عبد الرحيم العلام ، كاتب مغربي متخصص في العلوم السياسية.وموضوع الديمقراطية والفكر الإسلامي طرح من كثير من المفكرين العرب والمسلمين وعبر عقود، ومازال مهما، طالما إشكالية التيار الإسلامي بأنواعه مع الواقع المجتمعي والسياسي العربي قائمة ؛ سواء بالانغراس أو التكيف أو التطور أو الصراع.
. ركز الكاتب في مقدمة الكتاب على أن دراسته تغطي مساحة زمنية تصل للقرن، في كيفية تعاطي التيار الإسلامي مع موضوع الديمقراطية، وأكد أن استجابة التيار ومفكريه لموضوع الديمقراطية مختلفة، فهناك من اعتبرها منافية للإسلام وكفرها، ودعى لنظام الخلافة الاسلامية، وهناك من اعتبر أن الديمقراطية هي المقابل المعاصر للشورى في الإسلام، وهناك من اعتبر أن الديمقراطية والحكم الشوري في الإسلام شبه متطابقين، مع فرق واحد ان الاسلام مصدره الله، من خلال نص القرآن، أما الديمقراطية فهي منتج فكري بشري، وهناك تيار رابع يحاول أن يؤصل للديمقراطية داخل الفكر الإسلامي. أكد الكاتب أنه يتناول التيارات الثلاث الرافض للديمقراطية والمتكيف معها والمطابق لها، وترك التيار الرابع دون التطرق له، وهذه نقطة ضعف في الكتاب ستجعل الصورة غير مكتملة عن التيار الإسلامي وكيفية استجابته لموضوع الديمقراطية. كما أنه لفت النظر بأنه يتناول موضوع الديمقراطية والإسلام عند مفكري الإسلام السنة والشيعة .
.انتقل الكاتب بعد ذلك لموضوع المفاهيم المتداولة في كتابه وداخل التيار الإسلامي ، وقدم تعريفه للمفاهيم الأساسية، تجاوزا لأي التباس، وهذا صحيح.
.مفهوم الديمقراطية: كتب عنه أنه قديم من آلاف السنين ونتاج الفكر والممارسة الغربية، وأنه تطور عبر الزمن، إنه في حركية مستمرة عبر التجربة المجتمعية في أغلب بلدان العالم الديمقراطية، وهو أصبح شبه متفق على مضامينه الأساسية من حكم الشعب والدستور والانتخابات وتداول السلطة وفصل السلطات … الخ.
.مفهوم الشورى: بمعنى العودة للناس في شؤون حكمهم، الذي توافق أغلب المفكرين المسلمين عليه، والاختلاف هو في درجة إلزاميته للحاكم ، وفي حدوده بالنسبة لمرجعي الإسلام: القرآن والسنة النبوية.
.مفهوم الحاكمية: وهو مفهوم ملتبس وحديث ومختلف عليه ، والمقصود به أن أمر المسلمين وحكمهم في كل أمورهم يعود لله تعالى، والاختلاف حول مساحة أمر الله على حياة البشر؛ هل تشمل كل شيء سياسيا ومجتمعيا، ام تطال العبادات والنصوص القطعية، وهناك مساحة من الحرية في أمور تركها الله للبشر ليختاروا الأصلح لهم.
مفهوم الثيوقراطية: وهو الحكم الديني بصفته أمرا إلاهيا، وكيف نسب لممارسة حكام الغرب المسيحيين في القرون الوسطى، ومن يراه مناسبا الآن في الاسلام عند بعض المسلمين السنة، وعند بعض الشيعة بعد ظهور حكم ولاية الفقيه في إيران بعد الثورة الإيرانية.
مفهوم ولاية الفقيه: الذي يعني حكم الفقيه الشيعي المالك الشروط التي نظّر لها الخميني، ونفذها في إيران، وذلك بعد انقطاع عن الحكم استمر لأكثر من ألف سنة بانتظار الإمام الغائب الذي سيحكم المسلمين بتفويض إلهي.
.مفهوم الولاية وأقسامها، ولاية شرعية حيث يأخذ المسلم الشيعي أوامر دينه والمواقف من مستجدات حياته من مرجعه الديني، والولاية السياسية التي تعني الحكم بإرادة الله و التي هي اختصاص الإمام الغائب، والتي أصبحت من اختصاص نائب الإمام كما قال وفعل الخميني.
.مفهوم البيعة: وهي إقرار المسلمين -عند السنة- بشرعية حكم الحاكم .
.مفهوم الخلافة: الذي يعني وجود حكم إسلامي يسمى خلافة والحاكم الإسلامي هو الخليفة، ومرجع ذلك خلافة أبو بكر الصديق ومن بعده على المسلمين بعد وفاة النبي ص.
الديمقراطية في الفكر الإسلامي السني:
اعتمد الكاتب في كل الكتاب على تقديم أطروحات فكرية حول علاقة المفكرين الإسلاميين والديمقراطية على نماذج معينة من هؤلاء المفكرين. وقد بوّب العلاقة بين الإسلام والديمقراطية عندهم على نوعية الموقف من الديمقراطية.
.الشورى دينية والديمقراطية علمانية:
هناك تيار يرى أن الشورى الإسلامية مختلفة عن الديمقراطية، و الشورى أمر إلهي بينما الديمقراطية علمانية وتنظيم ابتدعه البشر. واعتمد في مقاربة هذا التفكير على مفكرين محددين:
١.عبد السلام ياسين المفكر المغربي والذي له أفكاره وحركته السياسية، يرى أن مجال الإسلام كدين سماوي، ويطالب المسلمين بالشورى في تسيير شؤون الحكم، وهي غير مجال الديمقراطية التي هي نتاج الفكر الغربي العلماني الذي يفصل بين مجال الدين ومجال السياسة، وأن أي محاولة مقاربة الديمقراطية مع الشورى محفوفة بالخطأ، وتؤدي للإساءة للطرفين، ونحن كمسلمين لخصوصية مجتمعاتنا نحتاج للشورى سواء في مجال الحكم أو العلاقات المجتمعية، وهناك تحفظ عند أغلب المفكرين الاسلاميين على الديمقراطية، لكونها تقترن بـ العلمانية بما هي فصل الدين عن السياسة، وبعضهم يغالي ويعتبرها تفصل الدين عن الحياة العامة ، وهي تصمت عن كل التجاوزات في الأخلاق بمفهومها الإسلامي كما يرون، و التي تحصل بالغرب، لذلك كان لسان حال مفكرنا عبد السلام ياسين هو: نحن المسلمين لدينا الشورى ولا حاجة لنا للديمقراطية الغربية.
٢.علي بلحاج المسؤول في الحركة الإسلامية الجزائرية، والتي عاشت صراعا مريرا بين الحركة الإسلامية والسلطات العسكرية ، التي ألغت نتائج الانتخابات النيابية التي تفوق بها أنصار جبهة الإنقاذ الجزائرية، وأدت للصراع بين الإسلاميين والنظام هناك والذي استمر لأكثر من عقد، قتل البعض وسجن البعض وهرب البعض وتحول بعض المناصرين للعمل العسكري ضد النظام الجزائري. علي بلحاج أحد منظري جبهة الإنقاذ، ينطلق من القول بكون الديمقراطية كافرة، لأنها تؤدي للحكم بمشيئة البشر في الوقت الذي يجب أن يكون الحكم لله ومرجعه الله والرسول وأئمة المسلمين. وللوضوح نورد ان علي بلحاج مثّل الخط المتشدد في جبهة الإنقاذ الجزائرية، بينما كان هناك عباسي مدني الذي كان أقرب لقبول الديمقراطية لكونها الأقرب لتحقيق مضمون الشورى في هذا العصر، ولكن ارتداد السلطة العسكرية على نتائج الانتخابات الجزائرية، أعاد الهيمنة للخط المتشدد لعلي بلحاج، والعنف المسلح الذي أدى للصراع الدامي في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، بكل نتائجه الكارثية على الجزائر وديمقراطيتها المجتمعية.
.الحاكمية:
انتقل الكاتب للتحدث عن المفكرين الإسلاميين الذين يرون الإسلام دينا شاملا كل أمور الحياة دينا ودنيا، والذين يرون أن الحكم في الاسلام لله، وهذه الحاكمية فريضة وعلى المسلمين الامتثال، وأن أي حكم سياسي وغير سياسي وفي أي أمر لا ينطلق من الإسلام وشموليته هو كفر، وهذا يشمل الديمقراطية وغيرها، ويشمل الأفراد والمجتمع والسلطة السياسية أيضا. ونموذج عن هذا الفكر طرح الكاتب سيد قطب ورؤيته الفكرية السياسية.
١. سيد قطب المفكر المصري الذي التحق بالإخوان المسلمين في خمسينيات القرن الماضي، كانت له كتابات تتحدث عن القيم الاجتماعية والخير والعدالة في الإسلام، وبعد اعتقاله بدأ والتأسيس لخط فكري إسلامي متشدد يرى أن الإسلام شامل كامل لكل مناحي الحياة، وأن على الناس ان التزموا بذلك لفرض حكم الله في الارض، ويدعى لخلق طليعة اسلامية، وتبلورت أهم أفكاره في كتاب معالم في الطريق، وعمل لبناء تنظيم سري للوصول للسلطة، وقبض عليه واعظم مع بعض مناصريه، كان يؤمن بأن الحكم لله، وأن غير ذلك حكم الطاغوت، وأن الحكام كافرون طالما يحكموا بغير الإسلام، والخروج عليهم فرض، ووصل إلى درجة تكفير المجتمع الصامت عن الحاكم الغير مسلم، واعتبر أن أي مسلك في الحياة إن لم يكن مصدره الإسلام فهو حرام، لذلك كانت الديمقراطية وأي اعتقاد آخر كفر عند سيد قطب، لم ينتهي هذا التيار بمقتل سيد قطب، بل تحول ل”شهيد” ونموذج وسيصبح المنظر الأهم للتيار الجهادي الاسلامي، الذي تطور ليصل إلى تنظيم الدولة الاسلامية داعش لاحقا.
التكييف بين الديمقراطية و “النظام الإسلامي”:
ينتقل الكاتب للتحدث عن مقاربة مختلفة لبعض المفكرين الإسلاميين ، وهي التقريب بين مفهوم الشورى والديمقراطية، ويتحدث عن الرؤية التي انطلق منها حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين، والتي تنطلق من الاخذ بمبدأ الشورى الاسلامي، والتكيف مع كل تطورات العصر الذي نعيشه بما فيها الديمقراطية، على أن لا يتناقض مع أصول دينية قطعية، وكانت حياة حسن البنا نموذج لهذه العقلية حيث بنى حركة الإخوان المسلمين في مصر التي كانت محتلة من الإنجليز، وكان يحكمها الملك فاروق وأسرته من قبله، وكانت مصر تدار من أحزاب القلة الموسرة البعيدة عن واقع المصريين ومشاكلهم، رغم ذلك انخرط البنا وجماعته في العمل السياسي، وتحالف مع الآخرين ودخل البرلمان، لكن حياته القصيرة بسبب اغتياله جعلت انقطاعا يحصل أدى لخلق تيارين إسلاميين، الأول تمثل امتدادا لسيد قطب وفكرة الحاكمية وتكفير الديمقراطية والحكام وضرورة الخروج عليهم. والآخر تيار التوافق مع الحياة السياسية والعمل على التقدم لبناء مجتمع أقرب للإسلام في أجواء ديمقراطية، و استمرارا لخط البنا استمرت بالمرشد حسن الهضيبي بعد مقتل البنا، ومن جاء بعده والتي وصلت إلى تعميم الإقرار بالعمل السياسي ضمن الدول، والقبول بالديمقراطية كطريقة حكم قد يصل الإسلاميين للحكم عبرها، ويمثل نموذجا المعاصر المفكر يوسف القرضاوي، وأغلب فروع الإخوان المسلمين في البلاد العربية قاطبة تقريبا. ونماذج عن هذا التطور الفكري يقدم الكاتب نماذج عن مفكرين محددين منهم أحمد الريسوني المفكر المغربي الذي أعاد تأصيل نظرية المقاصد الشرعية الإسلامية، وأن الشورى بصورتها الاجتماعية في مجتمع مسلم هي بتطويرها المعاصر تعني الديمقراطية الحديثة، مع الإصرار على أن لا تحدث الديمقراطية مواقف مناقضة للثابت والقطعي من الشرع الإسلامي. وأن هناك من وصل لدرجة التماهي بين الشورى والديمقراطية، مثل المفكر الجزائري مالك بن نبي وأطروحاته الفكرية منذ الخمسينات. والمفكر الجزائري أيضا محفوظ نحناح الذي وصل لمرحلة التطابق مع الديمقراطية باطروحاته الإسلامية وانتج مفهوم الشورقراطية، التي تأخذ بالآيات الديمقراطية كاملة وإسباغ الثوب الإسلامي عليها.
أهتم الكاتب أن يظهر التطور الفكري عند البعض بعد الربيع العربي مثل راشد الغنوشي في تونس، الذي اقترب كثيرا من التماهي مع الديمقراطية كفكرة وأسلوب وممارسة في تونس وتطور معه بذلك تياره كاملا، الذي أخذ مسميات عدة وكان له حضوره السياسي ضمن الحالة التونسية الان بعد ربيعها الذي أنتج دولتها الحالية ، وذلك ضمن مقولة حرية منقوصة خير من عودة الاستبداد. وكذلك المفكر السوداني حسن الترابي الذي كان قريبا من أوساط الحكم في السودان منذ الثمانينات، وكيف وضع نفسه وتياره تحت مسؤولية مراجعات فكرية، تراجعت عن أولوية الدولة الاسلامية ولو من خلال الانقلاب العسكري، وأولوية الحكم الإسلامي الذي سيصاب بداء الاستبداد لاحقا، لصالح أطروحة الدولة الديمقراطية التي يخوض غمارها الكل اسلاميين وغيرهم، وتنتج دولة لا تلتزم بالعقائد الخاصة بها ، لعلها تحقق للناس حياة أفضل.
التفكير السياسي الإسلامي خارج الدول العربية:
١.ينتقل الكاتب للحديث عن المفكرين الإسلاميين في البيئة الغربية الأوربية، ونماذج عنهم، تحدث عن علي عزت بيجوفيتش المفكر البوسني الذي أصبح لاحقا رئيس البوسنة، والذي اجتهد في الإسلام بصفته رسالة تخاطب النفس والروح والعقل والمجتمع، والديمقراطية بصفتها الطريقة الأفضل لبناء الحياة السويّة، وأن لا تناقض بين الاثنين، وأن الهوية الإسلامية لا تتناقض مع الديمقراطية، وأن الالتزام بالديمقراطية لا يعني إلغاء الهوية الذاتية لمسلمي البوسنة ولا تماهيهم فيمن يحيطهم، والحل بناء دولتهم الديمقراطية الإسلامية، كما حصل فعلا.
.وتحدث عن المفكر الفرنسي روجيه جارودي الذي أراد أن يعيد التوازن الروحي للمجتمع الغربي من خلال أطروحته الإسلامية التي جاءت نتيجة تطورات فكرية متتالية عبر عمر مديد. أما المفكر الأوروبي ذي الأصول المصرية طارق رمضان فقد عمد لغرس الطرح الإسلامي في البلاد الغربية، متصالحا مع خصوصية مجتمعاتهم ومع قيمهم الديمقراطية، ومنتصرا ليقم التعالي النفسي والروحي والوجداني ، ومدافع عن انغراس الإسلام كدين وقيم وممارسة في أوروبا.
٢.تحدث الكاتب عن المفكر الإسلامي أبو الأعلى المودودي الباكستاني، الذي أسس لفكرة الدولة الدينية الإسلامية، والتي أدت إلى انفصال الباكستان عن الهند، وهو مع سيد قطب أحد أهم مراجع الدعوة للدولة الإسلامية النافية لأي فكر غربي. وكذلك تحدث عن المفكر أبو الحسن الندوي الهندي الذي طرح حق التمايز الديني داخل الهند، وكان قابلا بالديمقراطية الهندية، لانها المناخ الأكفأ للحياة والسياسة هناك، حيث أن المسلمين الهنود أقلية في محيط هندوسي طاغي.
.التكوين السياسي الشيعي وقضية الديمقراطية:
ينتقل الكاتب في القسم الثاني من الكتاب للتحدث عن الفكر الشيعي وكيفية تعاطيه مع قضية الديمقراطية.
١. التجربة الإيرانية :
تحدث الكاتب عن المذهب الشيعي وركز على الاثني عشري، وكونه مذهب يعتقد بأن التكليف الإلهي لم ينقطع من الله للبشر، فبعد وفاة الرسول ص انتقل التكليف الإلهي للأئمة بدء من علي بن أبي طالب وبعده اولاده الحسن والحسين ليصل إلى الأمام الثاني عشر محمد المهدي الغائب ابن الحسن العسكري، وفي فترة الغيبة التي زادت على الألف سنة ،كانت مهمة المراجع الدينية الشيعية، هي الحفاظ على الأصول الدينية لمجموع المسلمين الشيعة، وقد توافق رجالات الدين الشيعة، على أن الحكم السياسي مرتبط بعودة الإمام الغائب، وكانت أول إدخال للإسلام الشيعي في السلطة السياسية، عندما استدعى اسماعيل الصفوي الإيراني – قبل قرون- المراجع الشيعة ليكون حاكما فارسيا، بمرجعية شيعية تواجه الحكم العثماني بمرجعية السنية، واستمر الحال في إيران للعصر الحديث، حيث لم يكن الشاه رضا بهلوي وبعده ابنه محمد قريبين من مصالح الناس بمقدار قربهم من مصالح الطبقة الثرية و المستعمر الإنجليزي والروسي والأمريكي بعد ذلك، مما جعل المرجع الديني النائيني يواجه الشاه، ويفرض عليه الدستور والبرلمان والحكم شبه الديمقراطي، وهذا أدى لتحالف بين النائيني و محمد مصدق الذي استلم رئاسة الوزراء التي كانت أقرب لمصلحة الناس وأقرب الى جوهر الإسلام وتحقيق المصالح وأقرب للديمقراطية، لكن انقلاب الشاه محمد بهلوي على مصدق بمعونة الامريكان، أعاد الاستبداد إلى إيران بأسوأ اوجهه. وهنا بدأ ظهور المرجع الديني الخميني ، الذي اجتهد بضرورة أن لا ينتظر الشيعة حتى مجيء الإمام حتى يمارسوا الحكم، فإن وظيفة الإمام يمكن أن توكل إلى نائب الإمام حتى يعود محمد المهدي الغائب المنتظر، وعمل على جبهة محاربة نظام الشاه، وادى ذلك الى نفيه للعراق ومن ثم استقر في فرنسا ، وعاد ذلك ليقود ثورة الشعب الايراني والدولة الايرانية، وأصبحت منذ ١٩٧٩ إيران دولة اسلامية على المذهب الشيعي، لها دستورها ومجلس خبراء وبرلمان ورئيس.. الخ، يتربع على قيادتهم نائب الإمام الخميني ثم الخامنئي بصلاحيات شبه مطلقة.
.لم يكن الفضاء الفكري الإسلامي الايراني فارغا، بل واجه بعض المراجع نظرية الولي الفقيه التي طرحها الخميني، وكان أهمهم حسين منتظري الذي عزله الخميني وجمدّ نشاطه حتى وفاته، واجتهد الرئيس محمد خاتمي لمزيد من الحرية والاقتراب من الديمقراطية، وكذلك شتروس وكلهم امتداد لتيار علي شريعتي المنظر الإسلامي التجديدي، لكنهم لم يستطيعوا أن يغيروا واقع الحال، في بنية دولة دينية على المذهب الشيعي، لها امتدادها ومشاريعها التوسعية خارج و داخل إيران.
المجال السياسي لدى الشيعة العرب:
.تحدث الكاتب عن التواجد الشيعي في البلاد العربية وكيفية تعاطيهم السياسي مع واقعهم.
ففي:
١. العراق ظهر الشيرازي الذي اجتهد في مواجهة التعدد المذهبي الشيعي السني والتعدد الديني ، بضرورة توافق المراجع الدينية من المذاهب كافة على آلية حكم مناسبة أقرب للشورى والديمقراطية لمواجهة الحياة المشتركة. أما المرجع محمد باقر الصدر فقد اجتهد أن الحكم السياسي للمجتمع يكون من خلال ولاية الأمة على نفسها ومن خلال اشراف الفقيه الولي، وهذا رأي أقرب لما حصل في إيران، وواقع الحال الآن في العراق هو المحاصصة الطائفية والاثنية التي رسخت تقسيم العراق واستمرار الصراع البيني به.
٢. لبنان حيث كان اجتهاد فقهائها محمد مهدي شمس الدين وحسين فضل الله، على مقولة ولاية الأمة على نفسها، وأن الشأن السياسي مجتمعي ويعود لآليات ديمقراطية، وأن المراجع الدينية الشيعية ينصب دورها على الدور الديني بالنسبة لمتابعتها من المسلمين الشيعة. أما هاني فحص فقد تقدم خطوة بالتأكيد على الديمقراطية بصفتها الحل الأمثل في مجتمع متعدد دينيا ومذهبيا كلبنان.
ينتهي الكتاب بخاتمة مختصرة تعيد التركيز على أهم محتويات الكتاب.
.انا في نقد الكتاب فنقول:
.في الكتاب جهد مبذول في ملاحقة الموضوع الذي تطرق إليه الكاتب، ونقطة ضعفه الاساسية انه اعتمد على العينات من المفكرين وأسهب في دراستهم، وهذا غطى على ضرورة البحث في التيار العام بتنوعه وتغيراته في المكان والزمان والمذاهب والتيارات، بحيث أسقط البعض وتم تضخيم البعض.
.اعترف الكاتب منذ البداية أنه لن يقترب من تيار اسلامي وليد يعمل على تأصيل الديمقراطية من داخل الإسلام، لم نعلم لماذا لم يتطرق له؟!. مع العلم انه مهم جدا لتكتمل الصورة عن الموضوع المبحوث، و نستقرئ معالم المستقبل لموضوع الديمقراطية في البلاد العربية، باعتبارها خشبة الخلاص لشعوبها.