الفلتان الأمني يعود إلى السويداء: أصابع الاتهام تتجه للأمن العسكري

ليث أبي نادر

تسود حالة من التوتر والفزع محافظة السويداء في الجنوب السوري، نتيجة عودة الأحداث الأمنية والاشتباكات المسلحة، بعد فترة من الهدوء النسبي الذي ساد إثر القضاء على أهم العصابات، المتهمة بموالاتها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، والتي استباحت المحافظة لسنوات.

ففي 26 يوليو/تموز الماضي، تمّ القضاء على عصابة راجي فلحوط (قوات الفجر) التابعة مباشرة لفرع الأمن العسكري على يد فصائل محلية، وذلك إثر خطفها مجموعة من المواطنين في مدينة شهبا، وقطعها الطرق الرئيسية في محافظة السويداء.

وفي الأيام الأخيرة، عاد العنف إلى المحافظة مع مقتل شخصين ونجاة آخرين من محاولات اغتيال، بالإضافة إلى وقوع العديد من التفجيرات الليلية والاشتباكات بالأسلحة الرشاشة وأعمال الخطف.

عودة الأمن العسكري

ولاحقت مجموعة مسلحة متهمة بالانتماء للأمن العسكري، أمس الأحد، شخصاً من آل الشاعر بذريعة كونه متورطاً بأعمال نصب واحتيال. وحصلت العملية في وسط مدينة السويداء بالقرب من مستشفى العناية الخاص.

وأطلقت المجموعة رشقات من أسلحة رشاشة على سيارة الشاعر، ثم حاصرته بعدما اصطدم بأكثر من سيارة في الشارع واقتادته إلى فرع الأمن الجنائي التابع للنظام السوري. وعلى أثر الحادث، نصب عدد من أقاربه حاجزاً على تقاطع طريق ظهر الجبل مع حي القلعة، بمحاذاة موقع عسكري، وبدأوا بتفتيش المارّة بهدف اعتقال أحد من الجهات التي اعتقلت قريبهم. ورافق هذا التوتر إطلاق نيران، ثم تبعه تفجير قنبلة في أحد شوارع المدينة.

أحد أقارب الشاعر قال لـ”العربي الجديد” إن الجهة التي لاحقت قريبهم وخطفته معروفة، وتابعة للأمن العسكري، ولن يهدأوا قبل أن يُعيدوه سالماً، مؤكداً أنهم سيسلمونه للقضاء بوجود محامي دفاع أو سيضطرون لخطف أحد أفراد العصابة “الخاطفة” أو أقاربهم لحين الإفراج عن قريبهم.

في هذا الوقت، تدخل عدد من الوجهاء ورجال الدين من أجل تخفيف حدة التوتر ونزع فتيل النزاع العائلي، ونجحوا في رفع الحاجز وفتح الطريق مقابل تسليم ولدهم للقضاء.

وحول هذه التطورات، اعتبر الشيخ مالك مقلد (شيخ دين من طائفة الموحدين الدروز)، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن حالة الفلتان الأمني عادت إلى المحافظة، وبات لا يمر يوم من دون حادثة خطف أو سرقة أو قتل أو تفجير.

ورأى أنه على ما يبدو، لا تريد الجهات الأمنية أن تقوم بدورها المناسب في حفظ الأمن، وهذا الحال الجديد يُذكرنا بزمن العميد وفيق ناصر، الذي زرع القتل والمخدرات والخطف والاغتيال، ثم نُقل من السويداء إلى حماة، بعد أن بقي لسنوات رئيساً لفرع الأمن العسكري للمنطقة الجنوبية، وأسس في محافظة السويداء عدداً من المليشيات التابعة للأمن العسكري.

في سياق آخر، كشفت التحقيقات في ملابسات مقتل الشابة أماني (مجهولة باقي الاسم)، المتحدرة من محافظة حلب،أنها استُدرجت من قبل أحد المجندين العسكريين الذين يخدمون في المحافظة، من أجل تأمين سفرها إلى أوروبا مقابل 5 آلاف دولار، قبل قتلها وتشويه جثتها ورميها في محيط مقبرة كناكر، بريف السويداء. وخلّف الحادث استياءً عاماً في المحافظة ونقمة من العصابات ومن أعمال الاحتيال والنصب.

فلتان أمني مدروس

من جهته، قال الناشط المدني ضياء قنطار، لـ”العربي الجديد”، إن ما نشهده هذه الأيام من فلتان أمني في شوارعنا منظم ومدروس، من أجل إلهاء الناس عن الوضع المعيشي والسياسي ودفعها للبحث عن الأمن والأمان، ومنعها من أي اجتماع أو توافق على موقف شعبي معارض لهذه السلطة.

بدوره، اعتبر الناشط المدني هاني عزام أن حوادث الخطف التي جرت خلال الأيام الماضية تشبه إلى حد بعيد ما كان يجري خلال السنوات السابقة، وبنفس الطرق والأدوات، وهو ما رآه بمثابة إثبات على أن العصابات المسلحة عادت للعمل بقوة، خصوصاً في الريف الغربي لمحافظة السويداء، وهو الريف الذي ضم أخطر العصابات على مدى سنوات، مثل عصابة اتخذت من قرية تُدعى عريقة معقلاً لها، وعُرفت عصابة قرية عريقة بتبعيتها للأمن العسكري وسيطرتها على الطرق الفرعية في الغرب، وتعاونها مع باقي العصابات في عمليات الخطف.

وأوضح عزام: تفرقت العصابة منذ سنة، ويبدو أن هناك من أعاد إحياءها، مضيفاً، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن العصابة الأخطر في المحافظة هي عصابة أبو سرحان، التي تعمل منذ عام 2013 في الخطف والسطو وبيع السيارات المسروقة إلى درعا، وتتمتع بنفوذ واسع.

ورأى أن الغريب هو أن أحداً من الفصائل المحلية (الفصائل التي تأسست في المحافظة تحت شعارات حماية الأرض والعرض، بحسب مؤسسيها ولا تتبع لأي من فروع النظام الأمنية)، الكبيرة منها والصغيرة، لم يقترب منها أو يحاول تفكيكها، بعد انتفاضة يوليو الماضي ضد العصابات.

وبرأي عزام، فإن عدة عصابات تساهم في استدراج الضحايا كما كان سابقاً، وإن تغيرت الوجوه والأسماء، وكلها تتبع تلقائياً للنظام السوري، والهدف هو الابتزاز المادي الذي لطالما كان هدف الأفراد المجندين لدى النظام، وجعل الفوضى مستمرة في السويداء، وعدم الإحساس بالأمان.

وذكرت مصادر أمنية، لـ”العربي الجديد”، أن فرع الأمن العسكري، الذي كشف دوره العلني في الفوضى والمخدرات والخطف بعد انتفاضة أهالي محافظة السويداء في 26 يوليو الماضي، يحاول قائده الجديد العميد أحمد فياض ترتيب العمل وإعادة السيطرة على المحافظة، من خلال بناء علاقات مع العائلات وإتلاف التقارير الكيدية ضد آلاف الأشخاص.

وأكد مصدر أمني، لـ”العربي الجديد”، أنه “تم طيّ ثلاثة آلاف تقرير كيدي بحق المواطنين، بهدف عرقلة سفرهم وتنقلهم خارج حدود المحافظة، وأن فياض استقبل، خلال الأشهر الماضية، مئات الأشخاص من وجهاء القرى والبلدات، وأبلغهم أنه يعمل على تسوية أوضاع أبنائهم من دون الحاجة لمراجعة الفرع”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى