كيف يمكن لواشنطن احتواء النفوذ العسكري الصيني في الشرق الأوسط؟

بلال صعب

في ظل التغييرات التاريخية التي يشهدها الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، يبدو أن قواعد اللعبة التي كانت تعتمدها واشنطن سابقاً في المنطقة، وطالبت في إطارها الشركاء العرب بالولاء الكامل لها والعداوة الجماعية المفترضة مع إيران، تحتاج إلى إصلاح شامل.

ولا بد لواشنطن أن تضع مخططاً جديداً للتعامل مع مجموعة من التحديات التي تهدد مصالحها، رغم أن المسألة الأكثر أهمية تكمن في “الغزو الصيني” للشرق الأوسط، وتأثير ذلك على موقع الولايات المتحدة الاستراتيجي في هذا الجزء الغني بالطاقة من العالم.

وفي هذه المنافسة، التي أصبحت أولوية جيوسياسية عليا للولايات المتحدة، يؤدي شركاء واشنطن العرب دوراً مهماً. وفي السابق، كانت واشنطن قادرة على فرض تفضيلاتها على شركائها العرب، أو على الأقل إيصالها إليهم بوضوح. لكن تلك المرحلة ولّت ولم تعد واشنطن تتمتع بالنفوذ الذي كانت تفرضه في المنطقة في السابق، كما فقدت الكثير من ثقة شركائها العرب، الذين فسروا انسحابها من أفغانستان والتسامح مع العدوان الإيراني في المنطقة على أنه تمهيد لانسحابها من الشرق الأوسط.

والواقع أن مطالبة واشنطن شركاءها الإقليميين بالحد من علاقاتهم الاقتصادية مع الصين غير مجدية، بالنظر إلى الصفقات التجارية الضخمة بين الصين ومختلف الدول العربية. وليس تشجيع الشركاء على تقييد علاقاتهم السياسية مع بكين خياراً مناسباً، لا سيما في ظل النجاح الصيني الأخير في تسهيل اتفاق دبلوماسي بين الرياض وطهران. وفي ما يتعلق بالأيديولوجيا السياسية والاقتصاد، ثمة الكثير من التقارب بين بكين وشركاء واشنطن العرب.

مع ذلك، يتمثل المجال الرئيسي الوحيد الذي تمتلك واشنطن فيه مساحة كافية لوضع أجندة سياسة، في ظل ابتعاد شركائها العرب، بالدفاع والأمن. ويكمن التحدي الذي تواجهه واشنطن، وهو تحدٍ كبير، في تحفيز الشركاء العرب على تجنب التعاون العسكري مع الصين، من دون أن تقدم لهم وعوداً لا يمكنها الوفاء بها، لا سيما اتفاقية دفاع رسمية أو ضمانات أمنية رسمية.

يمكن الولايات المتحدة أن تتفاوض على اتفاقات إطار استراتيجية ذات منفعة متبادلة مع شركاء إقليميين رئيسيين لصياغة المصالح والأولويات والأهداف المشتركة. ومن شأن اتفاقات كهذه، التي تشبه ما أبرمته واشنطن حالياً مع أوكرانيا، أن تسرّع عمليات نقل أسلحة محددة وتزيد تناوب القوات والتدريبات العسكرية المشتركة، ونشر المزيد من المعدات الأميركية ومتابعة المزيد من برامج الاختبار والتطوير والإنتاج التعاونية التي يمكن أن تعيد تنشيط العلاقات الدفاعية وتعالج الرغبة الخليجية المتنامية في الإنتاج المحلي.

في المقابل، يوافق المستفيدون من هذه المكاسب الأميركية على عدم السماح للصين بإنشاء أي نوع من القواعد العسكرية أو المواقع الأمامية على أراضيهم، والتخلي عن أنظمة الأسلحة الصينية الرئيسية، إما من خلال البيع، أو التطوير التعاوني، أو الإنتاج التعاوني (الذي يشمل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، والدفاع الصاروخي، والطائرات المتطورة)، وحماية الأسرار والتكنولوجيا الأميركية وتجنب العضوية الكاملة في المنظمات الأمنية التي تقودها الصين، والابتعاد عن التعاون مع الصين في مجال الطاقة النووية المدنية.

وقد يكون البند الأخير الطلب الأميركي الاصعب لأن واشنطن أخفقت في منع التطور الذي أحرزته إيران في برنامجها النووي. وهذا، إلى جانب إخفاق المحادثات النووية الأميركية – السعودية هو ما دفع السعوديين إلى التفكير بدول أخرى، بينها الصين، كشركاء محتملين في تطوير قدرات للطاقة النووية المدنية.

لا بديل عن دبلوماسية جادة، ومجدداً، متعددة الأطراف بقيادة أميركية لمنع الانتشار النووي في المنطقة، ولكن أيضاً لإبقاء المارد النووي الإيراني في القمقم.

يتمتع كل من الشركاء الإقليميين لواشنطن بحق سيادي في اتباع أي مسار استراتيجي يشعرون بأنه أكثر فائدة لمصالحهم على المدى الطويل. وليس هدف الولايات المتحدة التوبيخ ولا التهديد، وإنما تقديم حجة قائمة على الفرص ومهمة أيضاً، لرسم حدود التساهل الأميركي في ما يتعلق بالعلاقات الدفاعية والأمنية مع الصين. وهذا حق سيادي أميركي أيضاً.

وتشكل المصداقية والموثوقية عاملين أساسيين في خطاب

واشنطن. قد يدرك الشركاء الإقليميون جيداً قيمة العرض الأميركي وتكاليف أو حدود التعاون العسكري مع الصين، لكنهم لا يثقون كثيراً في رغبة واشنطن أو قدرتها على تقديمه. هذا هو الوقت المناسب لإيماءات أميركية جريئة في الشرق الأوسط، ولكن قبل القيام بأي شيء، ستكون هناك حاجة إلى إجماع سياسي داخلي أميركي. ومع ذلك، لا ينبغي قط اعتبار ذلك أمراً مفروغاً منه في البيئة السياسية المشحونة للغاية والمستقطبة في واشنطن.

+ميليسا هورفاث، زميلة بارزة غير مقيمة مع معهد الشرق الأوسط في واشنطن

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى