تسيطر في هذه المرحلة من عمر القضية السورية حالة من القلق والخوف على عموم السوريين، بانتظار جملة الأحداث والتطورات، المرتقبة والعاصفة، في المنطقة ذات الصلة بحاضرهم ومستقبلهم.
فمن ناحية أولى وضعهم في الجارة تركيا التي تستضيف على أراضيها أكثر من ثلاثة ملايين سوري، التي ربما مع قراءة هذه السطور، يكون المشهد السياسي العام فيها قد انجلى، وربما تغير جزئياً، أو كليا، مع ماستسفر عنه الانتخابات الرئاسية والتشريعية، المقررة في 14 من الشهر الجاري، آيار/ مايو، والتي بغض النظر عن نتائجها، فإن حالة من حمى العنصرية والكراهية دبت وسرت في قطاعات واسعة من المجتمع التركي، لم يعد ممكناً تجاوزها، غذتها قوى المعارضة التركية وسعرتها، وباتت تهدد الآن معظم السوريين بما يطالهم من ممارسات تمييزية فاضحة، وأشكال مختلفة من العدوان اللفظي والجسدي، عدا عن الاستغلال لهم، المادي والمعنوي، والتقييد على حرياتهم في الإقامة والتنقل، ذلك في ظل التقارب والانفتاح على نظام الأسد، وبدء اللقاءات والزيارات على مستوى وزراء الخارجية والتي من المتوقع أن تتوج بلقاء يجمع الرئيسين، كل ذلك وغيره، ولا أحد يستطيع أن يتكهن بمدى التغيرات الجذرية والعميقة القادمة في السياسة التركية، الداخلية والخارجية، التي هي على تنسيق متزايد وشامل مع روسيا بوتن، وهي سياسة أصلاً موصوفة بالبراغماتية الشديدة.!
غير بعيد عن مايطال السوريين في تركيا حالهم ووضعهم في جمهورية لبنان التي بدأت سلطاته بترحيل البعض منهم بالقوة الى (سورية الأسد) حليف القوى النافذة فيه، ضمن خطة إعادة الجميع، والتخلص منهم بشكل ما، قبل أن تعود وتتوقف، أنيًا، نتيجة الضغوط الدولية، كما حصل في أكثر من مرة، ذلك تحت دعاوي مختلفة، لكن في مجملها، في الحقيقة، تستبطن المخاوف من التغيير الديمغرافي ولأسباب محض داخلية لبنانية لا علاقة للسوريين بها، وتحملهم وزر كل موبقات ورذائل الواقع اللبناني، السياسي والاقتصادي والطائفي.
لم يقتصر قلق عموم السوريين وخوفهم على مستقبل اللاجئين والمهجرين إلى تركيا ولبنان، كبلدان مجاورة، بل حظهم العاثر الذي طال من وصلوا منهم، في رحلات الهرب من الموت، إلى السودان البعيد، في قارة أفريقيا، الذي يشهد، منذ عدة أسابيع، حرباً بين أطراف ومكونات السلطة وجنرالاتها من العسكر، وبدأ جميع الغرباء بالفرار منه، من خلال تدخل كل دول العالم لسحب رعاياها، والنجاة من الاقتتال الذي من المتوقع أن يمتد ويتوسع ويطول الى أمد غير قريب، عدا السوريين الذين لا يعرفون الى أي الجهات أو البلاد يفرون.
كل ذلك في ظل غياب أي أفق لحل سياسي عادل وآمن يكفل عودة السوريين إلى وطنهم وبيوتهم دون التعرض للمساءلة والتحقيق، أو الاعتقال أو القتل، مع توفر سبل الحياة الكريمة لهم، وفق قرارات الشرعية الدولية، التي بدلاً عن السعي لتطبيقها والتمسك بها هرولت الأنظمة العربية، المعنية بها قبل غيرها، لإعادة نظام القتل والإجرام الكوني، إلى مؤسساتها والتي بموجب قراراتها وجهت الدعوة لمجرم الحرب بشار الأسد لحضور قمتها المرتقبة في المملكة العربية السعودية في 19 من الشهر الحالي آيار/ مايو، والتي وصفناها من عدة أشهر، وفي هذا المكان بالذات، بأنها (عودة الضال إلى الضالين)، واستباقاً لذلك بدأت بعض الدول العربية بإعطائه الوعود بتعويضه عن أرباح الكبتاجون في محاولة لوقف تهريبها والتي يعتمدها (ملكها) بشار الأسد مصدر دخل بديل عن اقتصاده المنهار والمتهالك والذي وصل معه سعر العملة السورية الى مستوى غير مسبوق حيث بلغ صرف الدولار الواحد بأكثر من 9000 ليرة.
ذلك كله دون إدراك ووعي، أو تجاهل، من الأنظمة العربية لمدى عمق العلاقات السورية (سورية الأسد) مع النظام الإيراني وأهمية سورية في المشروع الإيراني على مستوى المنطقة، والتي زارها الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، الملطخة يداه بدم الشعب الإيراني من قبل أن يصبح رئيساً، والموصوف هو الآخر كمجرم حرب، قبل أيام قليلة ووقع عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية والسياسية، إضافة للمئات من سابقاتها، التي رهنت سورية ومستقبلها لأطماع إيران وأحلامها التوسعية، وتمهيداً لمرحلة إعادة الإعمار التي يظنونها قريبة.
لذلك، وغيره الكثير، مما هو معروف ومعاش، يستبد الخوف والقلق بعموم السوريين بانتظار بارقة أمل يستعيدون فيها امتلاك زمام المبادرة، للتحرك والفعل، من خلال قوى وشخصيات وطنية، بعيداً عن مافي المشهد من هزال وعطب، قادرة أولاً على صياغة رؤية وطنية شاملة وتعبر عن كافة السوريين وطموحاتهم وأحلامهم، تتجاوز حالة القنوط واليأس من تغيير أحوالهم، أو أقدارهم.