تسعى نحو صوت سياسي معارض يعتمد خطاباً عقلانياً بعيداً من الشعبوية والأيديولوجيات ومراقبون: ليس لديها مصباح سحري
من العاصمة البلجيكية بروكسل اتفقت شخصيات سياسية سورية من مشارب وتوجهات ومناطق متنوعة على وثيقة سياسية وصفتها بالتوافقية حملت عنوان “الطريق إلى الجمهورية الثالثة”، وتضمنت رؤية عامة بعد نقاش امتد على مدى يومين أفضى إلى تأسيس مجموعة رأي وعمل مفتوحة أطلقت على نفسها اسم “مسعى”.
وتسعى هذه المجموعة في أولى خطواتها نحو حوار صريح يبدو أقرب إلى تقييم الحراك السياسي المعارض وما أصابه من تجزئة وانهيار، ووفق بيان لها تتبلور لدى “مسعى” آليات عملها الملائمة وخطط العمل المرحلية، ومجموعة ضوابط ومحددات تنظيمية تسهل نشاطها بأفضل السبل، وتأمل المجموعة “في تقديم ما يفيد القضية السورية ويخدمها إلى جانب المجموعات السورية الأخرى المدنية والثقافية والسياسية”.
توحيد الجهود
رئيس الحزب الدستوري السوري (حدس) وأحد الشخصيات المؤسسة لمجموعة “مسعى” حسام ميرو يقول لـ”اندبندنت عربية” إن هذه المجموعة ولدت بعيداً من الإعلام منذ عام 2022 عبر لقاءات دورية مغلقة بهدف إنضاج حوار هادئ وعقلاني بين الشخصيات المشاركة والمحسوبة برؤيتها ونشاطها على الخط الوطني الديمقراطي السوري.
وأفصح ميرو عن توصل المجموعة إلى ثلاث أوراق سياسية، هي “مداخل فكرية وسياسية للحل السياسي” و”سوريا الممكنة” و”ضرورة وجود كتلة سياسية”، ويعتقد أن هذه الأوراق باتت تشكل مرجعية لعمل “مسعى” باتجاه أكثر تنظيماً، والانخراط في عمل مشترك.
وأردف “كما لا يخفى على أحد من السوريين مستوى الفوضى السياسية في المشهد المعارض وبروز الحاجة إلى العمل نحو إعادة بناء الحقل السياسي وتقديم خطاب وطني ديمقراطي بعيداً من السائد، خصوصاً في ظل التجاذبات السياسية من جهة، وتنامي خطاب الكراهية أو غياب التحليل السياسي العقلاني الذي يستند إلى أسس معرفية، من جهة أخرى”.
وينتقد أعضاء “مسعى” وشخصياتها الفكرية والسياسية ما حمله الخطاب السياسي المحلي من فوضى، وما رافقه من تقهقر تعيشه المعارضة السياسية التي ولدت بقوة منذ الحراك الشعبي عام 2011، لكن مع مرور الوقت انكفأت على حساب اندفاع المعارضة المسلحة واشتباكها بشكل مباشر وجهاً لوجه مع القوات النظامية لسنوات طويلة، بل ودخلت في تحالفات دولية من أبرزها تركيا التي ما زالت داعمة لها بالسلاح والعتاد عبر ما يسمى “الجيش الوطني” التابع للمعارضة السورية، بينما تحالفت السلطة مع روسيا وإيران.
يتفق عضو المكتب التنفيذي للمنظمة الآثورية الديمقراطية كرم دولي، أحد الشخصيات المؤسسة لمجموعة “مسعى”، مع ما تحدث به رئيس الحزب الدستوري. ويرى أن المشهد السوري، بما ينطوي عليه من اقتسام الجغرافيا، واحتلال أراض عبر قوات الأمر الواقع، مع تراجع الاقتصاد، وتهتك النسيج الاجتماعي، وبروز صراعات على خلفيات إثنية وقومية ودينية، يكاد يقوض الآمال بإيجاد نهاية لهذه المأساة.
ويجزم عضو المجموعة بإيمانها بقدرة الشارع على التغيير والاستفادة من دروس السنوات السابقة، وما رافقها من ممارسات وخطاب حرف الحراك الشعبي عن مساره الصحيح، مؤكداً أن “غياب مشروع سياسي يستند إلى قراءة موضوعية للتاريخ والواقع السوري وحاجاته كان من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ما نحن فيه اليوم”.
في الوقت ذاته يعتقد دولي أن أكثر الأهداف المرحلية لمجموعة “مسعى” هو العمل على إطلاق مشروع وطني للتغيير يستند إلى إرادة سياسية صلبة، ورؤية واضحة مخففة من الخطاب الأيديولوجي والشعبوي وتمتاز بالعقلانية السياسية، وخلق صوت سياسي سوري يتفاعل مع المفاهيم والإشكاليات ويطرح مقاربات تسعى إلى إيجاد توافقات سياسية، وأن يقترن بنشاطات ذات طابع جماهيري وإعلامي يتوخى استثمار طاقات سوريا وتوظيفها لمصلحة بناء الجمهورية الثالثة.
وأضاف “لم تتوقف محاولات السوريين لتوحيد الجهود في ظل فشل المعارضة، وبعد التطبيع العربي والاستدارة التركية وتعطل مسار العملية السياسية وفق القرار الدولي 2254، جاء إطلاق المجموعة للبحث في الممكنات والأولويات على صعيد النخب، ولإرسال رسالة إلى العالم بإطلاق مشروع يستقطب أوسع شريحة منهم”.
مراوحة في المكان
في غضون ذلك، تنظر الأوساط السياسية المحايدة في الشارع السوري إلى أية كتلة سياسة معارضة تتبنى العقلانية والحوار الهادف بكثير من التفاؤل، عكس الجمهور الموالي الذي يرفض الصوت المعارض خارج ما يوصف بـ”سقف الوطن”، على رغم أن معلومات تسري عن حديث عربي ودولي في شأن تسويات سياسية قادمة، وقبول الحكومة الانخراط بهذا الحوار مع كل الأطراف، ولا سيما المعارضة منها، بحسب مبدأ مفاوضات الخطوة بخطوة، وهو ما نتج منه عودة دمشق إلى مقعدها بالجامعة العربية وحضورها القمة العربية في 19 مايو (أيار) الماضي.
يرى عضو شبكة “راصد لحقوق الإنسان” الكردية جوان اليوسف أن من المبكر القول إن “مسعى” ستكون نقطة التقاء للنخب السورية، فهي ليست مجموعة سياسية مؤطرة، ولا فكرية مغلقة، وأمامها كثير من الوقت والمهام كي تخرج إلى الفضاء الرحب، وليس لديها مصباح سحري، على حد قوله.
ويضيف “على رغم ما أفرزته القضية السورية من أحداث ومتغيرات تستوجب إعادة النظر بكل مسار الحدث السوري، وبخاصة حوامله السياسية، وآليات التفكير، والعمل والموقف السياسي واشتقاقاته وضروراته وموجباته، فنحن الآن أمام مرحلة جديدة تحتاج إلى العقلانية السياسية بعيداً من العواطف والأيديولوجيات، وربما كان أحد أهم ملامح هذه المرحلة تراجع العمل العسكري وبداية التطبيع العربي مع السلطة، واستعادة السعودية دورها الإقليمي، إضافة إلى الاستدارة التركية نحو دمشق، وأحداث أخرى ليست أقل أهمية”.
ثمة اتفاق من قبل أعضاء “مسعى” على أنهم ليسوا الوحيدين في الصف المعارض ممن يمتلكون الرؤى نفسها عبر أطياف سياسية ترغب في خطاب يبتعد عن الفوضى، وهو ما يؤكده عضو المجموعة كرم دولي بالقول “خلال الـ12 عاماً الماضية لا يزال فضاء المعارضة يشهد تحركات مشابهة لتجميع الجهود أفراداً وقوى للوصول إلى توافقات وطنية يوضع على أساسها مشروع سياسي، ومجموعة (مسعى) ليست بمفردها أو هي الوحيدة، ولعل الثقة من قبل الشارع والنخب مرهون بقدرتها على الإنجاز واقتران القول بالفعل، وهو باعتقادي ما تنتظره شريحة واسعة من السوريين”.
وثيقة طريق
في المقابل، كشف رئيس الحزب السوري الدستوري (حدس) حسام ميرو عن صدور وثيقة “الطريق نحو الجمهورية الثالثة” خلال الأيام القليلة المقبلة، وتتضمن رؤية المجموعة السياسية لمستقبل الحكم في سوريا انطلاقاً من معطيات التاريخ السياسي السوري من جهة، ورؤية “مسعى” للمشكلات الرئيسة التي يجب معالجتها من جهة أخرى.
وقال ميرو إن ما ساد خلال السنوات الماضية من خطاب لا علاقة له بالمعطيات السياسية، فضلاً عن نبرته “الشعبوية”، أسهم في زيادة مستوى الكارثة السياسية، ويعتقد أن من ميزات مجموعة “مسعى” أنها “ستكون بعيدة من الخطاب الشعبوي، وفيها تلازم بين الإنتاج الفكري والخطوات السياسية العملية، انطلاقاً من قناعة لدى أفرادها بضرورة التراكم والاستمرار كعاملين ضروريين في نجاح التجربة”.
المصدر: اندبندنت عربية