لم تنته حملة اعتقال عملاء وجواسيس تابعين لروسيا والولايات المتحدة داخل هيئة تحرير الشام، التي كشف عنها موقع تلفزيون سوريا قبل أسبوعين، بل توسعت بعد التحقيقات المكثفة لتشمل قياديين في مناصب حساسة، وارتفعت أعداد المقبوض عليهم إلى أكثر من 300 عنصر وقيادي في المفاصل العسكرية والإدارية والإعلامية داخل الهيئة و”حكومة الإنقاذ”، بتهمة العمالة للنظام السوري وروسيا ووكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA.
وقالت مصادر أمنية وعسكرية لموقع تلفزيون سوريا قبل أسبوعين إن هيئة تحرير الشام اعتقلت الإداري العام لـ “لواء علي بن أبي طالب” في الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام، إلى جانب المسؤول الأمني عن الكتلة الشرقية في المنطقة الوسطى، و”أمير الهيئة” في تفتناز سابقاً، وأحد مساعدي مسؤول المعابر في الهيئة، ومشرف قناة “إدلب بوست” العاملة ضمن الإعلام الرديف للهيئة.
وبدأت “تحرير الشام” حملة الاعتقالات بعد حصولها من طرف استخباري خارجي على معلومات وقائمة أسماء لقياديين في “جهاز الأمن العام” متورّطين بـ”التعامل والتخابر لصالح التحالف الدولي”، وأدت الحملة والتحقيقات الداخلية إلى اكتشاف خلية أخرى تعمل لصالح روسيا ونظام الأسد.
وأعلن جهاز الأمن العام في الـ 24 من حزيران الفائت اعتقال خلية تتبع لميليشيات “حزب الله” كانت تنشط في مناطق سيطرة المعارضة.
كل ذاتيات “تحرير الشام” باتت لدى الـ CIA.. اعتقال قياديين بتهمة العمالة
وكشفت مصادر متقاطعة لموقع تلفزيون سوريا أن حملة الاعتقالات طالت قياديين في مواقع حساسة، ما دفع قائد الهيئة “أبو محمد الجولاني” لتشكيل غرفة عمليات مصغرة لتدارك الاختراق الكبير الحاصل في داخل صفوف الهيئة.
ومن بين القياديين المعتقلين مؤخراً: مسؤول الموارد البشرية في الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام والذي قدم نسخاً كاملة عن سجلات العسكريين في الهيئة مع صور بطاقاتهم العسكرية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA، وكذلك اعتقلت الهيئة مسؤول الدراسات الأمنية عن منطقتي سرمدا والوسطى، إلى جانب المسؤول عن كاميرات المراقبة وخطوط الإنترنت في خطوط التماس مع قوات النظام، والذي قدّم معلومات كاملة للنظام السوري وروسيا عن نقاط الحراسة في خطوط التماس.
ومن بين القياديين المعتقلين، مسؤول التنسيق في الإعلام العسكري للهيئة، ومسؤول القطاع الأوسط سابقاً في هيئة تحرير الشام، (عمل كقيادي في منطقة القلمون سابقاً)، وأحد العاملين في مكتب رئيس حكومة الإنقاذ.
أيضاً عمليات الاعتقال طالت شخصيات عسكرية ميدانية كانت مشرفة على ما سمي مقتلة فصائل المعارضة على محور ميزناز في شباط 2020 والتي راح ضحيتها أكثر من 20 مقاتلاً من فصائل المعارضة وتدمير عدة آليات، حينئذ حاولت فصائل المعارضة استرجاع البلدة من قوات النظام، لتقع القوة المهاجمة في كمين معد سابقاً من قبل قوات النظام.
ويوضح موقع تلفزيون سوريا أن هذه المعلومات يتم نشرها بعد التحقق منها على مدار أيام بمقاطعة ما كشفته المصادر الأمنية والعسكرية الموثوقة مع المصادر المحلية من أقارب المعتقلين أو أصدقائهم، وأن موقع تلفزيون سوريا لم يحصل على أدلة تثبت عمالة هؤلاء العناصر والقيادات لأي جهة كانت ولذلك تحفظ على ذكر أسمائهم في الوقت الحالي، وإنما يؤكد موقع تلفزيون سوريا أن ما حصل فعلاً هو اعتقال هؤلاء الأشخاص من قبل هيئة تحرير الشام بهذه التهمة.
وأشارت المصادر الأمنية في حديثها لموقع تلفزيون سوريا أن هيئة تحرير الشام ونتيجة الاختراق الكبير والخلل الحاصل تعتقل كل من يرد اسمه في التحقيقات، ولفتت إلى أن 28 من المعتقلين ينحدرون من قرية واحدة وهي تل حديا في ريف حلب الجنوبي.
خلايا العملاء لم تقتصر على العسكريين والعاملين في صفوف هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ، أيضاً تحدثت مصادر تلفزيون سوريا عن ضلوع عدد من المدنيين في العمل مع الخلايا، من بينهم صاحب محل صرافة (يعمل في منطقة معرتمصرين والشيخ بحر) كان يسلم الحوالات المالية للعملاء كلٌّ على حدة، وشكل اكتشاف أمره واعتقاله نقطة جوهرية في كشف العشرات من أفراد الخلايا غير المتصلة بعضها ببعض، والتي كانت تعمل كل واحدة منها على حدة، من دون دراية بوجود خلايا أخرى لنفس الجهة.
أيضاً ألقي القبض على صاحب محل للجوالات، وعدد من أصحاب السوبرماركت والبقالة، في عدة مناطق كانوا ضمن صفوف خلايا العملاء.
غرفة عمليات مصغرة لإدارة الأزمة
مصادر موقع تلفزيون سوريا أفادت بأن أبا محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام شكّل ما يشبه خلية إدارة للأزمة أو غرفة عمليات مصغرة، تضم إلى جانبه كلاً من القياديين أبو أحمد حدود وأبو أحمد زكور والشرعي عبد الرحيم عطون، تتابع تطورات ملف خلايا العملاء أولا بأول، وعلى اتصال بالقوة المركزية التي شُكلت وأُتبعت بهذه الغرفة، ومُنحت صلاحيات كاملة لاعتقال أي فرد يذكر اسمه في التحقيقات مهما كان منصبه.
في حين لم توضح المصادر أسباب غياب أبو ماريا القحطاني عن المشاركة في غرفة العمليات المصغرة المشكلة من قبل الجولاني، وهو ما يخلق كثيرا من التساؤلات عن أسباب غياب القحطاني عن هذه الغرفة وعن مهمة كهذه، خاصة أن القحطاني هو الرجل الأمني الأول في الهيئة، ويمسك بعدة ملفات ذات صلة بالقضية، من أبرزها ملفات العمالة للنظام وروسيا والتحالف وتنظيم داعش.
كما أفادت المصادر باتخاذ هيئة تحرير الشام العديد من الإجراءات الأمنية كاستبدال طاقم معبر أطمة – دير البلوط بالكامل، وهو أحد المعبرين اللذين يربطان إدلب بعفرين، بالإضافة إلى إجراء تغييرات في العديد من الحواجز، وإلزام عناصر الحواجز بوضع اللثام، وتكثيف الحواجز الأمنية الطيارة خاصة خلال الليل.
محاولة لتضليل الشارع المحلي
مصادر أخرى أكدت لموقع تلفزيون سوريا عزم هيئة تحرير الشام نشر توضيح، ومن بعده نشر إصدار مرئي حول إلقاء جهاز الأمن العام التابع لها القبض على خلية العملاء، لكن المصادر قالت بأن الهيئة تهدف من ذلك لتضليل الرأي العام الداخلي، وتخفيف تداول الروايات حول خلايا العملاء في صفوفها، حيث تعتزم نشر اعترافات لأفراد مدنيين ضالعين في العمالة وعملوا مع الخلايا، من دون التطرق إلى العسكريين في الهيئة والعاملين في حكومة الإنقاذ، وحصر الخلية إعلامياً في المدنيين فقط، ومحاولة الظهور بمظهر الطرف القوي الذي وجه صفعة للروس عبر إلقاء القبض على عملائهم.
وتوقعت المصادر أن ينتشر التوضيح خلال ثلاثة أيام كحد أقصى، بسبب انتهاء أعمال تصوير اعترافات أفراد الخلية من المدنيين.
من جانب آخر يبدو أن الولاءات المناطقية والتبعية للأمراء داخل الهيئة ما زالت قائمة رغم كل مساعي الجولاني السابقة لتفكيكها، حيث هاجمت في 21 من الشهر الماضي قوة عسكرية تابعة لهيئة تحرير الشام أحد السجون التي تحوي معتقلين بتهمة العمالة قرب مدينة إدلب، ودارت اشتباكات خفيفة بين القوة المهاجمة وحرس السجن قبل أن تتدخل قيادة الهيئة لاحتواء القوة المهاجمة وصرفها عن السجن، مقابل وعود بالإفراج عن القيادي المعتقل والذي تحركت لأجله هذه القوة ضد الهيئة ذاتها، في حين لم يحصل موقع تلفزيون سوريا على تفاصيل إضافية تحدد التبعية المباشرة لتلك القوة ولأجل مَن تحركت، لكن تلك الخطوة وعلى رغم محدوديتها واعتبارها بمنزلة “حمية” أو “فورة دم”، لكنها تمثل بادرة لحدوث صدامات داخلية ضمن الهيئة بحسب العديد من المراقبين.
في المحصلة اعتبرت المصادر أن قضية خلايا العملاء في صفوف الهيئة أوشكت على نهايتها بعد قرابة الشهرين من المداهمات والاعتقالات السرية، وعلى الرغم من نجاح العملية الأمنية الموسعة فإن أبا محمد الجولاني ما زال ساخطاً حتى على أفراد الدائرة الضيقة من حوله، وفاقداً للثقة بالجميع، وبحسب المصادر فإن الجولاني يعتزم القيام بخطوات عديدة بنفسه، تشمل تغييرات كبيرة في المناصب الإدارية والعسكرية في الهيئة، كما أنه مدرك لحجم العمل الذي ينتظره لإعادة بناء هيكلية جديدة للتنظيم، بعيدة عن تلك المخترقة من قبل عدة أطراف.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا