حققت موسكو، أول من أمس الثلاثاء، أول خرق سياسي بين النظام السوري والجانب التركي، حيث جمعت مسؤولين من الجانبين على طاولة واحدة في تمهيد للقاءات على مستوى أعلى، بالتزامن مع ازدياد وتيرة التقارب العربي مع هذا النظام. في موازاة ذلك، تبدو المعارضة السورية خارج هذا المشهد تماماً، وتكتفي بإصدار البيانات التي تطالب بعدم التطبيع مع “المجرم”، في إشارة إلى النظام ورئيسه بشار الأسد، وهي اليوم بلا أوراق ضغط خصوصاً مع التبدل الكبير في الموقفين التركي والسعودي.
لقاء موسكو الرباعي
واتفق نواب وزراء الخارجية في روسيا وتركيا وإيران والنظام، ميخائيل بوغدانوف وبوراق أكجابار وعلي أصغر حاجي وأيمن سوسان، على “مواصلة الاتصالات” بعد اجتماع غير مسبوق عقد في موسكو، التي تدفع منذ أواخر 2022 باتجاه حصول تقارب بين أنقرة ودمشق التي رفعت سقف مطالبها من الجانب التركي. ويطالب النظام بانسحاب الجيش التركي من الشمال السوري وقطع أي دعم لفصائل المعارضة المرتبطة به، ويعتبر الوجود التركي “احتلالاً” بينما يرفض الأتراك هذا التوصيف، معتبرين وجودهم في شمال سورية يهدف إلى محاربة الإرهاب.
ونقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام عن مصادر “متابعة” للاجتماع الرباعي، قولها إن “موسكو طالبت برفع الحوار بين الأطراف إلى مستوى وزراء خارجية الدول الأربع، واقترحت موعداً لهذا الاجتماع يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين، معتبرة أن مبدأ الحوار كفيل بإزالة العقبات أمام عودة العلاقات السورية التركية”.
من جهته، قال مصدر دبلوماسي تركي لـ”العربي الجديد”، إن الاجتماع لم يخلص إلى النتائج المرجوة منه، معتبراً أن ذلك طبيعي بسبب ظروف المنطقة والعالم، ونظراً للظروف المحلية والإقليمية. ولفت إلى أن “الهدف كان التحضير لاجتماع وزراء الخارجية بشكل رباعي حيث لم يتم حلّ كثير من النقاط ومن الواضح أن النقاط المطروحة على جدول الأعمال ستبقى أمام طاولة وزراء الخارجية في حال عدم حصول أي توافقات وخرق قبيل اجتماعهم”، بحسب رأيه.
وأضاف المصدر أن “تركيا أكدت مجدداً على موقفها بأنها مع وحدة الأراضي السورية ومكافحة الإرهابيين والانفصاليين وعودة اللاجئين بشكل آمن ومشرّف وتهيئة الظروف المناسبة لعودتهم وتحقيق الانتقال السياسي الذي يشمل تطبيق القرار الأممي 2254 وكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات نزيهة وتشكيل حكومة جديدة قادرة على السيطرة على جميع تراب وحدود البلاد”.
اختلافات بين التقارب التركي والعربي مع النظام
وكانت أنقرة دشّنت تقارباً مع النظام بدفع روسي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجلى في اجتماع وزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام، سيرغي شويغو وخلوصي أكار وعلي محمود عباس، في موسكو (28 ديسمبر)، وهو اللقاء الرسمي الأول على المستوى الوزاري بين الطرفين منذ 2011.
وكان من المتوقع أن يأخذ هذا التقارب زخماً أكبر، إلا أن الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا بداية فبراير/شباط الماضي أبطأ وتيرته.
ووصف المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، لقاء موسكو الرباعي، بـ”الخطوة الإيجابية”، مضيفاً أن “الحاجز الأول كُسر بين الجانبين”. وأعرب عن اعتقاده بأن هناك خلافاً بين أنقرة ودمشق وصفه بـ”الكبير”، لكنه اعتبر أن “هذه اللقاءات جيّدة”. وفيما توقع “انعقاد جلسات كثيرة بين الجانبين” اعتبر أن “علينا انتظار نتائج الانتخابات التركية المقررة في مايو/أيار المقبل”.
في غضون ذلك، ارتفعت وتيرة تقارب دول عربية مع النظام السوري الذي يشعر بأنه بدأ بفكّ طوق العزلة المفروض عليه منذ 2011، مستفيداً من اتفاق سعودي – إيراني يبدو أن القضية السورية تقع في صلبه.
واجتمع أول من أمس، سفراء إيران والعراق والسعودية والنظام السوري في سلطنة عمان، علي نجفي وقيس سعد العامري وعبد الله العنزي وإدريس ميا، في مؤشر جديد على أن الرياض ماضية في طريق تقارب مع دمشق، قد يُتوّج أواخر إبريل/نيسان الحالي بعودة العلاقات الدبلوماسية. ونقلت وسائل إعلام تابعة للنظام عن سفيره في عُمان إدريس ميا، وصفه اللقاء بـ”الأخوي”، مشيراً إلى أن السفير السعودي قال خلال اللقاء إن “قوة المملكة العربية السعودية تشكل قوة لسورية وقوة للعراق، والعكس صحيح”.
وفي السياق، وجّه الرئيس التونسي قيس سعيّد الثلاثاء تعليمات لوزير الشؤون الخارجية نبيل عمار، بالشروع في إجراءات لتعيين سفير جديد في دمشق.
وكانت الجامعة العربية علّقت عضوية النظام أواخر 2011 بسبب رفضه التعاون مع الجهود التي كانت ترمي إلى تطويق الأحداث الساخنة التي شهدتها سورية في ذلك العام بسبب اندلاع ثورة شعبية واجهها النظام بوحشية. وعلى الرغم من أن الأسباب التي دعت الجامعة إلى اتخاذ هذا القرار لم تتغير، إلا أن الاندفاع العربي تجاه النظام لا يزال مستمراً، من دون أي تنازل من الأخير وخصوصاً لجهة الجلوس مع المعارضة السورية على أرضية القرار الدولي 2254 للتوصل إلى حلول سياسية للقضية السورية.
وتشير المعطيات والوقائع السياسية إلى أن المعارضة السورية خارج المشهد تماماً، وخصوصاً أنها كانت تعوّل على موقفين تركي وسعودي رافضين لأي تقارب مع النظام قبل التوصل إلى حلّ سياسي سوري. وتكتفي المعارضة السورية في الوقت الراهن بإصدار بيانات تطالب بـ”عدم التطبيع مع نظام الأسد”، وفق بيان صدر عن الائتلاف الوطني السوري الإثنين الماضي. ودعا البيان إلى “العمل الجاد على محاسبة النظام وتحقيق الانتقال السياسي المنصوص عليه في القرارات الدولية”، كما دعا الدول إلى عدم مكافأة النظام بـ”فكّ العزلة عنه بعدما ارتكب آلاف الجرائم وعطّل كل المساعي السياسية”. وأكد الائتلاف أن “أسباب طرد النظام المجرم من جامعة الدول العربية وفرض العزلة الدولية عليه لا تزال قائمة”.
وفقدت المعارضة منذ التدخل الروسي لصالح النظام في 2015 أغلب الأراضي التي كانت تحت سيطرتها، ما أضعف موقفها السياسي، فضلاً عن انقسامات داخل هذه المعارضة التي فشلت في تكوين جسم سياسي واحد بسبب تدخلات عربية وإقليمية أدّت إلى تشظيها ما صبّ في صالح النظام.
وتعليقاً على تطورات المشهد السياسي السوري، رأى الباحث في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المعارضة السورية “غير موجودة في سياق التقارب العربي مع النظام”، مضيفاً أنها “لم تأل جهداً في سبيل التقارب بينها وبين الدول العربية وخصوصاً مع السعودية، وإثر تولي الشيخ سالم المسلط رئاسة الائتلاف الوطني السوري، لكن هذه الدول لم تقبل الانفتاح على المعارضة لأسباب داخلية”. وأعرب عن اعتقاده بأن التقارب التركي مع النظام “يختلف بشكل كبير عن التقارب العربي”، مضيفاً أن “تقارب الدول معلق حتى اللحظة بسبب رفض دول عربية دعوة الأسد إلى القمة العربية (المقبلة المقررة في السعودية في مايو)”. ولفت إلى أنه “حتى وإن دُعي النظام إلى القمة فهي خطوة تجريبية”.
أما على المقلب التركي، فأشار حوراني إلى أن “تصريحات كبار المسؤولين الأتراك تؤكد أن التقارب مع النظام لن يكون على حساب المعارضة”، مضيفاً أن “أنقرة تفاوض النظام وجيشها موجود داخل سورية، فضلاً عن أنها درّبت ورفعت جاهزية فصائل المعارضة السورية في الشمال وهي اليوم تنفذ عمليات ضد قوات النظام في شمال غربي سورية”. واعتبر أن “المعارضة السورية موجودة في مسار التقارب التركي مع النظام، لذا لم تحقق الاجتماعات التركية مع الروس والإيرانيين وحتى النظام أي تقدم بسبب إصرار الجانب التركي على إبداء النظام جدية لتحقيق حل سياسي في سورية”.
المصدر: العربي الجديد