تحاول “هيئة التفاوض السورية” المعارضة، على ما يبدو، حل بعض خلافاتها التي عصفت بها، قبل أن تستأنف اجتماعاتها في جنيف السويسرية في 3 و4 يونيو/حزيران، بعد توقف دام حوالي ثلاثة أعوام.
وتدرك المعارضة السورية عموماً أنها في وضع لا تحسد عليه في ظل تقارب عربي وإقليمي مع النظام، وتجد نفسها، تتقدمها “هيئة التفاوض”، بحاجة إلى طي صفحات خلافاتها لمواجهة هذا الواقع بموقف موحد، قد يدفع المجتمع الدولي لإعادة النظر في القضية السورية.
وقال رئيس الهيئة بدر جاموس، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إن اجتماعات جنيف القادمة هي التئام لشمل الهيئة “فيزيائياً” بعد ثلاثة أعوام منذ آخر اجتماع، مضيفاً: “متفقين جميعاً على رمي الخلافات وراء ظهورنا، بهدف إظهار وحدة صفنا وموقفنا السياسي”.
وكشف أن “أجندة الاجتماعات، تهدف لمناقشة التغيرات الدولية والتغيرات التي طرأت حول الملف السوري، إضافة إلى مناقشة الأزمة الإنسانية التي تعصف بالشعب السوري، خاصة بعد كارثة الزلزال” مبيناً أن الغاية تتمثل في “إصدار بيان سياسي موحد يظهر موقفنا من كل التطورات السياسية التي تدور حول الشأن السوري”.
وأكد جاموس حضور ممثلين عن دول غربية وأوروبية وعربية، بالإضافة إلى ممثل الأمم المتحدة غير بيدرسون، والاتحاد الأوربي، وقال: “سنتناقش مع الجميع، بجانب اجتماعاتنا، بكل الظروف الدولية التي تحيط في القضية السورية، والتعبير أمامهم عن موقف واضح وموحد من تلك التطورات”.
وحول حضور ممثل أو ممثلين عن المملكة العربية السعودية في الاجتماعات، أشار رئيس هيئة التفاوض إلى أنهم لايزالون ينتظرون تأكيد بعض الدول للحضور، ومنها السعودية.
من جهته، قال مصدر من “هيئة التفاوض” فضل عدم الكشف عن اسمه، إن “الضغوط الإقليمية حالت دون انعقاد اجتماعات الهيئة التي كانت تعقد سابقاً في الرياض، مشيراً إلى أزمة لائحة المستقلين في الهيئة، وتمسك الرياض باللائحة مع معارضة “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” آنذاك، لذلك اقترح عقد الاجتماعات في مكان مستقل، مؤكداً أن اللائحة القديمة هي التي ستمثل المستقلين.
وكشف أنه بالإضافة لكون الهيئة تريد الظهور بموقف وجسم موحد بكافة أطيافها، فإن الهدف الآخر هو قطع الطريق على تعويم مجموعات من المجتمع المدني، تسعى لأخذ أدوار سياسية بمباركة المجتمع الدولي والأمم المتحدة، لا سيما أن اجتماع “هيئة التفاوض” في جنيف، يأتي قبل مؤتمر لبعض منظمات المجتمع المدني، ترعاه فرنسا، يحمل عنوان “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري”، والذي يحشد له رجل الأعمال السوري أيمن أصفري في باريس.
وتتكون الهيئة البالغ عدد أعضائها 36 عضواً، من ست كتل، لكل واحدة منها حجم معين من الممثلين، وهي: “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” (8 ممثلين)، والمستقلون (8 ممثلين)، و”هيئة التنسيق” (5 ممثلين)، والفصائل المسلحة (7 ممثلين)، و4 ممثلين لكل من منصتي موسكو والقاهرة.
وأكدت “منصة موسكو” لـ”العربي الجديد”، حضورها للاجتماع، عبر عضو الهيئة مهند دليقان، الذي شكّل فصله من الهيئة بعد مطالبته بنقل اجتماعات هيئة التفاوض إلى دمشق، وتمسكه برأيه، إشكالا رئيسياً بين المنصة والهيئة، وكشف دليقان بأن هذا الخلاف تم حلّه أثناء التحضير للاجتماع، مؤكداً تراجع الهيئة عن قرار الفصل.
وعما إذا كانت الخلافات السابقة ستطرح من قبل المنصة على طاولة الاجتماعات، أشار دليقان إلى أن “كل المواضيع مطروحة على الطاولة، القديم والجديد”.
وأكد دليقان أن المنصة “ستشدد على موقفها المعروف، والذي يرى أن الظروف الحالية أكثر مناسبة من أي وقت مضى لتنفيذ 2254 بحكم التراجع المستمر للدور التخريبي الغربي وخاصة الأميركي، عالمياً وفي منطقتنا، وبحكم تقدم مسار أستانة وارتفاع مستوى التوافقات بينه وبين دول عربية أساسية حول ضرورة الحل السياسي وفق 2254″، وأضاف أن “على المعارضة أن تكون جاهزة لملاقاة هذه التغيرات بما يخدم الشعب السوري وتخليصه من كارثته ووضع البلاد على طريق التغيير الجذري الشامل”.
وتميل “منصة موسكو”، التي يقودها قدري جميل، رئيس “حزب الإرادة الشعبية”، لحل وفق الرؤية الروسية، أو بما يتماشى مع الكثير من الطروحات الروسية.
من جهتها، أكدت “هيئة التنسيق الوطنية” ومقرها دمشق، أن منسقها العام حسن عبد العظيم سيكون في جنيف بالإضافة لأحمد العسراوي، واليس مفرج، عضوي هيئتي التنسيق والتفاوض.
وأوضح العسراوي لـ”العربي الجديد”، أن “العضوين الآخرين، صفوان عكاش ونشأت الطعيمة، الممثلين من قبلنا في هيئة التفاوض السورية لن يتمكنا من الحضور لأسباب لوجستية وإجرائية، لكننا في الاجتماع سنتكلم باسم واحد وككتلة واحدة”.
وأكد أن هناك اتفاقا داخل هيئة التنسيق الوطنية على تناسي الخلافات، مشيراً إلى أن الأساس في اجتماع جنيف هو مناقشة المستجدات الراهنة في القضية السورية،
وعما إذا كانت هيئة التنسيق الوطنية تصر على موقف معين لتصديره في البيان الختامي للاجتماعات، أشار العسراوي، إلى أن “الختامي يمثل رؤية كل المشاركين وليس فريقا (هيئة التنسيق الوطنية) لوحده، لذلك من السابق لأوانه الحديث بهذا الأمر”. لكنه أكد على موقف متمسك بحل “وفق المرجعيات الأممية، وبيان جنيف والقرار 2254”.
ولفت العسراوي، إلى أن لا خلافات كبيرة بين هيئة التنسيق وبعض مكونات هيئة التفاوض السورية، مشيراً إلى “إشاعات خاطئة خرجت حول مطالبتنا بضم “قوات سوريا الديمقراطية” – قسد أو “مجلس سوريا الديمقراطية”– مسد) لهيئة التفاوض السورية “، مؤكداً أنهم لم يطالبوا هيئة التنسيق الوطنية بهذا الأمر، لكنه شدد على أن أي جسم يعترف بالثورة السورية، من أي مكون سياسي سوري له أحقية التمثل ونرحب به في أي وقت.
ولم ترد “منصة القاهرة” على اتصالات “العربي الجديد” لتأكيد حضورها أو عدمه في اجتماعات جنيف، وهذا ما قد يعطي انطباعا بأن الخلافات داخل المنصة ذاتها ستؤثر على مشاركتها، إذ برز في بداية العام 2021، انقسام المنصة بين جناحين، الأول بقيادة الممثل والسياسي جمال سليمان، والآخر يقوده فراس الخالدي.
تأسست “هيئة التفاوض السورية” أواخر العام 2015 في الرياض، وتناوب على رئاستها عدد من شخصيات المعارضة، لاسيما رئيس الحكومة الأسبق رياض حجاب، وأخذت الهيئة على عاتقها التفاوض بشأن الحل السوري تحت مظلة الأمم المتحدة.
المصدر: العربي الجديد