باتت الخطوات المتعلقة بـ”عودة سوريا إلى الحضن العربي” أكثر ما يتصدر الأخبار والتطورات الخاصة بالملف السوري، وما بين تحركات أكدتها السعودية رسمياً، وأخرى ترجمتها دولة الإمارات لأكثر من مرة، وما بينهما من “مبادرة أردنية” وزيارة مصرية تطلق تساؤلات بشأن ما إذا كانت هذه الجملة من المواقف تنطلق بسياق جماعي أم بشكل فردي.
ولأكثر من مرة أعلن الأردن عن “مبادرة عربية للحل في سوريا”، وبعدما رددها لأول مرة وزير الخارجية، أيمن الصفدي، في أكتوبر العام الماضي، عاد ليكررها، قبل أيام، في أثناء لقائه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، موضحا أنها “تتمثل بقيام العرب بحوار سياسي مع النظام يستهدف حل الأزمة، ومعالجة تداعياتها الأمنية والسياسية والإنسانية”.
ولم يحدد الصفدي ما إذا كانت المبادرة تشمل الخطوات التي أقدمت عليها السعودية مؤخرا، وقبلها الإمارات والبحرين ومصر وسلطنة عمان، فيما أشار حسب وكالة “عمون” إلى أن الأمم المتحدة مطلعة على تفاصيلها، وأن “التنسيق مع العرب حول موعد إطلاقها وآليات عملها مستمر”.
في غضون ذلك لا يعرف أيضا السياق الذي تندرج فيه خطوات الدول العربية تجاه النظام السوري والمحددات القائمة عليها والأسباب والدوافع، ولاسيما من جانب السعودية، التي أكدت رسميا، قبل أيام، أنها تجري مباحثات مع دمشق من أجل استئناف الخدمات القنصلية، وهو أول اتصال علني منذ انطلاق الثورة السورية.
وبعدما كانت إيران حجز عثرة أمام إعادة علاقات سوريا بمحيطها العربي، وهو ما أشار إليه مسؤولون سعوديون في وقت سابق، كان لافتا خلال الأسابيع الماضية غياب ذكرها على لسانهم، مؤكدين على “جانبين سوريين فقط يتطلبان الحل”، الأول: يتعلق بعودة اللاجئين، والثاني ضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضريين من كارثة الزلزال.
وشمل التأكيد على هذه الجوانب إلى جانب السعودية دولة الإمارات التي استقبلت رأس النظام السوري، بشار الأسد، مع زوجته الأسبوع الماضي، ومصر التي اتصل رئيسها، عبد الفتاح السيسي، مع الأخير وأجرى وزير خارجيته زيارة إلى دمشق، بعد كارثة الزلزال.
وفي حين تتسلط الأضواء على “وجود إجماع عربي لعودة سوريا” وإعادة العلاقات مع النظام بشكل مختلف عما كان سائدا خلال السنوات السابقة، ما تزال التكهنات تثار بشأن الموقف الخاص بقطر، وعما إذا كانت ستنضم إلى الركب العربي أم ستشذّ عنه.
فردية أم جماعية؟
فيما يتعلق بآخر وأبرز الدول العربية التي أعلنت عن أولى خطواتها الدبلوماسية تجاه النظام السوري يقول أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الإمام بالسعودية، الدكتور عبد الله العساف، إن وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، سبق وأن أشار إلى “وجود وجهة نظر عربية تبلورت وتكونت بضرورة الحوار مع سوريا”.
ومع ذلك يوضح العساف لموقع “الحرة” أن “هذا الإجماع منفرد، أي تكوّن لدى كل دولة على حدى”، وأنه “لو أنه جماعيا لتبنته الجامعة العربية”.
وتقود وجهة نظر أستاذ الإعلام السياسي إلى أنه لا يوجد تنسيق كامل بين الدول العربية للبدء بالعلاقة مع النظام السوري، ولا وجود لجدول أعمال وتنسيق بينها.
ويضيف العساف أن ما يحصل في الوقت الحالي يرتبط بسلسلة من المؤشرات والمعطيات، و”أجواء التصالحات التي سادت في المنطقة مع إيران ومصر وتركيا والإمارات وسوريا”، وصولا إلى كارثة الزلزال المدمّر، وما تبعها من تصريحات أبرزها تأكيد الوزير بن فرحان عن ضرورة “الانفتاح على دمشق”.
من جهته اعتبر الخبير الأمني والاستراتيجي الأردني، عمر الرداد، أن “هناك إجماعا عربيا على عودة النظام السوري إلى الجامعة، وفق مقاربة بأن عودة سوريا للحضن العربي سيجعلها بعيدة عن إيران”.
لكن هذا “الإجماع” حسب ما يقول الرداد لموقع “الحرة”: “ليس متخذاً ضمن قرار جماعي وتنسيق أدوار”.
ويوضح أنه “في الأصل كانت الدول العربية على عدة مواقف خلال السنوات الماضية، ما بين معارضة ومتحفظة ومندفعة لاستعادة سوريا إلى الحضن العربي”، لكن ومع التطورات في أوكرانيا وتداعياتها على المشهد الدولي والمشهد الإقليمي “بات لها مرجعيات مختلفة”.
ويقول الرداد: “الآن لكل دولة ربما تنسيق على مستوى ثنائي وثلاثي، وليس شاملا، رغم أنه يصب في تحقيق الهدف النهائي في إعادة بناء العلاقة مع النظام السوري”.
ويضيف أن “مقاربة الأردن تتعلق بأنه يمكن إعادة النظام للحضن العربي بشكل متدرج، وكان الملك قد طرحها في البيت الأبيض العام الماضي، لكن على ما يبدو أن واشنطن لم تقدم دعما كافيا لها، فيما أتاحت لها الفرصة للتطبيق”.
ويوضح الرداد أن “الأردن ينسق بخصوص ذلك ربما مع الإمارات في إطار العلاقة الخاصة، ومع مصر”، بينما تأتي خطوات السعودية بشكل متأخر، ومرتبطة بما تم الاتفاق عليه مع إيران.
“سلاح الحوار”
والنظام السوري معزول إلى حد بعيد عن بقية العالم العربي في أعقاب الحملة الدامية التي شنها على الاحتجاجات المناهضة لحكم بشار الأسد في 2011.
وعلى إثر ذلك قبل 12 عاما علّقت الجامعة العربية عضوية سوريا، في وقت سحبت العديد من الدول العربية مبعوثيها من دمشق، على رأسها السعودية.
لكن، وفي أعقاب الزلزال المدمّر استفاد النظام السوري من تدفق الدعم من الدول العربية، فيما كان حريصا على تقديم نفسه على أنه يتمتع بالشرعية الدولية، وسلط الضوء على جميع رسائل التعازي التي تلقاها من قادة العالم جراء الكارثة.
ومن المنتظر انعقاد القمة العربية في دورتها الـ32، في السعودية، في 19 من أيار المقبل، حسب ما أعلن الأمين العام المساعد المشرف على شؤون مجلس الجامعة العربية، حسام زكي.
وصرّح، الأحد، أن “تحديد الموعد جاء بعد مشاورات أجراها الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، مع الحكومة السعودية، والتي رحبت بعقدها في التاريخ المذكور”.
ولا يعرف ما إذا كان النظام السوري سيكون حاضرا في القمة المرتقبة، ولاسيما في ظل الحديث عن زيارة قد يجريها وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، بعد عيد الفطر، وفق ما ذكرت وسائل إعلام روسية.
لكن ووفق تقدير أستاذ الإعلام السعودي، عبد الله العساف “إن لم تعد سوريا في الدورة المرتقبة ربما ستكون حاضرة في الدورة التالية. بالتالي سنرى عقد الجامعة العربية قد اكتمل، وقد استفادت من الدروس السابقة”.
ومن وجهة نظر الرياض يقول العساف: “يجب أن يكون هناك حوار مع دمشق، وأن لا تترك كما كانت في السابق، لأنه خلال العقد الماضي رأينا 3 دول غير عربية تتحكم بالمصير السوري، سواء تركيا أو إيران أو روسيا”.
ويضيف: “مضى أكثر من عقد من الزمان والحرب دائرة بين الحكومة والشعب، وفي اعتقادي لم ينتصر أحد على أحد والجميع خاسر إذا استمر في هذا النهج”.
وبذلك “يجب الانتقال من حوار السلاح إلى سلاح الحوار، وهذا هو الأنفع لسوريا والشعب العربي السوري وهوية البلاد وعروبتها ووحدتها وتقليل التدخلات الأجنبية في سوريا”، حسب تعبيره.
ويشير العساف إلى أن “الحل السياسي في سوريا سيكون صاحب الأولوية”، وأن “هذه المرحلة قد تكون بمشاركة سعودية صينية إيرانية روسية، بعيدا عن قرار 2254 وجنيف 1 و 2 و 3 وتفاهمات أستانة”.
و”ربما ستعيد المقاربات الجديدة والرباعية الجديدة الأمور إلى نصابها ويصبح الحل السياسي هو سيد الموقف خلال المرحلة المقبلة”، وفق ذات المتحدث.
لكن الخبير الأمني والاستراتيجي الرداد يرى أنه لا يمكن الحديث عن عودة سوريا للجامعة بمعزل عن القوى الفاعلة الرئيسية في الملف السوري، كما أن “المواقف العربية التي تدعو لإعادة النظام السوري ما تزال تصطدم بموقف أميركي وغربي”.
ويوضح الرداد أن “أميركا والغرب لديهم قناعات أنه لا يمكن تأييد المصالحة مع النظام دون إنجاز عدة ملفات، من بينها المحاسبة على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وما يتعلق باستخدامات السلاح الكيماوي”.
“خلق مبادرة وابتزاز”
في غضون ذلك تعتبر الكاتبة والناشطة السورية، عالية منصور، أنه “لا توجد مباردة عربية بخصوص سوريا”، وأن “الدول العربية تحاول خلقها في الوقت الحالي”.
وتقول لموقع “الحرة”: “لا يوجد شيء متبلور. هناك ضياع ويحاولون إيجاد رؤية، ولذلك تأخرت القمة التي كان من المفترض أن تكون أواخر هذا الشهر”.
وباعتقاد الناشطة السورية فإن “هناك خطوطا عريضة، فيما لا توجد مبادرة شاملة يتم البناء عليها”. وتضيف أن “الجميع يدور في حلقة مفرغة، ومع ذلك هناك نية غير منظّمة لإيجاد حل وتدخل بسبب غياب الموقف الأميركي والدولي عن الوضع في سوريا”.
ولم تتضح الصورة العامة عما إذا كانت الخطوات المتعلقة بإعادة نظام الأسد لـ”الحضن العربي” ستنجح بالفعل في المرحلة المقبلة، لاسيما مع المعارضة التي أبدتها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية لهذا المسار.
وكذلك الأمر بالنسبة لمستقبل علاقة إيران بالنظام، الذي تعزز بالزيارات المكوكية من جهة، وبالتصريحات الرسمية التي تضعهما في “خندق واحد”، وهو ما سبق أن أثاره مسؤولون خليجيون مرارا.
وبوجهة نظر الكاتبة منصور فإن “إيران باتت أمراً واقعا في سوريا والعراق، والدول العربية تعي ذلك ولا تتوهم، وبالتالي لا تريد الانسحاب الكامل بل القليل من الاستقلالية في القرار لسوريا”.
وتقول منصور إنه “عندما نتحدث عن انسحاب إيران من سوريا ونفوذها من لبنان نكون قد بنينا تحليلاتنا على سنوات سابقة وليس على الوضع الحالي. لكل دولة الآن أولوياتها، من بينها السعودية وملف اليمن والحوثيين”.
أما بالنسبة لرئيس النظام السوري، تشير منصور إلى أنه “يتبع سياسة الابتزاز التي سار عليها أبيه حافظ الأسد. يبتز العالم بما يملك، وهو ما حصل إزاء الأردن من خلال السلاح والبكتاغون”.
وتعتقد منصور أن “السعوديين سيحاولون فرض حل لضبط الحدود وأمنها بشكل ليس كامل. الحل الكامل لا يصبح أمرا واقعا، بسبب وجود أطراف أخرى لاعبة في سوريا من بينها أميركا وتركيا”.
وكانت وكالة “رويترز” نقلت عن ثلاثة مصادر مطلعة، الأسبوع الماضي، القول إن سوريا والسعودية اتفقتا على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد، في خطوة من شأنها أن تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام في عودة دمشق إلى الصف العربي.
وقال مصدر إقليمي موال لدمشق إن الاتصالات بين الرياض ودمشق اكتسبت زخما بعد اتفاق تاريخي لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وهي الحليف الرئيسي للرئيس السوري بشار الأسد.
وبعد ذلك نقلت صحيفة “عكاظ” السعودية عن مصادر قولها إن “رئيس الأمن الوطني في سورية علي مملوك ومدير المخابرات العامة حسام لوقا أجريا زيارة للرياض مطلع الأسبوع الماضي، وأجريا محادثات مع مسؤولين سعوديين حول العودة التدريجية للعلاقات بين البلدين”.
وقالت المصادر: “وذلك بعد أن تتعهد دمشق بحزمة من الإصلاحات على مستوى الوضع الداخلي والعلاقة مع المعارضة السورية، إضافة إلى تعهدها ألا تكون مصدرا لتصدير الكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج”.
ووفق الصحيفة فقد بدأ النظام السوري “على أرض الواقع بملاحقة خلايا تعمل في مجال صناعة وتصدير الكبتاغون إلى الأردن، وأحبطت سلطاته عدة عمليات الأسبوع الحالي في بادرة حسن نية لتحسن العلاقات مع الرياض”.
المصدر: الحرة. نت