النظام السوري .. وجريمة الطائفية تحت الضوء

أحمد العربي

ان ما حصل في سوريا وجعله منسوبا لأعمال طائفية وأقليات وتخويف من المتطرفين جعلنا أمام حرب أهلية طائفية ولسنا امام ثوره الحريه والكرامه والعداله والدولة الديمقراطية. هذا ما خطط له النظام المستبد المجرم من البداية.

 إن هذا الخلط المقصود بين الحقوق المهدورة للشعب السوري الذي ثار في ربيع ٢٠١١م مع البنى المذهبية والدينية في سوريا يراد من ورائه تبرير عنف النظام وكأنه في حالة دفاع عن الدولة الوطنية والمجتمع الأهلي. وأنه تمادى بذلك بحيث استدعى حلفائه الطائفيين (حزب الله وايران والعراق) للدفاع عن “الأقليات” من سيوف المتطرفين…إلى آخر الادعاءات

 .

ما هي قصة الطائفية في سوريا.؟

إن الشعب في سوريا بكل تنوعه ومنذ مئات السنين في حالة تعايش مجتمعي بين كل مكوناته مذهبيا و طائفيا ودينيا وأثنيا . كان الشعب بمجموعه على مسافة واحدة من حكامه سواء أيام العثمانيين والفرنسيين وقدم الشعب في المرحلتين نماذج وطنية تفكر بسوريا أو أوسع منها (العروبة، والاسلام) في تفكيرها أو حركتها للخروج من العهد العثماني والاستعمار الفرنسي نماذجهم (صالح العلي وسلطان الأطرش وإبراهيم هنانو وفارس الخوري…الخ).

هذا التعايش الحياتي يتأكد في الحياة المشتركة فلا توجد مدينة او منطقة او حتى قرية إلا وكان هذا التعايش متحققا فيها، المسيحي بجوار المسلم والعربي بجوار الكردي والشركسي.. الخ . ولم يكن هناك من مشاكل عائدة الى خلفية دينية او طائفية إلا ما ندر وكانت البنية المجتمعية تتعامل بخلفية أن (الدين المعاملة .والدين هو الأخلاق .وكل واحد على دينه الله يعينه…)وهذا ﻻ يعني انه لا يوجد احساس بالتمايز أو الامتياز الذاتي لكل باعتقاده أو أصوله العائلية أو القبلية .أو مناطقية أو أصوله الريفية أو المدينة ولكنه ﻻ ينعكس على التعامل الحياتي المحكوم بالمصالح والحقوق والعرف والأخلاق

بعد تحرر سوريا من الفرنسيين تحركت قوى مختلفة على الأرض تريد توجيه سوريا للمستقبل  رؤى وطنية وفوق وطنية “قومية” (البعثيين والناصريين الذين يرون سوريا جزء من الامة العربية . كذلك الإسلاميين مثل الاخوان المسلمين يرون سوريا جزء من الأمة الإسلامية والشيوعيين يرون سوريا جزء من الأممية العالمية ضد الرأسمالية)

عندما دخلت سوريا بأول تجربة وحدوية في العصر الحديث مع مصر .وعندما أُسقطت الوحدة أخذ كل الأطراف مشروعيتهم من وحدويتهم .وتساعد البعثيين والناصريين بشرعية شعبية كبيرة في “انقلاب” حركة آذار م١٩٦٣ من اجل اعادة الوحدة

 استفرد حزب البعث  بالسلطة منذ ذلك التاريخ  حيث اقصى الناصريين شركاؤه بحركة آذار ثم بدأ يدخل في عملية تصفيات داخلية حتى استقرت السلطة بيد الأسد الأب عام ١٩٧٠م

لم يكن يلفت النظر أن أغلب المنضوين في الاحزاب الوطنية (البعث والشيوعي والناصري ) من أصول ريفية أو اقلياتية فهذه الأحزاب تريد إعادة ترتيب المجتمع الخارج من عهد الاستعمار محققة درجة من العدالة ومتحركة الى الأفق ابعد من سوريا لم يكن غريبا ان يكون عفلق المسيحي الأب الروحي للبعث ولا بكداش الكردي الرمز الأكبر لشيوعيي سوريا…. لم يكن مستغربا ان يكون الاسد ومحمد عمران وصلاح جديد من العلويين في قيادة اللجنة العسكرية للبعث الحاكم الفعلي للدولة والمتحكمين بها. وظهر في هذه الفترة أن الصراع على الحكم كان للسيطرة على الدولة وفرض توجهات لطرف دون طرف على خلفية سياسية. لذلك اُقصي جناح عفلق من الحكم اولا وبعد ذلك أُبعد عمران او ابتعد واطيح بجديد واستوى الأمر للأسد في الحزب الذي أصبح أمينه العام ورئيس الدولة والجيش

منذ بداية حكم الأسد بدأ في تركيز حضوره السلطوي كعائله وامتداد لعصبته من الطائفة العلوية في كل مفاصل الجيش والأمن ظهر هذا بشكل جلي في التطوع بالجيش للأفراد والضباط و بأن نسبة المقبولين فيها أكثر من ثمانين بالمئة من العلويين وهذا منذ السبعينيات للآن لذلك كان أغلب الضباط العاملين في الجيش هم علويون ثم وبعد أزمة الإخوان والنظام قام بعملية تطويع كبيرة من الطائفة للجيش كأفراد في الجيش سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد ثم حرس جمهوري وفي الأمن. كانت هناك حركة تطييف للدولة (زرع الطائفة العلوية في كل مرافق الدولة) في المؤسسات الحكومية كافة وفي كل الوزارات بحيث تجد أن نسبة التوظيف للطائفة تتجاوز حصتها الوطنية بعدة اضعاف .كل ذلك مغطى بالقمع و الاتهام بالطائفية لمن يقترب من هذا الموضوع مع سيطرة شعارات السلطة القومية الاشتراكية وعداء اسرائيل ..الخ على الفضاء العام. وجعلت الدولة مزرعة لهؤلاء كلهم .الذي يسرق اكل الجنود والذي يستخدم آلياته والذي يرتشي وصولا لمن يشتري البلد كلها حيث ظهر قريب الاسد رامي مخلوف ومن وراءه مهيمنا على اقتصاد سوريا

 كل ذلك جعل المواطن البسيط المتضرر من الاستبداد ومن هذا التلبيس الطائفي للحقائق الواقع يدرك بأن النظام طائفي . مع ادراكنا ان كثير من الوطنيين من الطائفة العلوية ضحوا بحياتهم أو جلها بالمعتقلات ضد النظام وأن النظام قد صادر الطائفة بالمكاسب والفساد والإقصاء وتهميش المعارضين له وحول ابناءهم لمرتزقة يحموه بدمهم ووضعوا في مواجهة شعبهم المطالب بحقه بالحريه والكرامه والعداله والديمقراطيه.

أن الطائفية و منذ اكثر من اربعين عاما من صنع النظام وأن ردة الفعل الطائفية طبيعية (لكنها ليست صحيحه) ،انها الخبز المسموم الذي كان النظام يطعمه للشعب صباح مساء. أن أي ردة فعل طائفية من أي طرف مدانة ويجب ان تواجه لانها تخريب الوطن وضرب للمواطنة ومقدمة حرب أهلية كما عمل النظام المستبد المجرم عبر سنوات حربه على الشعب السوري وقبل الوقوع بفخ النظام وطائفيته والثورة السورية يجب ان تدرك ذلك وتتحرك على اساسه

ان الثورة السورية اليوم تعيد الاعتبار للبعد الوطني لحياتنا المجتمعية وتحررنا جميعا من كل النعرات (طائفية وعشائرية واثنية ومناطقية… الخ) التي كان يعتاش النظام عليها وعلى دمنا وعبر قمعنا .و إننا مدعوون جميعا لتأكيد أننا كلنا أبناء الشعب السوري ضحايا للاستبداد وخاصة أغلب العلويين من حيث أنهم سوط الاستبداد وقوته وان ذلك (وإن لم نسارع في تداركه) سيكون مقدمة احتراب اهلي كلنا ضحاياه

علينا كلنا إدراك حجم المسؤولية وتأكيد وطنية الثورة وأنها ضد الاستبداد وأنها من اجل الكرامة والحرية والعدالة والدولة الديمقراطية وأن على كل مكونات الشعب السوري تأكيد انحيازه للثورة ضد الاستبداد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى