اتجهت الانظار الدولية الى الصين بوصفها الآن “عراب” الاتفاق بين ايران والسعودية، ما يؤشر الى “ثقتها المتزايدة في وجودها الإقليمي”، وسط تأكيد رسمي صيني إنها “ستواصل أداء دور بناء في التعامل مع القضايا الشائكة في العالم اليوم”.
وينهي الاتفاق القطيعة التي بدأت العام 2016. وقال كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي: “هذا نصر للحوار، ونصر للسلام، ويقدم أنباء طيبة عظيمة في وقت يشهد فيه العالم كثيرا من الاضطرابات”.
وقال في تصريح نقلته “رويترز” إن الصين “ستواصل أداء دور بناء في التعامل مع القضايا الشائكة في العالم اليوم وستظهر تحليها بالمسؤولية بصفتها دولة كبرى”. وأضاف: “العالم لا يقتصر فقط على قضية أوكرانيا”.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بلاده وإيران يأتي انطلاقا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار.
وأضاف الوزير السعودي، في تغريدة، أن دول المنطقة يجمعها مصير واحد وقواسم مشتركة تجعل من الضرورة أن تتشارك سويا لبناء نموذج للازدهار والاستقرار، حسب تعبيره.
وتعليقا على الاتفاق أيضاً، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن “السياسة مع دول الجوار، كونها المحور الرئيسي للسياسة الخارجية للحكومة الإيرانية، تتحرك بقوة في الاتجاه الصحيح والجهاز الدبلوماسي يعمل بنشاط للتحضير لمزيد من الخطوات على الصعيد الإقليمي”.
من جهته، قال مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان: “يأتي ترحيب قيادة المملكة بمبادرة فخامة الرئيس شي جين بينغ انطلاقا من نهج المملكة الثابت والمستمر منذ تأسيسها في التمسك بمبادئ حسن الجوار والأخذ بكل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وانتهاج مبدأ الحوار والدبلوماسية لحل الخلافات”.
وأضاف: “إننا إذ نثمن ما توصلنا إليه، ليحدونا الأمل أن نستمر في مواصلة الحوار البناء، وفقا للمرتكزات والأسس التي تضمنها الاتفاق، معربين عن تثميننا وتقديرنا لمواصلة جمهورية الصين الشعبية دورها الإيجابي في هذا الصدد”.
كما قال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني إن طهران اتفقت مع الرياض على فتح صفحة جديدة بناء على مصالح البلدين والأمن الإقليمي. وأضاف شمخاني في تصريح تلفزيوني أن طهران “تأمل أن يخلق هذا الاتفاق توازناً في سلوك القوى الأجنبية بالمنطقة”، حسب تعبيره.
تنامي الدور الصيني
ولعل أحد أبرز أوجه الاتفاق هي أنّه جرى التوصل إليه في الصين، التي لطالما كان يُنظر إليها على أنها مترددة في الانخراط في مستنقع دبلوماسية الشرق الأوسط الشائك.
وقال الخبير السعودي المقرّب من مركز القرار في الرياض علي الشهابي: “الصين الآن هي عراب هذه الاتفاقية وهذا له وزن كبير”.
كذلك رأى الباحث في معهد المجلس الأطلسي جوناثان فولتون لوكالة “فرانس برس” أن الاتفاق يشير إلى أن الصين مستعدة للقيام بدور أكبر في المنطقة. وتابع: “قد تكون هذه علامة على ثقتها المتزايدة في وجودها الإقليمي، وقد تكون علامة على أنها تعتبر أن ثمة مجالا لتحدي الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط. على أي حال ، يبدو أنه انتصار دبلوماسي للصين وخروج مهم عن نهجها الإقليمي”.
علاقات اقليمية
ويرى محللون إن تبعات الاتفاق المفاجئ لاستئناف العلاقات بين السعودية وإيران سيتردّد صداها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، إذ أنّ مفاعيله مرتبطة بالكثير من الملفات من حرب اليمن إلى دور الصين في المنطقة.
وتقول المحللة في “مجموعة الأزمات الدولية” دينا اسفندياري لوكالة “فرانس برس” إن الاتفاق غير متوقع. وتوضح: “كان الشعور العام هو أن السعوديين كانوا محبطين خصوصا وشعروا أن استعادة العلاقات الدبلوماسية هي ورقتهم الرابحة، لذلك بدا الأمر وكأنهم لا يريدون النزوح عن موقفهم. لكن هذا التغيير المفاجئ موضوع ترحيب كبير”. وتابعت “إنه، نوعاً ما، يمهد الطريق للقوتين في المنطقة لبدء تحديد وحل خلافاتهما”.
وقد تظهر آثار الاتفاق مباشرة في اليمن حيث يقاتل تحالف عسكري تقوده السعودية المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران منذ عام 2015.
وقال العديد من المحللين الجمعة إن السعوديين ما كانوا ليوافقوا على تحسين العلاقات مع إيران من دون تنازلات بشأن دور طهران في اليمن. ويرى الخبير في معهد الدول العربية في واشنطن حسين ابيش أنه “من المحتمل جداً أن تلتزم طهران الضغط على حلفائها في اليمن ليكونوا أكثر استعداداً لإنهاء الصراع في ذلك البلد، لكننا لا نعرف حتى الآن ما هي التفاهمات التي تم التوصل إليها في الكواليس”.
وبحسب ابيش، فإن هذا الأمر سيثير بلا شك أسئلة في واشنطن، التي تقيم شراكة معقدة منذ عقود مع الرياض.
ومن خلال إصلاح العلاقات مع إيران، يمكن للمملكة أن تواصل زخمها الدبلوماسي الواسع النطاق الذي شمل أيضا التقارب الأخير مع قطر وتركيا.
ويقول توربيورن سولتفيدت من شركة “فيرسك مايبلكروفت” الاستشارية إن الأمر يبدو منطقياً أكثر بالنظر إلى عدم وجود أي مؤشر لإحياء الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن.
من جهته، يرى الخبير في شؤون المنطقة آرون لوند إن عملية الانفتاح هذه قد تشمل إعادة سوريا إلى الحلبة الإقليمية، وهو ما عارضته المملكة جزئياً بسبب العلاقات الوثيقة للرئيس السوري بشار الأسد مع إيران.
وتابع: “من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأمور مرتبطة في هذه المرحلة، لكن تراجع العداء السعودي الإيراني يمكن أن يزيد التقارب السعودي السوري”.
المصدر: المدن