سابعا: الاستخدام الجيد للإرهاب
١٩٩١- ٢٠١١م
يتحدث الكاتب عن هذه الحقبة بصفتها ذروة الممارسات العنفية من الانظمة الاستبدادية العربية عموما، وكذلك من الجماعات الراديكالية على تنوعها. وقد طرح مقولة تعتبر نموذج لتصرف بعض الانظمة وخاصة نظام حافظ الأسد: عصر رجال الإطفاء مشعلي الحرائق. فقد انتقل العمل العسكري لبعض مجموعات الفدائيين الفلسطينيين الى طور خطف الطائرات، كما حصل في الأردن حيث خُطفت طائرتين عام ١٩٧٠م، وعمليات تفجير واحتجاز رهائن في ميونخ ١٩٧٦م، بعضهم يساريين وبعضهم اسلاميين، فهذا حزب الله اللبناني وبتوجيهات من الأسد وايران يصفي كل المختلفين معه في لبنان ويصبح القوة الوحيدة هناك. يحتكر العمليات التفجيرية الكبيرة. هذا وكانت اسرائيل قد طردت بعض الفلسطينيين عام ١٩٩٢الى لبنان، وهم من حماس والجهاد الإسلامي، تلقفهم حزب الله والنظام السوري، تم تدريبهم على العمليات التفجيرية واصبح لحماس والجهاد اجنحة عسكرية تفجر في اسرائيل وخارجها. وهكذا أصبح الإرهاب هو العدو الأول لأمريكا و حلفاءها في العالم.
هذا أما على صعيد الشعبي العربي فلم يعد يحتمل الناس ما يعيشون من قهر وذل ونقص في الإمكانات وانعدام العمل والامل، خرجت الانتفاضات، انتفاضة الخبز في مصر عام ١٩٧٧م . والانتفاضة الفلسطينية في فلسطين المحتلة وفي في المغرب عام ١٩٨١م. و في تونس انتفاضة الخبز أيضا عام ١٩٨٤م. اما على صعيد الانظمة وتعاملها القمعي مع شعبها وتحركه لمطالبه المشروعة؛ الجزائر ترفض نتائج الانتخابات الديمقراطية ولا تعطي الإسلاميين دورهم السياسي، وتلغي نتائج الانتخابات و تبدأ باعتقال قياداتهم و ناشطيهم تحت دعوى محاربة الإرهاب. وكانت حصلت تطورات داخل البنية العسكرية الحاكمة في الجزائر، حيث أطاح خالد نزار المسؤول العسكري بالديمقراطية الوليدة، وأجبر الرئيس بن جديد على الاستقالة، وتم استدعاء بوضياف أحد قادة جبهة التحرير من المغرب ليعيّن رئيسا شكليا لسلطة العسكر. لكنه راح ضحية اغتيال من حارسه الشخصي، وكأنه انقلاب داخل البيت، تم تصفية جبهة الخلاص الاسلامية وسجن رموزها عباسي مدني وعلي بلحاج. وتم الرد من الاسلاميين بولادة الجماعة الاسلامية المسلحة الاكثر تشددا مستهدفة السلطة والعسكر والأمن، وعين الامين زروال خلفا لخالد نزار في قيادة الجيش عام ١٩٩٥م، وشهدت الجزائر وفرنسا عمليات ارهابية نسبتها الجماعة الاسلامية المسلحة الجزائرية لنفسها، ومن ثم تبدأ حربا بين النظام والجماعة الاسلامية راح ضحيتها الناس المدنيين العزل وبالآلاف. انقسمت الجماعات الاسلامية المسلحة على نفسها، عجز النظام عن قهرها، لذلك عاد الى محاولة التوافق معها، عُيّن بوتفليقة ليكون رئيسا للجزائر بدء من عام ١٩٩١م ولتبدأ مرحلة هدوء نسبي، كانت حصيلة هذه الحرب العبثية مئة وخمسين ألف قتيل من الشعب الجزائري.
وفي سياق آخر كانت أمريكا قد وعدت الدول العربية أنها ستحرك عجلة السلام بين العرب واسرائيل كثمن لمشاركتهم في حرب تحرير الكويت. ووصول حال الشعب العراقي الى ما وصل إليه من حياة مأساوية تحت حكم صدام حسين القمعي والدموي. دعت لمؤتمر مدريد للسلام عام ١٩٩١م. ضمن مسار جماعي وفردي. سورية الأسد لم تستجب لهذا المسار. أما الأردن فقد صنع مع إسرائيل سلاما دائما . والفلسطينيين كانوا قد أخذوا مسارا سريّا في أوسلوا (١) أدت لحصول اتفاق بين عرفات ورابين رئيس وزراء اسرائيل أعطي الفلسطينيين غزة وواريحا عام ١٩٩٤م، ومن ثم في اوسلو(٢) توسع نفوذ عرفات ليمتد الى الضفة في المناطق ذات الكثافة السكانية العربية بعد أن قسّمت الى قطاعات ا ب ج. لكن اغتيال رابين عام ١٩٩٤ومجيء نتنياهو، وتزامن ذلك مع دعوة كلنتون الرئيس الامريكي لمؤتمر سلام في شرم الشيخ عام ١٩٩٦م. وفي مواجهة صعود حماس في غزة حاول نتنياهو تسميم خالد مشعل زعيم حماس، وانقذته الاردن وافرج عن أحمد ياسين مؤسس حماس والأب الروحي لها. وجاء ايهود باراك الى رئاسة الوزراء في اسرائيل، وقرر الانسحاب الكامل من الشريط الحدودي المحتل من لبنان، اعتبر ذلك نصرا لحزب الله. وفي مؤتمر بين باراك وعرفات في عام ٢٠٠٠م، اختلفوا على القدس، مقسمة وعاصمة لفلسطين وإسرائيل كما يريدها عرفات، وموحدة و تحت سلطة اسرائيل فقط كما يريدها باراك. وبقي الملف معلقا. وفي خطوة تصعيدية زار شارون المسجد الاقصى واندلعت انتفاضة جديدة، انتجت عمليات تفجيرية داخل اسرائيل مجددا، كان نتيجتها انتخاب شارون رئيسا للوزراء في إسرائيل. استفاد شارون من الحرب على الإرهاب بعد تفجيرات نيويورك عام ٢٠٠١م، وحاصر ابو عمار في رام الله ويقال أنه سمّمه، ورحّل إلى باريس للعلاج ومات هناك عام ٢٠٠٤. وطويت صفحة ابو عمار، انه لم يقبل ان يتنازل عن الحد الادنى الفلسطيني: دولة على أرض فلسطين ما قبل حزيران ١٩٦٧م و القدس العربية عاصمة للدولة. وجاء محمود عباس بعد ابو عمار ليكون مجرد كومبارس يأخذ المتاح من اسرائيل وامريكا، وينتظر دورا يوكل إليه في وقت ما قادم، وواقع الفلسطينيين يزداد سوء حياة اقتصادية مؤسفة وقضم إسرائيلي للاراض وبناء مستوطنات واعتقالات دائمة وغياب أفق مع انعدام الأمل، اضافة لتحويل غزة إلى معزل مكتظ بالسكان تحكمه حماس والصراع بينها وبين إسرائيل مستمر ومصر وسيط التفاهم بينهم، وكل خلاف يكون ضحيته الناس في غزة مزيد من الحصار والجوع والتدمير والقتل بفعل القصف الاسرائيلي الذي لا ينقطع ابدا. غزة تعني الحياة في الجحيم.
يعود الكاتب متتبعا مسار القاعدة وتطوراتها، اختلف بن لادن مع السعودية حول دعم أمريكا لضرب العراق وتحرير الكويت عام ١٩٩٠م، طرد الى باكستان، ومن هناك عاد الى السودان وجعلها قاعدة له في نشاطه العالمي الجهادي، كان قد حصل تطورا بنيويا عنده، فقد التحق به ايمن الظواهري الجهادي المصري واصبح نائبه في تنظيم صنعوه واسمة قاعدة الجهاد الاسلامي العالمي. كما حولت بوصلة القاعدة عدائها لتوجه الى امريكا والانظمة التابعة لها مثل السعودية ومصر وغيرها. انها اعادة وعي عند بن لادن. لقد أصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم. حاول السودان أن يعيد تأهيله مع الأمريكان بأن يسلمهم بن لادن لكنهم رفضوا، هذا بعد أن سلم فرنسا كارلوس الإرهابي الدولي الذي كان قام بعمليات قتل وتفجير في فرنسا. حاول بن لادن أن يغتال مبارك في إثيوبيا عام ١٩٩٥م ولكنه نجا. غادر بن لادن السودان عام ١٩٩٦م إلى أفغانستان ومن هناك أعلن الحرب على امريكا، تحالف مع طالبان وقائدها الملا عمر، وكانت باكستان ممرا لوجستيا له و للقاعدة. كانت عمليات التفجيرية في سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا، واللتان خلفتا ضحايا بالمئات منهم ١٤ امريكي، هي بواكير عمليات القاعدة ضد أمريكا. ردت امريكا بصواريخ على افغانستان، وكانت في ذات المرحلة قد فتحت قطر محطة الجزيرة الفضائية التي تصرفت بمهنية وكانت شفافة وقريبة من واقع حال العرب والمسلمين. ظهرت وكأنها تنتهك الممنوع وتضع العرب امام حقيقة ما يعيشون. لقد عممت السياسة وخلقت منبرا تنويريا معرفيا مهما. وفي هذه الاثناء كانت المنبر الذي يطل من خلاله بن لادن ويصرح عن عملياته وأهدافه ومراميه. لقد صنعت الجزيرة حضورا لم يكن ممكنا لولاها للقاعدة ولكل المعارضين العرب لأنظمتهم، لقد احضرت الصوت الآخر الغائب منذ عقود عند العرب.
كانت هجمات الطائرات على أمريكا وتفجير ابراجها عملا قاسيا جدا عليها، استهدف كرامتها اكثر من نتائجها من قتلى وجرحى بالآلاف، لذلك قررت ان يكون ردها بحجم أمريكا وقوتها الدولية وليس بحجم الهجوم الإرهابي وما نتج عنه من خسائر. لذلك قرر جورج بوش خوض حروبا شاملة تحت دعوى محاربة الإرهاب و دعمته الانظمة العربية وأغلب دول العالم. كان هجومها الاول على أفغانستان واستطاعت إسقاط حكم طالبان وعينت كرزاي رئيسا يأتمر بأمرها. حوصر بن لادن والظواهري، ثم هربا الى باكستان ودخلا في حالة التخفي والتواصل مع أنصارهم والعالم عبر الرسائل الصوتية. كما كان ظهور الزرقاوي في العراق ممثلا للقاعدة كما وجود مبرر ان عند العراق اسلحة دمار شامل، كانا الذريعة لضرب العراق واحتلاله ايضا، سقط نظام صدام المتهاوي واعتقل وحوكم و أعدم بعد ذلك. أصبح الزرقاوي مسؤول القاعدة في العراق منذ عام ٢٠٠٤م وشرعن بذلك التواجد الأمريكي في العراق، خاصة بعد ان ظهر ان لا اسلحة دمار شامل في العراق. كان النظام السوري حذرا و متخوفا من التواجد الأمريكي في العراق، خاصة وان وزير خارجية امريكا هدد النظام باستعدادهم لاحتلال دمشق، وحسب طريقة النظام السوري: رجل الاطفاء مشعل الحرائق فقد سهّل دخول الجهاديين الى العراق من سورية ومن جميع انحاء العالم، سوق نفسه بعد ذلك داعما لأمريكا في حربها على الإرهاب، وكان قد قدم لها بعض المعلومات المهمة وسلم لها بعض المطلوبين. قُتل الزرقاوي في العراق عام ٢٠٠٦م بعد أن أسس وثبت طورا جديدا من القاعدة. دولة العراق والشام لاحقا داعش.
ثامنا: شيراك مواجهة الأسد الأب والابن.
لم تكن فرنسا راضية عن التواجد السوري في لبنان كصيغة احتلال، وخاصة تغول اجهزتها الامنية وحزب الله قوتها المسلحة الوحيدة على الأرض في لبنان. لذلك عندما انتخب شيراك رئيسا لفرنسا عام ١٩٩٥م وكان صديقا لرفيق الحريري رئيس وزراء لبنان قرر دعم الحريري الذي استمر رئيسا للوزراء من عام ١٩٩٤ حتى عام ٢٠٠٤م. حاول شيراك التفاهم مع بشار الاسد ابن حافظ الاسد الموكل إليه الملف اللبناني، استقبله ١٩٩٩م في باريس قبل رئاسته لسورية خلفا لأبيه المتوفى عام ٢٠٠٠م. حضر شيراك جنازة الأسد وراقب تغيرات الدستور السوري ووراثة بشار للسلطة خلفا لوالده في سورية، السلاسة والدقة، استقبل بشار الأسد في باريس عام ٢٠٠١م وبحثوا في ملف إعادة إعمار لبنان بعد مضي سنوات الحرب الاهلية الطويلة. لكن ضرب القاعدة لامريكا أعاد وضع لبنان للخلف عند فرنسا وشيراك. لكن النظام السوري استمر بحضوره الطاغي في لبنان، جدد للرئيس لحود، ولم يستسلم لقرار مجلس الأمن في الخروج السوري من لبنان، ورد على ذلك باغتيال الحريري عام ٢٠٠٥م، مما ادى لقلب موقف شيراك من الأسد وحوله إلى عدو، لكنه لم يستطع أن يفعل شيئا إتجاهه ، فقد استطاع أن يسوق نفسه محاربا للإرهاب عند الأمريكان. بعد انتخاب ساركوزي رئيسا لفرنسا، عاد لفكرة التوافق مع الأسد حول لبنان المهم بالنسبة لفرنسا. واستقبل ساركوزي بشار الأسد عام ٢٠٠٨م في باريس.
كل هذه المتغيرات أكدت أن الغرب لم يجد بدا من دعم الدكتاتوريات المسيطرة على المنطقة العربية إن كان يريد أن يكون له حضور ودور. لقد تصرفوا وفق مصالحهم مع ادراكهم ان هذه الانظمة إستبدادية و تضطهد شعوبها وتستغلها وتستعبدها. دعمت الأسد في سورية وبن علي في تونس، وتوارت خلف ضرورة الصمت عن الحكام المستبدين، لانهم مهمين في حربهم مع داعش التي خدمت الانظمة بعملياتها الاستعراضية في أوروبا والمنقولة عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.
لقد تأبّد الاستبداد العربي. هذا دون التحدث عن الانظمة الملكية والاميرية الحاكمة منذ عقود، وأما الجمهوريات فإن بشار الاسد جاء وريثا لابيه وكذلك علي صالح في اليمن، والقذافي في ليبيا ومبارك في مصر. جميعهم جهزوا أولادهم لوراثتهم في الحكم.
هذه هي الصورة السياسية في بلادنا العربية عشية الربيع العربي القادم عام ٢٠١١م.
يتبع…