أم على قلوب أقفالها ..؟!     هـــل هــــزمــــت ثـــــورة الـــشـــعــب الـــــســوري ..؟ 

بقلم : محمد خليفة 

سؤال متداول بكثرة بين السوريين وغيرهم , ويفرض نفسه على المحللين المختصين وعامة الناس , سيما في الذكرى السابعة لانطلاقتها, وعلى ايقاع معارك الغوطة التي شهدت نهاية مأساوية تذكر بنهاية مناطق سابقة كالزبداني وداريا والمعضمية , فضلا عن مأساة حلب وحمص في أيدي النظام .

والمؤسف أن البعض رأى في تطورات السنتين الأخيرتين مبررا للزعم إن الثورة كانت خطأ يستحق الذين قادوها أو شاركوا فيها الادانة والعقاب , ويرى هؤلاء ان الشعب السوري كان يعيش حياة جيدة , وان الثورة أفسدت وخربت كل شيء .

يتجاهل هؤلاء الذين يحاولون إدانة الثورة بمفعول رجعي حقيقة مهمة هي أن الثورة ( مطلق ثورة ) فعل اجتماعي طبيعي , وليست فعلا شاذا خارجا عن القواعد الاجتماعية , بدليل أن الشعوب مارست الثورات لتصويب أوضاعها والتحرر من الرق والاستعمار حتى أصبحت الثورات أكثر العوامل المحققة للتقدم , ولولاها لبقي المجتمع البشري في عصر العبودية .

كما يتجاهل هؤلاء أن الثورة السورية لم تكن عملا منظما , ولا مخططا , بقيادة مركزية توجه وتسيطر على حركة الشارع . بل كانت انفجارا شعبيا عفويا وطبيعيا مفاجئا كالزلزال أو البركان اللذين يستحيل التنبؤ بهما قبل حدوثما, ويستحيل التحكم بهما . ولم يكن لقوى المعارضة دور تأثير على الذين أشعلوا الشرارات الأولى , وقادوا الاحتجاجات الشعبية . وبات واضحا أن ردود الأفعال المبكرة التي صدرت عن المعارضة التاريخية كحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل عبرت عن مواقف ورؤى أقرب لموقف النظام منها الى المحتجين , وظلت لأكثر من ثلاث سنوات تنأى بنفسها عن حركة الشارع ومطالبته باسقاط النظام . وظلت تناور بين الشعب والنظام , وتنسق مع ايران وروسيا . كما تؤكد بيانات الاحزاب و( هيئة التنسيق الوطنية ) .

هذا في الداخل , أما في الخارج فقد انفجرت الثورة بينما كبرى حركات المعارضة ( جماعة الاخوان ) تتخذ مبادرات متتالية للتقارب مع النظام , بدأت بالتفاوض غير المباشر على عودة الاخوان لبلادهم بوساطة السعودية وقطر وحركة حماس , وشخصيات عربية بارزة كالشيخ يوسف القرضاوي .

الثورة السورية لم تخرج من رحم القوى المعارضة التاريخية , وإنما من رحم المجتمع , وخاصة الفئات غير المسيسة: أطفال حوران ونساء دمشق . وحدثت أول تظاهرة عفوية في حي الحريقة في قلب دمشق المحافظ قبل الثورة بشهر , وكانت ارهاصا وانذارا لم يستوعب النظام مغزاه , وعلق الاسد على انتفاضات الشعوب العربية زاعما إن سورية مختلفة عن الدول الاخرى .

وأهم ما يمكن ملاحظته على الثورة السورية بعد عفويتها هو سرعة انتشارها وانتقالها للشارع في غالبية المدن والقرى, وانخراط الفئات الاجتماعية كافة فيها , بدون فوارق طائفية , وهذه الخاصية أكدت حالة الاجماع على الانتفاضة المطالبة بالتغيير والاصلاح فقط , وحالة الغضب والرفض والتمرد المتراكمة في الطبقات الفقيرة والوسطى .

ولم يكن مجهولا للقاصي والداني أن سورية تحولت خلال العقود الأربعة من حكم الاسد بركانا مكبوتا ومكتوما قابلا للانفجار بسبب الطغيان المتمادي للنظام , ومعاملته الوحشية للمواطنين , والتمييز الطائفي الذي تحول احتلالا داخليا من طائفة لبقية الطوائف , وبسبب الفساد الذي بلغ درجات عالية باعتراف النظام وشهادات الدوائر الدولية .

لقد عطلت الطغمة الحاكمة جريان الحياة والتطور الطبيعي وألحقت الأذى بكل فرد من الشعب , مما جعل الثورة على هذه الحالة أمرا حتميا لفتح قنوات الحياة وإعادة الأمور الى جريانها الطبيعي .

لهذا كانت ثورة 2011 رد فعل جماعياً لا فئوياً ولا حزبياً , بل ولا سياسياً , لممارسات تجاوزها العالم منذ عقود وقرون . وكانت اعلانا من الجماهير بسحب الشرعية من نظام اغتصب السلطة منذ 1963 , مثلها مثل ثورات الشعوب العربية المتزامنة في تونس ومصر وليبيا واليمن . ولا تختلف عن ثورات الشعب الايراني على الشاه 1978 , والشعب الروسي 1917 والفرنسي 1789 .. إلخ .

ويتجاهل هؤلاء أيضا أن النظام وحده المسؤول عن تحويل الثورة السلمية المدنية الى صراع مسلح , وحرب أهلية وطائفية , ثم حرب دولية على الشعب السوري لوأد تطلعاته ومصادرة حقوقه في الحياة الكريمة وأحلامه في العيش والتقدم في ظل نظام ديمقراطي . لقد أكد النظام مرة اخرى عداءه لشعبه , ووحشيته , وتطرفه , وطائفيته , وأكد خطورة استمراره على سورية والشرق الاوسط والعالم . وهذا الأمر يعني ببساطة أن مبررات اسقاطه ازدادت ولم تنقص بعد سبع سنوات من الصراعات , وباتت مسألة حياة أو موت للسوريين بكل طوائفهم , ولكل العالم أيضا .

إن سحق الثورة وإفشالها لم يحدث لأنها لم تكن مشروعة أو كانت خطأ , بل نتيجة دخول عدد من الدول الكبرى لحماية النظام الارهابي ومشاركتها في ذبح السوريين وتهجيرهم وتدمير حضارتهم وأسس عيشهم , وكأن الهدف ليس الثورة بل تدمير سورية وابادة اهلها . وبالمقابل ما زالت الأدلة أكثر من أن تحصى على تمسك السوريين بشعارات الثورة الاولى وأهدافها ومبادئها بدليل رفض سكان الغوطة الخروج من مدنهم التي يديرها الثوار والعودة الى الحياة في ظل العبودية التي تفرضها الطغمة الاسدية . وبدليل هروب الملايين من وطنهم للخارج خوفا من عصابات الاسد الاجرامية التي ارتكبت أبشع الجرائم واستباحت كل شيء .

إن إبادة وتهجير السوريين جماعيا بأيدي وأسلحة الروس والايرانيين لا يعني أبدا أن ثورتهم كانت فعلاً جرمياً أو شائنا يجب أن يعاقبوا عليه بل يعني أن هناك عودة جماعية للمجتمع الدولي الى عصور البربرية , ويعني سقوط النظام الدولي .

أما السوريون فما زالوا مصرين على متابعة ثورتهم مهما كان الثمن لأنها الأمل في العودة الى الحياة الطبيعية , ولأن العودة الى العهد البائد ونظام الاسد لا يعني سوى الموت البطيء والصامت في ظل عبودية جديدة مقرونة بالوحشية

 

هذا المقال منشور في عدد “الشراع” رقم 1841 الصادر في 16/3 / 2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى