برقيات سرية بين سورية وإسرائيل… ما علاقة السادات؟

أمال شحادة 

تل أبيب اشترطت التطبيع بين البلدين فور الانسحاب من الجولان. مع رفع السرية عن الأرشيف السياسي – العسكري لإسرائيل، خلال فترة رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين، أوائل التسعينيات، أزيح الستار عن مئات البرقيات بين تل أبيب ودمشق وعواصم عربية أخرى.

أرشيف إسرائيلي أدرج تحت عنوان “سري – مكتب رئيس الحكومة إسحق رابين – عملية السلام”، ويضم 637 برقية سرية تسلمها رابين ووزير خارجيته وقتها شمعون بيريز من رئيس فريق التفاوض الإسرائيلي مع سوريا ودول عربية أخرى، البروفيسور إيتمار رابينوفتش.

لكن تظل أبرز تلك البرقيات، خلال العامين 1992 و1993، حين جرت مفاوضات سورية – إسرائيلية مكثفة في واشنطن، وخلال لقاءات عدة عقدت بين الوفدين أصرت إسرائيل في معظمها على تنفيذ شرطها التطبيع مع سوريا مقابل الانسحاب من الجولان، لكن الطرف السوري كان يرفض التوقيع على التزام بهذا الشرط، بل إن إحدى البرقيات التي دونها رابينوفتش أبرزت طلب الرئيس السوري حافظ الأسد (آنذاك) التعامل معه كما تم التعامل مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، عند توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.

موقع “واي- نت” الإخباري نقل عن البروفيسور رابينوفتش قوله “إن السوريين وطوال فترة المفاوضات كانوا يصرون على جملة (حقنا في العيش بسلام لا يعني إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين)، وعندما أبلغناهم أن الرئيسين الأميركيين الأسبقين جورج بوش وبيل كلينتون تحدثا لصالح التطبيع، رد وفد دمشق بالقول إنه لم يكن يتفاوض مع واشنطن، وأن رسالة التأكيد التي تلقوها تحدثت عن أشياء كثيرة، بما في ذلك (الأرض مقابل السلام)”.

ما بعد الحرب

الفترة التي تتطرق إليها البرقيات السرية كانت فترة “ما بعد الحرب الباردة”، وبحسب رابينوفتش، فقد كانت مفاوضات صعبة تدور خلال فترة كان عدم الثقة بين الطرفين واضحاً للغاية. واعتبر رابينوفتش في تطرقه للبرقيات أن السوريين “كانوا الأكثر عناداً في المفاوضات، والأصعب في تذليل العقبات خلالها، وعلى رغم أن المحادثات جرت في جو لطيف إلا أن أي طرف لم يوافق على شروط الطرف الآخر”.

رئيس فريق التفاوض الإسرائيلي مع سوريا وقتها وصف جانباً من الحوار الذي جرى في ظل حكومة إسحق شامير (1990)، بأنها “الأكثر صعوبة” إذ رفض الوفد السوري مصافحة نظيره الإسرائيلي.

ووفق البرقيات “أصر السوريون على التزام واضح بانسحاب إسرائيلي كامل من مرتفعات الجولان، ورفضوا بشدة تحديد كيف سيبدو السلام”.

وكتب رابينوفتش في إحدى البرقيات التي بعث بها إلى رابين “لم نتوصل إلى اتفاق بعد أن أصبح واضحاً لنا أن نية السوريين كانت صياغة جدولين زمنيين. واحد للتنفيذ المتزامن للانسحاب وإلغاء حالة الحرب ومسألة الاعتراف. والثاني يتعلق بجوهر السلام وفقاً للوثيقة المعدلة التي قدمناها”. وأوضح أن هذا الأمر تم طرحه مع موقف سوري واضح بأن عملية التطبيع ستنفذ في جدول زمني متأخر ومستقل عن الجدول الأول.

وأضاف أن موقف الوفد الإسرائيلي كان واضحاً أن نية فصل بنود التطبيع عن بقية البنود تشير بوضوح إلى الفجوة بين الجانبين، “وتبرر ادعاءنا بأن هناك عدم تناسق بين المطلب السوري بالانسحاب الكامل، ورغبتنا في سلام كامل، وهو أمر غير واضح كما أن تنفيذه مبهم”.

صيغة لانهيار السلام

في برقية أخرى تنقل إلى رابين موقف سوريا من المخطط المطروح من قبل تل أبيب على دمشق في ما يتعلق باتفاق السلام، فقد جاء الرد “أن المخطط الإسرائيلي هو صيغة لانهيار عملية السلام، لأنه ينطوي على انسحاب تدريجي لن يأتي إلا بعد وضع ترتيبات أمنية على الأرض”.

وفي تلك الجلسة المدونة طالب السوريون باتفاق ينص على الانسحاب الكامل إلى خطوط عام 1967 وإخلاء المستوطنات ومنشآت الجيش الإسرائيلي. ويقول رابينوفتش إن هذا الطرح أدى إلى تطور نقاش حاد حول كيفية تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 242، وحسم السوريون بأنه لن تكون هناك سفارات عند الاتفاق فرد الإسرائيليون بأنه لن يكون هناك تفكيك للمستوطنات.

بعد اجتماع عقد يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) 1992، أبلغ رئيس وفد المفاوضات الإسرائيلي رابين وبيريز أن السوريين وافقوا على الاعتراف بـ”الأبعاد المتواضعة” لمفهومهم للسلام. وبحسب رابينوفتش فقد بذلوا جهداً آخر لابتزاز الموافقة على الانسحاب الكامل، بل وأثاروا مرة أخرى صيغة السؤال الافتراضي حول طريقة حل المشكلة، ملمحاً إلى أن موافقة إسرائيل على ذلك يمكن أن تكون بادرة لتغيير موقفهم من قضية جوهر السلام. وقال “حتى إن السوريين حاولوا جرنا إلى نقاش متجدد حول قضية الحدود، مما أدى إلى أجواء قاتمة قرب نهاية الاجتماع”.

في البرقية التي تتطرق إلى هذا الاجتماع أوضح السوريون أن “الوقائع على الأرض تشير إلى أن إسرائيل ليست معنية حقاً بالانسحاب من جميع الأراضي السورية المحتلة من قبلها، وطالما لم يتم تلبية مطلب دمشق، فلن يكون من الممكن وضع أسس لإقامة علاقات وثيقة بين البلدين”.

وأضاف رابينوفتش في البرقية التي دونها “على المدى القصير، تسعى إسرائيل إلى الحصول على التزام من سوريا في مجال السلام لكنها في الوقت نفسه لم تستجب للتحدي الذي فرضه عليها وزير الخارجية السوري (وقتها) فاروق الشرع، الذي قال إنه سيتم منح سلام كامل وشامل مقابل الانسحاب الكامل”.

خطوط 67

برقية أخرى يعود تاريخها إلى 15 ديسمبر 1992، حين كتب رابينوفتش إلى رابين “اليوم كانت هناك محادثات حاسمة مع الوفد السوري حول تصورهم لجوهر السلام. وفي نهاية النقاش، ازدادت حدة الاختلافات الجوهرية بين وجهة نظرهم ومطالبتنا بالسلام، فقد سألونا مراراً وتكراراً عما إذا كانت خطوط 67 هي الخطوط التي يجب الاتفاق عليها، لكننا لم نكن قد بلورنا موقفاً على هذا السؤال”.

وفي جانب إحدى البرقيات يكتب رئيس الوفد الإسرائيلي “أن السوريين دخلوا إلى المفاوضات لقناعتهم بأنه سيكون هناك تغيير بين سياسة حكومة إسحق شامير التي خسرت انتخابات مايو (أيار) 1992، وسياسة الحكومة برئاسة حزب العمل إسحق رابين”. ونقل تأكيد الوفد السوري “لن يكون هناك سلام طالما أن إسرائيل تسيطر على شبر واحد من أرض سوريا”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى