أعلن وزير الدفاع السويدي بال جونسون، عن تمسك بلاده بمذكرة التفاهم الثلاثية المبرمة مع تركيا في 28 حزيران المنصرم، بغية انضمام ستوكهولم وهلسنكي إلى حلف شمال الأطلسي.
يبدو أن جونسون يريد التعتيم على ما شهدته العلاقات التركية السويدية من تأزم خلال الأسبوعين الأخيرين وتجاهل حقيقة بأي اتجاه تتقدم الأمور مما يستدعي تذكيره:
– في 11 كانون الثاني الجاري، نظم مجموعة من أنصار تنظيم “بي كي كي” الإرهابي وداعميهم من المجموعات المتطرفة الناشطة في السويد، مظاهرة شهدت تعليق دمية تشبه الرئيس أردوغان من قدميها على عمود أمام مبنى البلدية في العاصمة ستوكهولم.
– في اليوم التالي ألغيت زيارة رئيس البرلمان السويدي أندرياس نورلين إلى أنقرة، بطلب من نظيره التركي مصطفى شنطوب الذي قال إنه لا يمكن تحقيقها وسط أجواء التوتر الحاصل.
– في 20 كانون الثاني، أحرق زعيم حزب “الخط المتشدد” الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان، نسخة من القرآن قرب السفارة التركية في ستوكهولم، وسط حماية مشددة من الشرطة التي منعت اقتراب أحد منه في أثناء ارتكابه هذا العمل الاستفزازي.
– في اليوم نفسه ألغت أنقرة زيارة وزير الدفاع السويدي بال جونسون المقررة في 27 كانون الثاني. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار “في هذه المرحلة، صارت زيارة بلا معنى، لذلك ألغيناها”.
– واكب ذلك قرار أنقرة إلغاء اجتماع آلية التنسيق الثلاثية التركية السويدية الفنلندية الذي كان مقرراً في شباط المقبل دون أن يعلن عن موعد جديد بديل.
– خلال الأسبوعين الأخيرين فقط استدعت الخارجية التركية السفير السويدي، ستافان هيرستروم، إلى مقر الوزارة مرتين متتاليتين لتبلغه إدانتها للأعمال الاستفزازية التي ترتكب ضد تركيا ورئيسها والعالم الإسلامي.
ليعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه “إذا كنتم لا تحترمون المعتقدات الدينية لتركيا أو المسلمين، فلا تنتظروا أي دعم في ما يتعلق بعضويتكم في الناتو، هذا الفعل القبيح هو إهانة ضد كل من يحترم الحقوق والحريات الأساسية للناس وعلى رأسهم المسلمون”. ويفتح بذلك الطريق أمام وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو ليضع نقطة على السطر بإعلانه أن الحكومة السويدية تعد شريكة في حادثة حرق نسخة من القرآن الكريم لسماحها بهذا العمل الدنيء. “هذه الحادثة تعد جريمة كراهية وفعلا عنصريا، وليست حرية تعبير كما يريد البعض أن يفسرها”.
من الذي يزرع الألغام على طريق عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي؟ وما هي الخيارات والبدائل بعد هذه الساعة؟
هناك سيناريوهات كثيرة طبعاً يتقدمها نظرية المؤامرة: البحث عن المستفيد الأول من كل ما يجري، أصابع موسكو ربما. أن تكون هي وراء تحريك مجموعات حزب العمال في السويد وأن يكون بالودان من أصل روسي وعميل قديم في حجرة نائمة أيقظته المخابرات الروسية عندما احتاجت إليه. وأن يجري كل ذلك بالتوقيت مع إدانة بوتين نفسه لما جرى في السويد. هدف موسكو هنا كما يرى أنصار هذه النظرية هو إسقاط أكثر من عصفور بحجر واحد: تأزيم العلاقات التركية مع السويد وفنلندا وتوتير العلاقات التركية الأميركية في ملف التوسعة الأطلسية وتفجير العلاقات التركية الأطلسية ليحمل كل ذلك معه نقاشات حول ورطة الوجود التركي في هذا الحلف وسبل إبعاد أنقرة بعدما انبرى الأمين العام للناتو ستولتنبرغ بنفسه لوصف ما جرى بأنه حرية رأي وتعبير.
– سيناريو آخر بتوليف أجهزة استخبارات غربية هذه المرة وأن تكون هي وراء ما يدور على الساحة السويدية للتأثير في مسار الانتخابات التركية البرلمانية والرئاسية، وليتحول هذا الملف إلى ورقة تصعيد وتوتر سياسي تركي، يفجر العلاقة بين الأحزاب التركية. لكن التعويل على خطة من هذا النوع سقط باكرا. العقبة كانت أولا في الاصطفاف السياسي والشعبي في الداخل التركي وراء موقف حزب العدالة والتنمية وقرار تجميد المفاوضات، ولأن صفوف الحكم والمعارضة والقيادات الدينية ومنظمات المجتمع المدني كلها انتقدت ما جرى في السويد. ثم ثانيا في تجاهل حقيقة أن انضمام البلدين للناتو تستدعي موافقة البرلمان التركي والذي ببنيته الحالية يتطلب دعم الحكم والمعارضة على السواء لتمرير قرار من هذا النوع.
– السيناريو الثالث الأقرب إلى المنطق هو محاولة السويد التخلي عن التزاماتها المقدمة لأنقرة في مذكرة التفاهم لاستحالة تنفيذ بنودها واللجوء إلى واشنطن لإخراجها من ورطتها عبر تحريك ملفات مؤثرة في العلاقات التركية الأميركية للضغط على الجانب التركي في إطار سياسة العصا والجزرة. يقول جون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية للأمن القومي في البيت الأبيض، إن واشنطن تدعم بقوة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، إلا أنها ترى ضرورة أن يتم حل الخلافات مع تركيا فيما بين الدول الثلاث. إلا أن ما يقوله القائد الأميركي السابق لقوات حلف الأطلسي الأوروبية جيمس ستافريدس “إذا عرقلت تركيا عضوية السويد وفنلندا هل سنخرجها من الأطلسي؟”، مؤشر على أن أميركا في قلب المشهد ولن تتراجع عن رغبة ضم البلدين إلى الحلف بأسرع ما يكون.
تدرك أنقرة أنه من حق السويد وفنلندا الالتحاق بحلف شمال الأطلسي لحماية نفسيهما من الخطر الروسي. تماما كما فعلت هي في مطلع الخمسينيات وفعل غيرها من دول أوروبا الشرقية والإسكندنافية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. وهي تدرك أيضا أنها لن تتمكن من الوقوف بمفردها في وجه 29 دولة تدعم هذه التوسعة. ما تريده تركيا هو انتزاع مواقف سياسية وأمنية داعمة لمواقفها في الحرب على التنظيمات التي تصنفها إرهابية وتسهيل إنهاء الحظر على تكنولوجيا البلدين العسكرية. تقدمت أنقرة بطلب العضوية إلى الاتحاد الأوروبي قبل أكثر من 60 عاما وهي ما زالت تنتظر. الاتحاد يقول لا فرصة للعضوية التركية الكاملة قبل تحقيق مطالبه وشروطه. لماذا يغضب التشدد التركي حيال السويد وفنلندا العواصم الأوروبية إذاً طالما أنه حق قانوني وسياسي لأنقرة كما تفعل هذه العواصم؟
تراجعت فرضية أن واشنطن تفصل بين موضوع عضوية البلدين في الناتو وبين صفقة المقاتلات أف – 16 الأميركية التي تريدها أنقرة. فيكتوريا لولاند مساعدة وزير الخارجية الأميركي تفرغ ما في جعبتها بالقول إن تسهيل عضوية السويد وفنلندا من قبل الجانب التركي قد يدعم فرص إقناع الكونغرس بضرورة بيع تركيا هذه المقاتلات. لكن الأمور قد تتقدم باتجاه آخر فقد صرّح وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو، بأن تركيا “منصدمة وساخطة” إزاء حرق نسخة من المصحف في السويد، مبيناً أن مثل هذا التصرف يمس بأمن السويد وأمن بلاده. وأضاف أنه على بلاده التفكير في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بشكل مستقل عن السويد إن تطلب الأمر.
واشنطن هي المدافع الأول عن طلب إلحاق ستوكهولم وهلسنكي بأسرع ما يكون في حلف الناتو، لكن التصلب التركي بعد أحداث الأسبوعين الأخيرين قد يدفع أنقرة لتبني سيناريو تدريجي جديد يقوم على الفصل بين عضوية السويد وفنلندا ووضع خريطة طريق تركية غربية بهذا الاتجاه، تبدأ بضم فنلندا أولا. قررت هلسنكي رفع الحظر عن تصدير التكنولوجيا العسكرية إلى تركيا والذي اتخذته عام 2019 على خلفية إطلاق تركيا عملية نبع السلام في شمال سوريا. قد تكون هذه الخطوة بين الأسباب الإضافية التي تدعم سيناريو تقديم عضوية فنلندا، وربما هذا ما سيأتي وزير الخارجية الأميركي من أجله إلى أنقرة في الشهر المقبل.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا