د. ساري حنفي عالم اجتماع فلسطيني، مجّد ومثابر، له العديد من الكتب والدراسات، أستاذ مشارك في علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، ورئيس تحرير المجلة العربية لعلم الاجتماع “إضافات”. كان مدير للمركز الفلسطيني للّاجئين والشتات، وهو متخصص في سوسيولوجيا الهجرة واللاجئين والسوسيولوجيا السياسية والعدالة الانتقالية.
أليس الصبح بقريب؛ عنوان كتاب الطاهر بن عاشور الذي كان كتبه في خمسينيات القرن الماضي. إن استحضار ذات العنوان من د.ساري حنفي بعد مضي سبعة عقود يؤكد أن مشروع النهضة العربية، والتزاوج بين الديني والعلمي عند العرب مازال مطلبا مشروعا وملحّا.
يُقسم الكتاب إلى مقدمة وفصول وخاتمة.
أولا: المقدمة:
يبدأ د.ساري كتابه بالتحدث ذاتيا عن نفسه ونشأته وعلاقاته، وأن البحث في الشأن الديني والإجتماعي والعلمي كان جزء من اهتمامه وهواجسه ومتابعته الدائمة منذ بداية نضجه المعرفي ومن ثمّ دراسته الاكاديمية. فقد لفت نظره واقع التدريس الشرعي الإسلامي وتركيزه على الجانب التعبدي الطقوسي، وتحوله لثقافة تقليدية متوارثة، وإغراقه في التاريخ والعودة للماضي والسلف الصالح. مع غياب شبه كامل للربط بين جوانب العلوم المعرفية الاخرى من سياسة وعلم نفس واجتماع وغيره مع الشرع الاسلامي. كما لاحظ غياب الربط بين الظواهر الاجتماعية والجانب الاخلاقي والديني. كما ركز على بعض الجامعات التي كان لها دور تاريخي في الحفاظ على العلم الشرعي وتطويره نسبيا؛ مثل الزيتونة التونسية والقرويين المغربية والجامع الأزهر المصري. كما أكّد ادوار بعض الجامعات الاسلامية في أوروبا مثل فرنسا، كما أشار إلى وجود اتجاهات في دراسة العلوم الشرعية: هي
١ . فقه لفظي واستدلال تقليدي.
٢ . فقه نصي يركز على ظاهر لفظ القرآن الكريم ويؤدي إلى مواقف سلفية متشددة .
٣ . فقه استدلالي يستند على نهج مقاصد الشريعة.
لكل ذلك كان الخوض في ضرورة الربط بين العلم الشرعي والعلوم الاجتماعية عموما، حاجة ملحّة معرفيا ومجتمعيا وعلى كل المستويات. لقد تفرغ د. ساري لهذا الموضوع ومتابعته خمس سنوات، بحوثا ميدانية وقراءة وحوارا، مركزا على المدارس والجامعات الشرعية، والخوض عميقا في كثير من البلاد العربية، مسلطا الضوء عليها، وكاشفا لعيوبها وباحثا في الحلول والمطالب المستقبلية ليصبح العلم الشرعي مواكبا للعلوم و متجاوزا نقصه و متفاعلا مع بقية العلوم الانسانية.
ثانيا: الحقل الديني العربي:
ركّز د.ساري في هذا الفصل على السمات العامة للتدين في البلاد العربية عموما.
١ – التدين وعلاقته بالاجتماعي والسياسي.
أراد القول هنا أن شكل التدين في مجتمعنا العربي ينعكس على كل المواقف الحياتية لأغلب شعوبنا العربية من كل الجوانب، وهذا يعني أن شكل التدين قد يؤدي لمواقف متنوعة من واقع الحياة، بدء من السلبية الدينية عندما يجد البعض أن التدين بعيد زمانا ومضمونا عن هواجس الناس واشكالات حياتها. وقد ينخرط البعض الاخر بالتدين المجتمعي السلفي او الصوفي او التحزب السياسي الديني وقد ينخرط في حركات دينية متطرفة تصل إلى مرحلة العنف السياسي، حضورا للدين ومواجهة مع ظروف الحياة المعيشية القاسية، والسياسية الاستبدادية القمعية. هذا واقع الحال في بلادنا العربية.
٢ – الفتاوي:
هناك الكثير من المسلمين الذين يرون أن شرعية اي تصرف لهم يجب ان تستند إلى فتوى من مرجع ديني يعتمدها وتسمى إجابته عن تساؤلات المسلمين ممن يتبعونه فتاوى لكل مستجدات الحياة، لذلك كانت الفتاوى تعبير عن شكل الارتباط بين المسلم ورجل الدين الذي يعتمده موجها له، وهذا يعني أن هناك شبكة هيمنة وتوجيه اجتماعية متحققة عبر آلية الفتوى وحصولها، ومن هنا سيكون لنوع الفتوى وصحتها تعبيرها عن جوهر الإسلام ومقاصده، او بعدها عن ذلك، يحدد ذلك واقع سلوك الكثير في حياتهم سلبا وايجابا، اضافة الى كون الكثير ممن يأخذ الفتوى لا يحكم عقله في الفتوى المعطاة له، وهذه ازمة غياب المحاكمة العقلية والدينية التي تجعل حالة الفتوى تحوي في داخلها الكثير من احتمال الخطأ أو الصواب، التي تنتقل تلقائيا للمسلم المتلقي للفتوى.
٣ – التجديد الإسلامي من الداخل:
أثار د.ساري مشكلة غياب التجديد والاجتهاد في الشرع الإسلامي، فأغلب المطروح يعود إلى قرون مضت ومراجع دينية سالفة، استجدت على الحياة الكثير من المتغيرات التي تحتاج لاجوبة تنهل من الإسلام وتلتزم تعاليمه. وهذا دفع البعض ممن رأى ضرورة التجديد من داخل الإسلام، وضرورة ربطه مع العلوم الإجتماعية الحديثة ، وذكر بعض المراكز النموذجية التي تعتبر بحق منارات فكرية تنويرية تربط بين الإسلام والعلوم الاجتماعية والعصر. منها:
٠ الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
٠ مركز نماء للبحوث والدراسات.
٠ مؤمنون بلا حدود.
٠ الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين.
تعتبر هذه المراكز البحثية وما تنتجه سواء بالتجديد داخل الإسلام، و إضاءة تجارب الآخرين في التجديد في الغرب، و طرح العلوم الاجتماعية وربطها بالدين الاسلامي، تعتبر رافعة فكرية مهمة تعيد تفعيل الدين الإسلامي في إنساننا ومجتمعنا ليكون طاقة روحية إيجابية ورافعة اجتماعية لصناعة الحياة الأفضل.
٤ – خطب الجمعة بين القدسيّة والتقليديّة:
يركز د.ساري على واقع التلقين الديني ودور المشيخية والمراكز الدينية وبعض الجوامع وكليات الشريعة، لتصنع عقلا دينيا محددا ومؤطرا عند اغلب جمهور المسلمين، هذا العقل يعيش بين مطرقة القدسية للإسلام والسلف الصالح، وسندان التتبع التقليدي لما يطرحه رجال الدين المتصدرين للمشهد بما هم عليه من نقص وخطأ واختزال في الفهم الديني، وبما ينعكس مجتمعيا على الناس بظهور تدين تواكلي انتظاري جبري مستكين، وهذا ما يجعله متقبلا واقعه الاجتماعي والسياسي بما فيه من تخلف وقهر وتخلف، إن للمشايخ وخطبهم الدينية دور كبير في ذلك، هذا إذا عرفنا أن أغلب الخطب الدينية معتمدة من السلطة واجهزتها الامنية او موغلة في الماضي بحيث لا علاقة لها بواقع حياة الناس.
٥ – أسلمة المعرفة:
ركز د.ساري هنا على ضرورة الربط بين الإسلام والمعرفة الاجتماعية الحديثة عموما، وتابع الجهود الكثيرة في محاولة جعل العلوم الاجتماعية ضمن مظلة الإسلام، و هذا ما عملت عليه الكثير من الجامعات وخاصة في ماليزيا، في العلوم الاجتماعية والسياسة والفلسفة وغيرها. كما أكد على أن بعض هذه المحاولات لا تزيد عن ترقيع بين موضوعات مختلفة في الجوهر والمضمون.
٦ – الإشكاليات في الحقل الديني:
حدد د.ساري هنا مواصفات الحقل الديني العربي عموما؛ بأنها اختزالية في قراءتها لواقع اشكالياتها المعرفية والمجتمعية، كما أنها تعيش انفصام بين ضوابطها المعيارية المعتمدة على ثباتها، وواقع المتغيرات الحياتية التي تستدعي الاجوبة الدينية الإجتهادية في عالم متغير و متسارع وفي عصر تقدم علمي في كل مجالات الحياة. هناك مشكلة في تحديد الثابت والمتحول دينيا ومجتمعيا، اشكالية فقه الشريعة بصفته منظومة مضبوطة وبين امكانية تطبيقها واقعيا ومجتمعيا، مرض الترقيعية الذي لا يحل مشكلة انغراس الدين بشكل صحيح بالواقع بل يزيد تأزّمه. وكذلك عدم النظر إلى التطور في كل مجالات العلوم بحيث طالت كل جوانب حياة الإنسان، وغياب التزاوج والتلاقح بينها وبين الشرع الإسلامي.
٧ – استنتاجات، البديل فهم الفصل- الوصل.
في ختام الفصل سيتحدث د.ساري عن المخرج المقترح من قبله والذي يعتمده آخرون أيضا، وهو أنه علينا أن ننضج اعادة قراءتنا للإسلام في هذا العصر بحيث يتجاوز كل السلبيات التي تراكمت عليه عبر العصور، وأن ندرك التطورات في العلوم الإنسانية كافة، وأن ننجز الفصل بينها عندما يتطلب ذلك. حيث للعلوم الشرعية حقلها ومجالها، وللعلوم الإنسانية حقلها ومجالها. وننجز الربط بينها عندما يكون من المطلوب والضروري ذلك، لإنجاز حياة يتكامل فيها الديني الروحي مع الحياتي.