الأحزاب والقوى السياسية في سوريا / حركة الإخوان المسلمين
حلقة أولى: مقدمة تاريخية
انطلقت الدعوة لإنشاء جمعية الإخوان المسلمين من مصر، هذه الدعوة قادها المفكر والداعية حسن البنا، وهي تعتبر امتدادا للجمعيات والتنظيمات الدينية التي انتشرت في أنحاء متعددة من الوطن العربي، والعالم الإسلامي، ردا على إلغاء الخلافة العثمانية الإسلامية بعد استيلاء كمال اتاتورك على السلطة في تركيا آخر معاقل الإمبراطورية العثمانية.
ولخصت جمعية الاخوان المسلمين بقيادة البنا أهدافها بالعودة إلى “الحكم الإسلامي، وإلى رسالة الإسلام”، هذه الرسالة التي هي رسالة كلية شمولية، أي أنها رسالة دينية دنيوية.
وطرح الإخوان المسلمون برنامجهم الذي تضمن:
** إقامة الدولة الإسلامية المركزية الكبرى، والتي يرتكز فيها الحكم على الخلافة.
** الرجوع إلى الشريعة الإسلامية لاستنباط كافة الحلول التي تتولد نتيجة التطور الاجتماعي والإنساني.
وتحددت رؤيتهم للدولة الإسلامية بأنها تقوم على أساس من الجامعة الإسلامية التي تعتبر الأمة العربية ركيزتها الأولى.
وضعت الجماعة خطة محكمة لنشر أفكارها وتحقيق أهدافها تعتمد على التنظيم الدقيق والانضباط الشديد، وكانت خطتها تقوم على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى ـ مرحلة الدعوة: وتستهدف حشد أكبر كمية من الأنصار والمريدين، ونشر الفكر الديني عبر جماعات المساجد والتكايا ومجموعات الدراسة.
المرحلة الثانية ـ مرحلة التنظيم: وتتطلب عملية انتقاء دقيق للأعضاء من بين جماعات المريدين والأنصار، ومن ثم تعبئة هؤلاء، وفق نظرية تنظيمية تقوم على أساس البناء الهرمي الشديد الانضباطية والمركزية، حيث تكون سلطة المرشد أو الأمير واسعة جدا، لأنها مستمدة أصلا من السلطة الروحية.
والتنظيم لدى الاخوان المسلمين تنظيمان: عام ” مدني”، وخاص “مسلح”، وتقوم عقيدة التنظيم على فكرة “الجهاد”، وهو جهاد ضد النفس لإصلاحها، وجهاد ضد الغير ” الأعداء”.
المرحلة الثالثة ـ مرحلة العمل: وعمل الإخوان جهادي بشقيه السياسي والعسكري.
لاقت الدعوة شعبية كبيرة في مصر حيث استطاعت حشد مئات الآلاف من الأنصار وعشرات الآلاف من الأعضاء، المستقطبين من بين أبناء البرجوازية الصغيرة، والفلاحين، والطلبة، والعمال.
وانتقلت الدعوة إلى المشرق العربي، حيث تشكلت للجماعة فروع في سوريا والعراق الأردن وفلسطين، كما امتدت إلى الباكستان على يد الداعية أبي الأعلى المودودي.
وإذا عدنا إلى تأسيسي الجماعة فقد تأسست في آذار 1927 في مدينة الإسماعيلية ، واستطاعت خلال ثلاث سنوات إثبات وجودها في المدينة والأرياف المجاورة، ثم انتقلت الدعوة إلى القاهرة في العام 1932 ، بعد الدمج مع جماعة” الثقافة الإسلامية”، التي يقودها شقيق حسن البنا الأصغر عبد الرحمن، وخلال فترة وجيزة امتدت الجماعة في طول البلاد المصرية وعرضها، مستفيدة من فساد الحكم والأحزاب السياسية، ومن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المضطربة، وتعتبر فترة الثلاثينات مرحلة دعوة وتأسيس، حيث عقدت في هذه الفترة خمسة مؤتمرات ركزت خلالها على شؤون الدعوة والتنظيم، بينما تعتبر فترة الأربعينات مرحلة تنظيم وعمل، ففي الأربعينات تأسست فرقة الجوالة، كما نشط التنظيم الخاص ( التنظيم السري المسلح)، وفي أواخر الأربعينات بدأت مرحلة الجهاد، حيث عبأ الإخوان كتائب قتالية خاضت معارك قوية في فلسطين، وقامت بعمليات إرهابية وجهادية في الداخل المصري، (تفجير محلات لليهود، قتل بعض جنود الاحتلال، الاعتداء على المعارضين)، وتوجت هذه العمليات باغتيال القاضي “أحمد الخازندار” في 22 /3 / 1948 الذي حكم على أحد عناصر الجماعة بالإعدام لقتله جنديا انكليزيا، ومن ثم اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا بتاريخ 28 ديسمبر الذي كان قد أصدر قبل ذلك بعشرين يوما قرارا بحل الجماعة.
وعلى المستوى التنظيمي أيضا شهدت مرحلة الأربعينات انتشار الجماعة في بعض الأقاليم العربية، حيث انتقلت إلى سوريا، والأردن، واليمن، وتونس، والسودان.
وكان للجماعة دور ثانوي في الانتفاضة الفاشلة عام 1948 ضد حكم الإمام يحيى في اليمن، ولكن نهاية الأربعينات شهدت العد العكسي للجماعة حيث استطاعت قوى الأمن كشف مجموعة من الخلايا السرية في الجهاز الخاص، ثم أوقف المرشد العام لفترة ، ثم اعتقل عدد من قادة التنظيم، وفي 8 / 12 / 1948 صدر قرار حل الجماعة، وفي الشهر نفسه أقدم التنظيم الخاص على تنظيم عملية اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي الذي أصدر قرار حل الجماعة، وردا على عملية الاغتيال هذه تم اغتيال الامام حسن البنا من قبل البوليس السري في 12 شباط / فبراير 1949، واستمرت عمليات الملاحقة والتصفية حيث أعدم قاتل النقراشي باشا في نيسان 1950، وقتل “أحمد فؤاد” الضابط في الشرطة ومنظم عملية الاغتيال أثناء مطاردته من قبل رجال الأمن.
وفي العام 1951 سمح للجماعة بالعودة إلى الشرعية، فجددت نشاطها، ونشطت بشكل خاص ضمن صفوف الجيش والشرطة، إلا أن الحركة كانت عانت بعض الضعف في عهد قائدها الجديد حسن اسماعيل الهضيبي، بسبب الخلافات ضمن أجهزتها القيادية من جهة، وبسبب عدم قدرة قائدها الجديد على الإمساك بحزم بالتنظيم وخاصة الجهاز السري.
وكانت أهم المشاكل التي عانت منها الجماعة خلال المرحلة الأولى من تأسيسها النزاع على خلافة البنا في شعبة الإسماعيلية، بعد انتقال المؤسس إلى القاهرة، عام 1931، ووصل النزاع حد رفع بعض الأعضاء دعاوى قضائية ضد حسن البنا ذاته، وفي العام 1939 انفصلت مجموعة صغيرة عن الجماعة وسمت نفسها ( جمعية شباب محمد)، وفي العام 1947 استقال “إبراهيم حسن” الشخص الثاني في الجماعة بسبب خلاف مع الإمام وأنصاره حول ما نسب إلى سكرتير الإمام ونسيبه عبد الحكيم عابدين من مخالفات أخلاقية جنسية، وسكوت الإمام عنه!، وفي العام نفسه فصل “أحمد السكري” ، وهو من أبرز قادة الإخوان بسبب اعتراضه على الموقف السياسي المتهاون مع القصر، والمعارض للتحالف مع الوفد.
لكن أهم المشاكل على الإطلاق كانت تتعلق بعملية اختيار خلف للإمام حسن البنا بعد اغتياله، والصلاحيات الممنوحة للقائد الجديد، وحدث ما يسمى بالصراع بين القادة التاريخيين من جهة، والطاقم الجديد الملتف حول المرشد الجديد من جهة أخرى.
وقد وجدت الجماعة فرصة جديدة للعمل بقيام ثورة 23 يوليو 1952، بسبب العلاقات الجيدة التي كانت تربط بعضا من قادتها بعناصر رئيسية من ضباط الثورة، إلا أن العلاقة مع الثورة لم تكن مستقرة على وتيرة واحدة رغم المناخ الإيجابي الذي عوملت به الجماعة التي وضعت شرطين للتعامل مع الثورة أولاهما المشاركة الفعلية في الحكم من خلال استلام المناصب الوزارية الهامة، وثانيهما اشتراط أن تأخذ الثورة مسبقا موافقة الجماعة على القرارات الخاصة بالقضايا العامة الأساسية قبل إصدارها.
لكن قادة الثورة رفضوا هذه الشروط مع محاولاتهم المحافظة على المناخ الودي الظاهري، وبدأ الصراع بين الطرفين حيث دعمت الجماعة الاتجاه المناوئ لعبد الناصر الذي يقوده اللواء محمد نجيب، بينما عمل عبد الناصر على استمالة بعض عناصر الجماعة، وتعاونه الفردي معهم، ومشاركتهم ببعض المناصب الوزارية.
وتطور هذا الصراع فيما بعد، وخاصة حينما أعلن الإخوان المسلمون معارضتهم لمباحثات الجلاء التي كان يجريها قادة الثورة مع الانجليز، وحاولوا تعبئة الشارع ضدهم، ورفضوا القيام بعمليات مشتركة ضد العدو، كما رفضوا حل تشكيلاتهم في الجيش والشرطة، ووصل الخلاف ذروته عندما قرر التنظيم الخاص المسلح اغتيال عبد الناصر، ونفذ محاولة الاغتيال في 26 / 10 / 1954 بالإسكندرية.، فاتخذت الثورة قرارا بحل الجماعة، واعتقل قادتها وحوكموا أمام محاكم خاصة، ونفذت أحكام إعدام بحق بعضهم.
بعد قرار الحل، وهو الثاني في تاريخ الجماعة، انزوى العديد من قيادات الجماعة، فيما اتجه بعضها الآخر إلى التشدد في مواقفها السياسية والعقائدية، وكان التطور الأهم هو دخول الاخوان المسلمين ساحة “الصراعات السياسية العربية”، حيث تلقوا الدعم من أعداء ثورة 23 يوليو في السعودية والعديد من الأنظمة العربية، ونشطت فروع الجماعة في الخارج، وخاصة في الأردن، وسوريا، والسودان، وباكستان.
في العام 1965كشفت الثورة عن خطة إرهابية جديدة للإخوان بقيادة قائدهم الجديد “سيد قطب”، تستهدف اغتيال جمال عبد الناصر، وبعض القادة الآخرين، وتنفيذ هجمات وعمليات إرهابية تستهدف المؤسسات والمشروعات العامة، بهدف الاستيلاء على السلطة، فوجهت للتنظيم ضربة شديدة قاصمة، استهدفت العديد من قادتهم وكوادرهم ونفذت أحكام الإعدام بحق بعضهم وعلى رأسهم سيد قطب نفسه.
وجاءت الضريبة الجديدة مؤثرة حيث بدأت عوامل تشنجية داخل الجماعة، وبدأت تتولد من الجماعة، جماعات إرهابية جديدة، وجدت مناخا ملائما لها في عهد الرئيس أنور السادات، الذي خلف عبد الناصر برئاسة مصر، والذي أراد تدعيم التيار الديني لمواجهة مرحلة عبد الناصر التي بدأ بالانقلاب عليها.
وفي هذه الأجواء عادت الجماعة وقد خرج قادتها من السجون لممارسة نشاطها شبه العلني بقيادة مرشدها الجديد عمر التلمساني.
أما عن فروعها في الخارج فقد عانت العديد من الأزمات وخاصة في السودان، وسوريا، وتونس، ولوحقت عناصرها، وكانت قد شهدت مرحلة نمو في أواخر السبعينات بسبب الموجة الدينية التي سادت الشارع الشعبي بتأثير ردة السادات، والمناخ المعادي للتيار القومي الناشط بعد هزيمة 1967.
وجاءت أهم الأزمات التي تعرض لها تنظيم الإخوان وأكثرها دموية في سوريا، حيث لوحق عناصرها ولا تزال ضمن حملة عنف وعنف مضاد امتدت منذ أواخر السبعينات، وكانت ذروتها في العام 1982، كذلك صفي الآلاف من الكوادر والقيادات في كل من تونس والجزائر، ويعتبر فرع الأردن من أقوى الفروع التي لم تتعرض لأي مضايقات جدية بسبب تعاونه غير المعلن مع النظام الملكي الحاكم.