنه، وهو يعاني من مرض في القلب، وكان من المقرّر أن يخضع لعملية قلب مفتوح في أحد المستشفيات التركية، إلا أنّ الترحيل يحرمه من الرعاية الصحية اللازمة.
وبحسب ما تفيد أرقام غير رسمية، رحّلت السلطات التركية آلاف السوريين في الأشهر القليلة الماضية، بحسب ما يشير متابعون لهذا الملف لـ”العربي الجديد”. ويبيّن هؤلاء أنّ نحو 966 لاجئاً رُحّلوا في مايو/ أيار ونحو 1538 في يونيو/ حزيران وأكثر من 700 في منذ بداية يوليو/ تموز الجاري.
بدوره، يقول الشاب السوري هشام العلي الذي يعمل منذ عامَين في إحدى الورش بمدينة إسطنبول، لـ”العربي الجديد”، إنّه “لم يعد في استطاعتنا الخروج إلى الشارع، فالخوف من الترحيل يسيطر علينا”. يضيف: “لديّ بطاقة حماية مؤقتة من ولاية غازي عنتاب، غير أنّني جئت إلى إسطنبول للعمل. أعلم أنّني مخالف، لكنّ الظروف أجبرتني على التوجّه إلى هنا”.
ويتابع العلي أنّه “منذ بداية الشهر الجاري، لم أخرج إلى العمل. فالدوريات الأمنية تجوب شوارع إسطنبول، وأخشى ترحيلي إلى سورية”، متسائلاً بمرارة “ما الذي في إمكاني القيام به في سورية؟ فلا فرص عمل ولا أمان هناك، وعائلتي تعتمد عليّ في توفير المصروف”. لكنّه يشير إلى أنّه يفكّر في العودة إلى غازي عنتاب، علماً أنّه يخشى من الدوريات على الطريق، في حين أنّ “فرص العمل قليلة في غازي عنتاب في حين أنّ الغلاء فاحش. أمّا هنا في إسطنبول، فكان دخلي يكفيني ويكفي عائلتي في شمال سورية”.
ويتحدّث العلي عن أصدقاء له قرّروا التوجّه إلى أوروبا “على الرغم من مخاطر الطريق”، لافتاً إلى أنّ “العملية مكلفة، إذ تحتاج إلى نحو خمسة آلاف دولار أميركي، عن طريق البرّ، وأنا لا أملك هذا المبلغ”. ويكمل: “لديّ قطعة أرض في سورية، سوف أبيعها لكي أوفّر هذا المبلغ. فأنا لن أبقى في هذا البلد الذي لا أشعر فيه بالأمان على الإطلاق”.
في هذا السياق، تعلن الحكومة التركية أنّ الحملة تستهدف الأجانب الذين دخلوا إلى البلاد بطرق غير قانونية ويقيمون ويعملون فيها من دون تصاريح رسمية. أمّا ما يُسجَّل على أرض الواقع فيُبيّن أنّها شملت سوريين يستفيدون من الحماية المؤقتة، لكنّ الظروف المعيشية أجبرتهم على التوجّه إلى ولايات تركية غير التي استحصلوا فيها على بطاقة “كملك”، وهو أمر مخالف للقوانين التركية.
وكان وزير الداخلية التركي السابق سليمان صويلو قد أفاد، في العام الماضي، بأنّ نحو 3.7 ملايين سوري يعيشون في تركيا تحت بند الحماية الدولية، وأنّ أكثر من 700 ألف طفل سوري وُلدوا في البلاد.
وتُعَدّ إسطنبول المدينة التي يعيش فيها أكبر عدد من اللاجئين، مع أكثر من 530 ألف لاجئ سوري، تليها غازي عنتاب، إذ يتمركز فيها نحو 452 ألفاً، بحسب بيانات إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية. كذلك يعيش السوريون بأعداد كبيرة في مدينة شانلي أورفة (بولاية أورفة) وريفها وفي ولاية هاتاي وبأعداد أقلّ في ولايات مرسين وبورصة وإزمير وأنقرة.
ويقول المحامي والناشط الحقوقي عبد الناصر حوشان، لـ”العربي الجديد”، إنّ “ترحيل السوريين من تركيا لم يتوقّف، وله أسباب ودوافع عدّة”. ويشرح أنّ “ثمّة من يُرحَّل لأنّه يمثّل خطراً على الأمن القومي والنظام العام، وهذا الأمر تقرّره أجهزة الأمن. وثمّة من يُرحَّل لأنّه محكوم قضائياً، بعد استنفاد سبل الطعن. كذلك يُرحَّل الأشخاص الذين انتهت مدّة إقاماتهم الإنسانية أو السياحية، والذين لا يستفيدون من الحماية المؤقتة وأُلقي القبض عليهم من قبل دوريات أمنية في الشوارع”.
ويتحدّث حوشان عن “فئة أخرى تشمل الأشخاص الذين يحملون بطاقة الحماية المؤقتة لكنّهم خالفوا شرطَي الحصول على إذن سفر أو إذن عمل، ويُضبطون في خلال حملات مكافحة الهجرة غير النظامية”. ويتابع أنّه “في الأصل، لا يجوز ترحيل أيّ شخص تحت الحماية المؤقتة إلا في حالات محدّدة؛ في حال أتى بفعل يُعَدّ تهديداً للأمن القومي أو في حال ارتكب جرماً إمّا مخالفاً للنظام العام وإمّا للآداب العامة وإمّا للأخلاق العامة وإمّا للسلامة العامة”. ويؤكد أنّه “في مثل هذه الأحوال، يجوز الترحيل شريطة ألا يكون إلى مكان يمثّل تهديداً على حياة المرحَّل أو حريته، وفقاً لاتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين”.
المصدر: العربي الجديد