أنجز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد إعادة انتخابه رئيساً وبشكل سريع عملية تشكيل فريق عمله الوزاري الجديد الذي سيشارك في تحمل المسؤوليات ويقود المرحلة القادمة في التعامل مع ملفات داخلية وخارجية كثيرة. لكنه أعاد قبل ذلك ترتيب شكل الجلوس أمام الطاولة الرئاسية الضيقة مع تغيير عدد المقاعد.
هاكان فيدان وإبراهيم كالن عن يمينه ويساره. بقية الأسماء البارزة مثل مولود جاويش أوغلو، وسليمان صويلو، وعمر شليك، ومصطفى شنطوب، وخلوصي أكار وبكير بوزداغ ذهبت إلى البرلمان أو المركز الرئيسي للحزب ريثما يقرر أردوغان موعد دخولها على الخط واستدعائها مجدداً من لوائح الانتظار.
تصريحات أردوغان وفيدان وكالن في الأسبوعين الأخيرين تذهب كلها باتجاه الاستعداد لهذه المرحلة التي ستشهد كثيراً من التغيير والتحول والمفاجآت في السياسات التركية. كانت هناك أولا عملية إزاحة للصقور والمتشددين وقيادات سنوات الطوارئ في العمل الحزبي والوزاري. ثم جاءت عملية التعيينات والتكليفات الجديدة لأسماء لم تكن متداولة من قبل بهذا الشكل الواسع في البيروقراطية والتكنوقراطية التركية.
الهدف في الداخل هو الإصلاحات الاقتصادية والمالية وسياسات تقشف ونظام ضرائب جديد دون إغضاب المواطن أو إقلاقه. لكن الهدف أيضا هو التحضير لمرحلة الانتخابات المحلية القادمة بعد 9 أشهر وكسب الصوت الكردي في المدن التركية الكبرى لاسترداد إسطنبول وأنقرة ومرسين وهاتاي من المعارضة. أما الهدف في الخارج فهو الإسراع في تسجيل اختراقات سياسية حيال ملفات تنتظر وعلى رأسها الملف السوري والعلاقة مع مصر ومصالح تركيا في شرق المتوسط وإفريقيا والقوقاز. الهدف هو مثلا إفهام واشنطن أن سياستها السورية لن تنجح رغما عن الطاولة الرباعية المشكلة في موسكو حتى ولو حاولت أن تلعب أوراق بعض العواصم التي ألانت من مواقفها وسياساتها حيال النظام وبدأت تغازله. وأن محاولات التوسعة الأطلسية والضغط على تركيا في مسألة عضوية السويد لن تمر دون الإصغاء إلى ما تقوله وتريده أنقرة.
لا خلاف على أن الحكومة التركية الجديدة ستكون نسخة معدلة وترجمة عملية مغايرة لما بدأ به أردوغان قبل عامين تحت شعار الانفتاح والتهدئة الإقليمية. قرار إزاحة أسماء بينها العديد من صقور السياسة الذين عايشوا أصعب الأزمات في الداخل والخارج ليست بالعملية السهلة بعد كل ما قدموه.
لكن شعار إرادة سياسية قوية وراء الفريق الرئاسي الجديد هو ما يكرره أردوغان في الأسابيع الأخيرة.
ضحى أردوغان بفريق عمل وزاري خدم إلى جانبه لسنوات طويلة، مقابل فتح الطريق أمام محمد شيمشك وجودت يلماز والاحتفاظ بفيدان وكالن إلى جانبه. لكن اللافت هو إبقاء الثنائي الأقرب لأردوغان في أكثر المناصب حساسية وأهمها. الخارجية لهاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات السابق، وإبراهيم كالن الذي نُقل من مهام المتحدث باسم الرئاسة والمشرف على فريق عمل رسم السياسات الأمنية والاستراتيجية، إلى رئاسة جهاز الاستخبارات التركية.
فيدان وكالن سيعدّان بصلاحيات واسعة واستثنائية خططا لرفع مستوى العلاقات مع الرياض وأبو ظبي والقاهرة، لكن ذلك لن يكون على حساب العلاقة مع الدوحة وطرابلس الغرب مثلا. كما أنه لن يعني تضحية أنقرة بسياستها الإفريقية والآسيوية لإرضاء القاهرة وموسكو أيضا. أين وكيف سيكون شكل سيناريو قمم (تركية مصرية) و(تركية سورية) و(تركية سعودية) و(تركية أميركية) ؟ وأي منها ضمن أولويات فيدان وكالن؟
دور ومهام جهاز الاستخبارات في تركيا كان دائما أهم من دور وزارتي الخارجية والداخلية. فلماذا قبل فيدان الذي خدم 13 عاما في هذا المكان الانتقال إلى مكتب الوزير في الخارجية؟ لأن أردوغان يضع كلا الرجلين على مسافة واحدة أمام طاولة اتخاذ القرار الثلاثية في الرئاسة التركية. وهذا ما ينطبق على الشاعر والملحن والرياضي والرومانسي إبراهيم كالن أيضا.
بين مهام الفريق الوزاري – الرئاسي الجديد حتما تصحيح مسارات سياسية كثيرة في الداخل والخارج. بنية النظام الرئاسي وطريقة عمل المؤسسات الدستورية قد تكون بين أهداف التحديث والتغيير أيضا. كما أن هناك حاجة لحسم موضوع قسد في شرق الفرات مع واشنطن على طريق التفاوض مع النظام في دمشق. وإسقاط ورقة عناصر حزب العمال في قنديل الذي يتسبب باستمرار التباعد والخلاف التركي العراقي.
يريد أردوغان توفير قوة دفع إضافية لما بدأ به قبل أشهر لناحية العودة لتصفير المشكلات في الداخل والخارج وأفضل من يساعده في ذلك هما فيدان وكالن بحكم خبرتهما وشبكة علاقاتهما الواسعة التي بنياها في الأعوام الأخيرة.
بالنسبة للتقارب التركي الروسي وعلاقات أنقرة مع الغرب. فأردوغان سيبحث عن فرص ووسائل جديدة لموازنة العلاقة بين الجانبين. فيدان وكالن أفضل من يقوم بذلك بحكم طريقة التخاطب والأسلوب المعتدل والهادىء في التفاوض والوصول إلى ما يريد أردوغان.
يعكس بيان مجلس الأمن القومي التركي الأخير الذي يتوقف عند “أهمية التعاون الدولي الذي من شأنه أن يسهم بالعودة الطوعية والآمنة والكريمة للسوريين الفارين من الاشتباكات”، أهداف ومضمون وطريقة عمل الفريق الرئاسي الجديد في تركيا، خصوصا عبارة “السوريين الفارين من الاشتباكات”. لكن البيان يعكس أيضا موقف تركيا في مواصلة ما بدأته خارج حدودها وهي عملية رد على طروحات التحالف الدولي الذي تقوده أميركا والذي يتحدث عن أهمية “الحلول الدائمة للسكان في شمال شرقي سوريا”، وعن “مواصلة دعم الاستقرار في المناطق المحررة من داعش”. وحيث تطالب أنقرة بسحب قواتها من سوريا والعراق. أنقرة تؤكد قبل ساعات على مستوى أهم مؤسسة أمنية وعسكرية وسياسية أن “العمليات ستتواصل ضد المجموعات الإرهابية التي تنشط هناك بكل عزيمة وإصرار ونجاح ضد جميع أنواع التهديدات والمخاطر الموجهة للوحدة والتكاتف الوطني “. يريد أردوغان من خلال فيدان وكالن تسجيل عملية اختراق سياسي واستراتيجي تحت شعار تعديل ومراجعة السياسات عبر فريق عمل تتبادل أطرافه المقاعد والأدوار لكنه في المحصلة سيخدم أهداف السياسة الخارجية الجديدة.
غادر فيدان جهاز الاستخبارات نحو مبنى الخارجية. كالن أيضا غادر الرئاسة والعمل مع الخارجية نحو مقر الاستخبارات التركية في أنقرة. لكن كليهما لن يقطع ارتباطه وتواصله مع عمله القديم وتمسكه بالمكان الذي أتى منه. أردوغان هو من يعرف ذلك أكثر من غيره وربما لهذا السبب اختارهما إلى جانبه أمام الطاولة الثلاثية الجديدة في الرئاسة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا