قال الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذلِكَ لِمَن يَشاءُ وَمَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَدِ افتَرى إِثمًا عَظيمًا﴾
[النساء: ٤٨]
اولا-من هو المسلم:
عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنهان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَن صلى صلاتَنا ،
واسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنا ،
وأكل ذبيحتَنا ،
فذَاكُمُ المسلمُ له ذِمَّةُ اللهِ ،
وذِمَّةُ رسولِه ،
فلا تُخْفِرُوا اللهَ في ذِمَّتِه).
أخرجه البخاري.
ثانيا-التحذير من التألي على الله بعدم غفرانه لفلان:
عن سيدنا جندب بن عبدالله t قال: قال رسول الله ﷺ:
قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان،
فقال الله: من ذا الذي يتألى(أي يقسم) عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له، وأحبطت عملك رواه مسلم.
وعندما تُوفِّي أبو السائب عثمان بن مظعون رضي الله عنه دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكانت بجواره أُمُّ العلاء رضي الله عنها، فقالت: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ،
فَقَالَ لها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟)،
فقالت: لا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ، وَإِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِهِ)،
فقَالَتْ: فَوَاللَّهِ لا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ،
قَالَتْ: فَنِمْتُ فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: (ذَاك عَمَلُهُ)؛ رواه البخاري.
ثالثا،التحذير من قول مسلم لمسلم يا كافر:
قول سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم:
أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
تفسير العلماء للحديث:
١- المالكية: نقل الباجي المالكي في المنتقى عن الامام مالك رحمهما الله:
(وقد قيل: إن معنى قوله: { فقد باء بها أحدهما } يريد بوزر هذا القول عليه, وإن لم يكن كافرا، فوزر هذا القول على قائله أن أحدهما يكون كافرا بهذا القول, والله أعلم وأحكم . اهـ.
ونبه القرطبي المالكي التفريق بين الكفر الشرعي وغيره كما نقله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) نقلا عن القرطبي المالكي قوله:
(والحاصل أن المقول له إن كان كافرا كفرا شرعيا فقد صدق القائل، وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول وإثمه. كذا اقتصر على هذا التأويل في رجع، وهو من أعدل الأجوبة. اهـ.
٢-الشافعية وقال الحافظ ابن حجر الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ في فتح الباري: التحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم.. وقيل: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به، وقيل: يخشى عليه أن يؤول به ذلك إلى الكفر، كما قيل: المعاصي بريد الكفر، فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة، وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر فإنه يكفر بذلك..
فمعنى الحديث: فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفر نفسه، لكونه كفر من هو مثله ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، ويؤيده أن في بعض طرقه: وجب الكفر على أحدهما. انتهى.
٣- الحنبلية قال الشيخ ابن قدامة الحنبلي في المغني رحمه الله:
(هذه الأحاديث على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على وجه الحقيقة. انتهى.
وقال الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى: (يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنه أول بدعة ظهرت في الإسلام، فكفر أهلها المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم. انتهى
وقال ايضا:
من ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة. انتهى.
ليلة الثلاثاء ٢٢شعبان ١٤٤٤
اللهم بارك لنا فيما تبقى من شعبان وبلغنا رمضان على احسن حال ومقال.
١٤/٣/٢٠٢٣
………..
بحث مختصر لطيف ومهم يعرض لقضية بدأت منذ حين بالانشار، واستسهل كثيرون في التعاطي معها، والتسابق إليها، والذي يتابع مقاطع الفيديو التي تتعاطى مع الشأن الدعوي الديني يهوله سرعة استناد هؤلاء عليها، واستحضارهم لها، بل وسعادتهم برمي خصومهم بها، حتى باتت قضية “التكفير”، وكأنها أيسر الأسلحة وأقربها وأسهلها على لسان هؤلاء، يتقاذفونها في وجه علماء الأمة لا يوفرون في ذلك لا الصحابة، ولا التابعين، وصولا إلى العلماء المعاصرين.
جزى الله كاتب هذا المقال كل خير.
د. مخلص الصيادي
المصدر: صفحة د مخلص الصيادي