كنت في مطار بانكوك في تايلاند، ودخلت (كافيه) في المطار، وطلبت قهوة، وسألت إن كان عندهم أي (كيك) خال من الكحول أو جيلاتين الخنزير؟
وأنا أسأل سمعني شاب كان خلفي في الدور، فسألني بحماس: أنت مسلم ؟ قلت له: نعم. فنصحني بنوع معين من (الكيك).
وبعد ما أخد كل منا طلبه، استأذنني أن يجلس معي على نفس الطاولة فقلت له: بكل سرور.
سألني من أي بلد؟ والتعارف المعتاد؟ وكان كلامنا باللغة الإنجليزية، إلى أن عرف أنني عربي، فازداد حماسة، وقال لي بلا تردد وبعربية مكسرة: “السلام أليكم أن اسمه عمر وهو من التايلاند”.
أعجبت بشجاعته في محاولة التكلم بالعربية، وابتسمت له، وقلت له من باب التشجيع: ما شاء الله لغتك العربية جيدة.
عاودنا حديثنا بالإنجليزية، حيث سألني عمر: طيب بما أنك عربي أكيد أنك تعرف قراءة القرآن، فقلت له: الحمد لله، وأنا معلم قرآن، وكنت في تايلاند لتحكيم مسابقة في القرآن.
وفجأة وقف عمر من مكانه وقال لي: صحيح؟ يعني أنت عربي وحافظ للقران وتعلمه للناس؟
قلت له: نعم الحمد لله. قال لي: “هل من الممكن أن أحضنك ؟”.
قمت من مكاني وحضنته بشدة، وحاول عمر تقبيل يدي التي انتزعتها بصعوبة، وعاودت احتضانه، وقد ظهرت دموعه في عينيه.
لم أتفاجأ كثيرا من الموقف، لأني أتعامل كثيرا مع مسلمين من غير العرب، وأعرف حبهم واحترامهم وبراءتهم، وأتذكر مرة أن أحدهم وهو فلبيني طلب مني أي ملابس قديمة عندي لأجل أن يلبسها من باب التبرك بالعرب أحفاد الصحابة حسب تعبيره (بالطبع هذا لايجوز).
لكن الذي فاجأني في عمر إنه دخل الإسلام منذ ثلاثة أعوام فقط، ولأجل ظروف شغله، وسكنه البعيد، فإنه يتعلم اللغة العربية من (اليوتيوب) بمفرده، وكان يدعو الله في كل صلاة أن يتعرف على عربي يساعده في التعلم وحفظ القرآن.
عمر طلب مني أن أصحح له سورة الفاتحة، إن كان عندي وقت.
ولما قرب معياد طائرتي أعطيته (كارتا) فيه رقم هاتفي وإيميلي وطرق التواصل، وقلت له: أعطني رقم هاتفك، ودعنا نكون على تواصل مستمر.
ومع طيبته لم يكن مصدقا إنني سأسجل رقم هاتفه عندي.
بعدها الحمد لله بدأت مع عمر دروسا مباشرة (أون لاين) في القرآن، واللغة العربية، واليوم أتم حفظ جزئين تقريبا بحمد الله، ويستطيع أن يقرأ باللغة العربية.
أحببت مشاركتكم قصتي مع عمر لأجل أن أقول لكم: يا مسلمون! انظروا المسلمين من غير العرب كيف ينظرون لنا؟
أناس من أهم أمنيات حياتهم أن يصاحبوا عربيا، حتى يتعلموا اللغة العربية، وحتى يقرأوا القرآن؟
لتعلم أيها العربي، أنك في نظرهم من أحفاد الصحابة، ولك مكانتك الكبيرة عندهم، وينظرون إليك بمنظر القدوة؟
هؤلاء الطيبون لا يستوعبون أبدًا أن فيه عربي مسلم ومع ذلك هو بعيد عن القرآن!
هؤلاء يجاهدون ليل نهار ولسنين طويلة حتى يتعلموا القراءة بطريقة صحيحة، ونحن الذين لساننا عربي مقصرون أشد التقصير (إلا من رحم الله) والله المستعان.
أعرفوا قيمة النعمة التي بين إيديكم، وارتبطوا بالقرآن، وأقل شيء أن نقابل الله ونحن نقرأ كتاب الله بطريقة صحيحة . اللهم اغفر لنا تقصيرنا، وارزقنا العلم بكتابك، والعمل به.
محمد اسماعيل
يوميات قرآنية
والله إنك لتصادف أمثال هذا الرجل في كثير من الأماكن، وإن كانت طرق تعبيرهم عما في أنفسهم من تقدير تتعدد وتتباين وفق طبيعة الأشخاص، وظروف لقائهم.
وطبيعي أن يحمل المسلم من غير العرب تقديراً خاصاً للعربي، وقد اختص الله العرب، برسول لكل العالم، ختم به رسالات السماء، فأقفل باب الوحي من بعده، واختص اللغة العربية بأن تحمل كلام الله، وتعبر عن مراده، وجعل معرفة هذه اللغة ولو بحد أدنى ” الفاتحة” ،- أو أدنى من ذلك – فريضة على كل مسلم حتى تصح به صلاته.
واختص أرض العرب بأن جعل القبلة الأولى. والقبلة الأخيرة في أرضهم، بيت المقدس، والمسجد الحرام، وكذا المسجد النبوي.واختص الله العرب و أرض العرب بأحكام خاصة.
ولا يجمع المسلم مع العربي إلا هذه الصلة، وهذا الرباط ، وفيه الدين، والدنيا أيضا.
لذلك اعتبر ابن القيم رحمه الله – في اقتضاء الصراط المستقيم-، أن بغض العرب دليل على النفاق” فلا يبغض العربي إلا منافق”، وتعليل ذلك، أنه لا يفرض احترام العرب ومحبتهم على غير العرب إلا هذا الدين وموجباته، فإذا استبدل مسلم ما البغض بواجب المحبة فإنه بذلك يكون قد أضمر بغضه للدين.
وفي تعليل ابن القيم يتكشف أن هذه المكانة للعرب والعربي، مرتبطة ومنوطة بالقيام بمسؤوليته تجاه دين الله، فهي بما تحمل من مكانة وتشريف توجب التكليف، وهي في كل الأحوال تتضمن المعنى الثقافي والروحي للعروبة ، وليس المعنى العرقي لها، فليس في الإسلام أي أثر للمعنى العرقي. فالعربية في الاسلام هي اللسان، أي هي الانتماء اللغوي والثقافي والروحي الذي يتحقق فيه هذا “اللسان”، أقول هذا حتى لا يظن أحد أن تعلم المستشرقين وأمثالهم اللغة العربية، وكتاباتهم فيها، يدخلهم في زمرة “العرب”.