الغارات الجوية أثرت في ترجيح ميزان القوة في هذه المعارك لصالح الجيش السوداني. يبدو أن معارك الخرطوم قد دخلت منعطفاً تصعيدياً جديداً وتطوراً نوعياً أكثر خطورة باستخدام قوات الدعم السريع للمرة الأولى منذ اندلاع القتال الصواريخ المضادة للطيران التي انطلقت مساء الإثنين 17 أبريل (نيسان)، في مواجهة الطلعات الجوية لسلاح الطيران السوداني التي تكثف أزيزها في سماء الخرطوم المشبعة بغيوم الدخان الأسود المتصاعد من حرائق عدة مواقع حيوية بسبب القصف المدفعي الثقيل.
دوي المضادات
وانطلقت بعد آذان المغرب وعقب الإفطار مباشرة المضادات الجوية بواسطة قوات الدعم السريع في مواجهة غارات جوية على بعض مواقعها في أحياء شرق النيل، وكذلك في منطقة أم درمان جهة حي الملازمين المجاور لمباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون.
منذ اليوم الأول استهدف الطيران الحربي معسكرات الدعم السريع في كل مواقعها بالخرطوم فضلاً عن برج الدعم السريع المخصص للاتصالات. وأعلن الجيش السوداني قيام القوات الجوية بعمليات نوعية لـ “حسم التصرفات غير المسؤولة” لهذه القوات.
ترجيح ميداني
أثرت الغارات الجوية بشكل كبير في ترجيح ميزان القوة في هذه المعارك لصالح الجيش السوداني، وفي الأصل، الإشكالية بدأت في دخول قوات الدعم السريع إلى منطقة مروي، كون هذه المنطقة تتوفر فيها مقاتلات جوية بهدف تحييد هذه القاعدة العسكرية التي يمكن أن تحسم المعارك بسرعة.
منذ اليوم الأول للموجهات الدامية، استخدم الجيش السوداني الطيران الحربي في شن ضربات جوية نوعية، كما وصفها، على معسكرات للدعم السريع في أطراف ولاية الخرطوم وتمكن من بسط سيطرته عليها جميعاً، وفق بياناته.
وأمكن سماع دوي إطلاق النار والانفجارات في مناطق عدة بالخرطوم، حيث أظهرت لقطات تصاعد الدخان من مناطق عدة وأظهرت مقاطع مصورة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي طائرات عسكرية تحلق على ارتفاع قليل فوق المدينة، وبدا أن واحدة منها على الأقل تطلق قذيفة، بحسب “رويترز”.
لكن ما هو دور سلاح الطيران في حسم هذه المعارك التي يتركز ثقلها في وسط الخرطوم وتتخذ نمط حرب المدن والشوارع؟ وأي فرق وتحول في مجريات القتال سيحدثه سلاح الجو في ميدان القتال وما المخاطر والمحاذير المترتبة على ذلك؟
فعالية جوية
في السياق، أكد المحلل الأمني في مركز الدراسات الدولية اللواء أمين إسماعيل مجذوب في حديثه لـ “اندبندنت عربية” أن “دخول سلاح الجو السوداني المعركة كان باكراً منذ اللحظات الأولى للاشتباكات وأسهم بفاعلية في قصف وتدمير مواقع ومعسكرات ومقار السيطرة والقيادة التي كانت تتحصن فيها قوات الدعم السريع”.
وأوضح أن “استخدام طائرات الأباتشي والمسيرات يبدو فعالاً في تدمير عدد كبير جداً من المقار والمباني التي كان يتحصن فيها الدعم السريع، فضلاً عن ردع ومطاردة المركبات القتالية لها، ما يمكن أن يوصف بأنها كانت نتائج جيدة لتدخل سلاح الطيران”.
وأضاف “على الرغم من أن استخدام سلاح الطيران كان في بدايته ضمن مناطق سكنية وفي الشوارع، لكن خروج أغلب القوات بعد ذلك إلى المناطق الطرفية، جعل استهدافها من الجو أكثر سهولة”، منوهاً أن “الحرب تركزت المواجهات فيها في القتال بالعربات المسلحة المتحركة كما في حرب المدن والشوارع دائماً”.
استمرار الحسم
وتوقع مجذوب أن يستمر وجود الطيران الحربي ضمن المعارك بنفس فعاليته لحسم أي تهديدات جدية قد تطرأ على المشهد القتالي وفق تقديرات الجيش، في سياق حملته لحسم المعارك الدائرة حتى اليوم.
وأكد المحلل الأمني صعوبة إمكانية التكهن بمآلات ونتائج حرب الشوارع التي قد يلجأ فيها كل من الطرفين إلى استخدام أسلحة نوعية جديدة أو تكتيكات مغايرة، ولعل تطورات مسار المعارك هي التي ستحدد طريقة الجيش في فرض الأمن والاستقرار.
وأقر أن استخدام المقاتلات الحربية المختلفة فيه خطورة قد تتسبب في خسائر كبيرة في المناطق السكنية بالنسبة لطبيعة حرب المدن والشوارع على المدنيين والبنية التحتية، معتبراً أن الضربات الجوية يتم اللجوء إليها كسلاح أخير لحسم تهديدات حساسة على مواقع حيوية أو سيادية، لكن فعاليته تتجلى بشكل أفضل في المناطق المفتوحة والمواقع الدفاعية وكذلك في الطرق.
“نكهة الثأر”
عل صعيد متصل، وصف مجذوب الحرب الدائرة الآن في الخرطوم وعدد من المناطق بالولايات بين الجيش وقوات الدعم السريع بأنها “لا تخلو من نكهة الثأر بين قيادات عسكرية وهو ما سيدخل البلاد في صراع قد لا تكون نهايته قريبة الأمد، بخاصة بعد أن بدأت في التحول إلى حرب مدن وشوارع لا تبقي ولا تذر، ومن العقل والحكمة أن تتوقف فوراً وبسرعة، باعتبار أن مآلاتها تنذر بتدخل عناصر أو أطراف أخرى سواء من داخل أو خارج السودان مما قد يزيد من طول أمد الحرب خاصة إذا تم فتح خطوط إمداد من الداخل أو الخارج لقوات الدعم السريع”.
ولفت مجذوب إلى أنه من الإشكاليات المتوقعة أن “يعمد الدعم السريع تحت الضغط العسكري إلى الانسحاب والانتقال إلى دارفور مرة أخرى ليتحول إلى تمرد جديد احتجاجاً على إبعاده من المشهد السياسي في البلاد بمثل هذه الطريقة، مشيراً إلى “ضرورة عدم التعويل على الخارج في التوصل إلى حلول بل بجلوس السودانيين جميعاً بما فيهم الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام لمعالجة جذور أزمة دمج القوات في الجيش”.
مكاسب الجيش
بينما يستمر القتال العنيف في عدة مناطق وسط العاصمة الخرطوم، تكشف بيانات الجيش عن تدمير واستلام معسكرات الدعم السريع في مناطق عديدة من الولاية في كل من الصالحة غرب أم درمان، طيبة الحسناب، كرري، الجيلي، حي النصر، جبل سركاب، المظلات بحري، كافوري ببحري، الري المصري، فضلاً عن مكاتبه بوسط الخرطوم ورئاسة هيئة العمليات في الرياض وعدد من المقرات في الولايات المختلفة.
ولم تستبعد مصادر مقربة أن تكون مجموعات من قوات الدعم السريع قد أخلت بعض مقراتها في الولايات لتتوجه بثقلها نحو ولاية الخرطوم للمشاركة في المعارك وتعزيز ما تبقى من قواتها هناك، حيث لا يزال القتال يتركز على محيط القيادة العامة للجيش ومطار الخرطوم الدولي والقصر (الجمهوري) الرئاسي على وجه الخصوص.
وفيما يزداد الوضع في الخرطوم مأساوية، لا تزال محاولات الوساطة والتهدئة المحلية منها والدولية والإقليمية والأممية التي أعلن عنها وزراء مصر وجنوب السودان والسعودية والإمارات وروسيا للخارجية تتعثر في إقناع قادة الجيش بقبول التفاوض في المرحلة الراهنة، كما تتعثر أيضاً مساعي بعثة الأمم المتحدة في تواصلها مع الطرفين في إقرار هدنة إنسانية دائمة لتقديم العون الإنساني من الساعة الرابعة إلى السابعة مساء يومياً.
إلى ذلك طالبت المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار والالتزام بحماية المدنيين والمنشآت المدنية، وضمان وصول الخدمات الأساسية بما في ذلك المياه الصالحة للشرب والغذاء للمواطنين.
بارقة أمل
وقال بيان للمفوضية، إنها ظلت تتابع مجريات الأحداث في البلاد منذ 15 أبريل وحتى الآن، معربة عن أسفها لوقوع عمليات عسكرية داخل الخرطوم وبعض مدن الولايات الأخرى.
في أول بارقة أمل منذ اندلاع القتال، كشف فضل الله برمة ناصر، رئيس حزب الأمة القومي المكلف، على صفحة الحزب الرسمية على فيسبوك، تلقيهم تأكيدات من كل من الفريق عبدالفتاح البرهان وعضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي بالاستعداد لإيقاف الحرب والجلوس للحوار والتفاوض، من دون أن يحدد أي ظروف أو شروط أو زمان ومكان ذلك التفاوض المقترح.
اقتراب الحسم
وفي أحدث بياناته أكد الناطق الرسمي باسم الجيش التمسك بكل المقار والاقتراب كثيراً من لحظة الحسم والانتقال إلى المرحلة الأخيرة من خطة العملية الخاصة، مؤكداً حرص على تضييق التعامل مع قوات الدعم السريع قدر الإمكان لتفادي أي خسائر بين المدنيين.
وأوضح أن تدابير المعركة تجري كما هو مخطط لها طبقاً لقواعد الاشتباك والقانون الدولي الإنساني متهماً الدعم السريع بالحرص على الاشتباك قرب المناطق المأهولة وعدم الاهتمام بسلامة السكان.
وكانت القوات المسلحة قد أشارت إلى نشر قوات كبيرة من الجيش وجهاز المخابرات العامة والاحتياطي المركزي لإجراء عمليات مسح بري في ولاية الخرطوم بعد نجاح عملية الحسم الجوية التي استهدفت نقاط تواجد قوات الدعم السريع في كل أرجاء الولاية فيما تواصل القوات الجوية مع بقية القوات إكمال عملية الحسم.
عمليات التأمين
وتحدث موجز الناطق الرسمي للجيش عن تطورات الأحداث يوم الاثنين مشيراً إلى نجاح قوات المرحلة الأولي في امتصاص الصدمة وتأمين الموقف، إضافة إلى أن الظروف مهيأة للانتقال إلى المرحلة التالية بقوات جديدة، بعد أن تكاملت كل المعلومات المطلوبة اللازمة للانطلاق لتطوير الموقف.
ووصف اشتباكات يوم الإثنين بأنها كانت محدودة جداً وانحصرت في تأمين محيط منطقة القيادة العامة ومحيط المطار بعد أن استسلم عدد كبير من أفراد الدعم السريع وسلموا أنفسهم للمناطق والفرق داخل وخارج العاصمة.
ولفت الموجز إلى أن نطاق عمليات التأمين سيتسع مما يتطلب من المواطنين التزام الحيطة والحذر وتقييد التحركات.
المصدر: اندبندنت عربية