إلى أين تتجه العلاقات الأميركية التركية وسط كل هذه الخلافات بين البلدين؟.. وهل ستتمكن واشنطن وأنقرة من حلّ خلافاتهما الكثيرة بشأن سوريا والأكراد وروسيا واليونان والناتو والحريات العامة وحقوق الإنسان في تركيا؟
وما مصير صفقة بيع الولايات المتحدة 40 طائرة أف 16 لتركيا؟.. وهل سيتم ربطها بموافقة تركيا على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسي؟.. وما فائدة بقاء تركيا في حلف الناتو إذا كان أردوغان أقرب إلى روسيا منه إلى الغرب؟
برنامج”عاصمة القرار”على قناة “الحرة”، طرح هذا الموضوع مع: السفير الأميركي الأسبق في تركيا، جيمس جيفري، الذي يرأس حالياً قسم الشرق الأوسط في مركز وودرو ويلسون في واشنطن. وعلى الخبير في الشؤون التركية هنري باركي، كبير باحثين في “مجلس العلاقات الخارجية”، والأستاذ في “جامعة ليهاي” في ولاية بنسلفانيا الأميركية.
كما شارك في جزء من الحوار كل من: السفير جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق. ومن إسطنبول، يوسف كاتب أوغلو، الكاتب والمحلل السياسي التركي.
هل تركيا حليف حقيقي لواشنطن؟
“إن بلدينا منخرطان معاً كحلفاء في الناتو وكشركاء في بعض أكثر القضايا أهمية وتحدياً في عصرنا”، بحسب ما يقول وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن. ويضيف: “نحن حلفاء وشركاء مقربون. هذا لا يعني أنه ليست لدينا اختلافات، ولكن عندما تكون لدينا اختلافات، فإننا نعمل عليها معاً بروح الشراكة والتحالف”.
إلى ذلك، يضيف نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأميركية: “لدينا علاقة بناءة للغاية مع تركيا. ونحن ممتنون للدور الذي لعبته تركيا في المساعدة على مواجهة العديد من التحديات الأكثر إلحاحًا في عصرنا، وهذا يشمل بالطبع العدوان الروسي الوحشي على أوكرانيا”.
يقول السفير الأميركي السابق جيمس جيفري إن “تركيا حليف لأميركا لأنها عضو في حلف الناتو. لكنها حليف مُعقد بعلاقات متوترة أحياناً، بما في ذلك الآن. والعلاقة بين البلدين علاقة معاملات”.
بينما يعتقد هنري باركي أن عضوية تركيا في حلف الناتو تجعلها “حليفاً رسمياً لأميركا، ولكن تركيا لا تتصرف كحليف. ولو استمعنا إلى خطاب إردوغان لاعتقدنا أن أميركا هي العدو الأساسي لتركيا”.
ويعتقد الباحث الأميركي ستيفن كوك أن تركيا تريد أن يفهمها العالم على أنها تركية، فالعلاقات التركية معقدة مع الغرب، ومع روسيا في آن واحد.
تزويد تركيا بطائرات F-16S.. الإدارة تؤيد والكونغرس يتحفظ
أبلغت إدارة الرئيس جو بايدن الكونغرس، بشكل غير رسمي، أنها تعتزم بيع 40 طائرة F-16s لتركيا. وطائرات F-35s لليونان.
ويؤكد برايس أن الرئيس الأميركي قال “إنه بشكل عام يجب علينا بيع طائرات F-16 لتركيا وتحديث أسطولها الحالي أيضًا”.
ويضيف المتحدث باسم الخارجية الأميركية بأن “للكونغرس دورا في هكذا عمليات. لذلك سنواصل التعامل مع شركائنا في الكونغرس، للتأكد من أن تركيا، بصفتها حليفًا في الناتو، لديها ما تحتاجه للاستمرار في أن تكون عضوًا مهمًا في هذا الحلف، وأن تتصدى للمخاوف الأمنية الحقيقية التي تواجهها تركيا نفسها”.
لكن السيناتور الديمقراطي، بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أعلن أنه لن يُمرر صفقة الطائرات المقاتلة لتركيا: “كما أوضحت مرارًا وتكرارًا، أعارض بشدة اقتراح إدارة بايدن بيع طائرات جديدة من طراز اف-16 إلى تركيا”.
“يواصل الرئيس إردوغان تقويض القانون الدولي، وتجاهل حقوق الإنسان والأعراف الديمقراطية، والانخراط في سلوك مقلق ومزعزع للاستقرار في تركيا، وضد حلفاء الناتو في الجوار. إلى أن يكف إردوغان عن تهديداته، ويحسن سجله في مجال حقوق الإنسان في تركيا، بما في ذلك إطلاق سراح الصحفيين والمعارضين السياسيين، ويبدأ في التصرف كحليف موثوق به، لن أوافق على هذه الصفقة”.
ويضيف السيناتور الأميركي البارز: “أرحب بالأنباء التي تحدثت عن صفقة بيع طائرات مقاتلة من طراز اف- 35 إلى حليفتنا في الناتو، دولة اليونان الموثوق بها . إن هذه الصفقة تعزز قدرات بلدينا ودفاعنا المشترك عن الديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون”.
ويضيف مُشرّع أميركي آخر شروطاً إضافية على تركيا للموافقة على بيعها طائرات مقاتلة؛ فقد قال السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين إن “هجمات رجب طيب إردوغان المتكررة على حلفائنا الأكراد السوريين، واستمرار تقرّب الرئيس التركي من روسيا – بما في ذلك تأخير انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو – تظل أسبابًا خطيرة لقلقنا من إردوغان. لكي تستلم تركيا طائرات F-16، نحتاج إلى تأكيدات تركية بأن هذه المخاوف ستتم معالجتها”.
ويقول السفير جيمس جيفري إن صفقة الطائرات ستمُر في الكونغرس لأن “هناك أغلبية كبيرة في الكونغرس لا تفكر مثل السيناتور بوب مينينديز ولا مثل السيناتور كريس فان هولين، وهذه الأغلبية تتطلع إلى انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو. وهذه (الأغلبية) لن تتصرف حيال صفقة الطائرات المقاتلة، قبل أن تتأكد من موافقة تركيا على انضمام هاتين الدولتين (فنلندا والسويد) إلى حلف الناتو”.
ولا يوافق هنري باركي على صفقة طائرات F-16s لتركيا لأن هذه الطائرات” قوية جدا وتركيا تحتاجها لشؤون الأمن الاستراتيجي ضمن حلف الناتو، لا لمواجهة حزب العمال الكردستاني. المشكلة أن إردوغان يفرض شروطا تعجيزية وغير منطقية ولا يمكن لفنلندا والسويد أن تقدماها لقبول عضويتهما في الناتو. إن إردوغان يعرقل توسيع الناتو لأغراض سياسية خاصة به”.
ويقول المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، إن “صفقة طائرات F-16s ليست هِبة أميركية لتركيا، بل حق تركي حسب الاتفاقات المبرمة، خاصة تلك التي تنص على تعويض تركيا بهذه الطائرات بعد إقصاء أنقرة عن برنامج تصنيع طائرات F-35. فالموضوع هو تصحيح مسار لإعادة الثقة بين البلدين”.
وفيما يتعلق بمطالبة وزير الخارجية التركي الإدارة الأميركية بتنفيذ التزامها بإتمام صفقة بيع طائرات F-16sلتركيا، يقول السفير جون بولتون: “إن فكرة إلتزام الولايات المتحدة بإمداد تركيا بهذه الطائرات المقاتلة، مقابل موافقتها على انضمام فنلندا والسويد في حلف الناتو أمر غير مقبول”.
جون بولتون، الذي طالب مؤخرا (في مقال رأي) حلف الناتو بطرد تركيا من عضويته أو تعليق عضويتها فيه، يعتبر أن “تصرفات إردوغان غير مسؤولة كحليف في الحلف الأطلسي، فهو (إردوغان) لم يتراجع عن صفقة شراء الصواريخ الروسية المتقدمة، التي تهدد القدرات الجوّية للناتو، وأيضاً يستمر تدخل الرئيس التركي في سوريا، ويسعى منذ الآن لتزوير الانتخابات المقبلة في تركيا، وكلها أمور تبعث على القلق بين الولايات المتحدة وتركيا”، على حد تعبير مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق.
كما كتب بول إيدون في مجلة فوربس بأنه إذا وافق الكونغرس على طلب إدارة بايدن بيع طائرات مقاتلة لكلِّ من تركيا واليونان، فسيكون لتلك الصفقات “تداعيات كبيرة على توازن القوى في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط”.
ويتابع أن “بيع طائرات F-35s لليونان سيمنح القوة الجوية اليونانية ميزة تكنولوجية على نظيرتها التركية، حتى لو حصلت تركيا على صفقة F-16s، وهو الأمر الأكثر صعوبة في الكونغرس”.
إلى ذلك يضيف روبرت مانينغ، المسؤول السابق في الخارجية الأميركية، أنه “بطائرات إف -16 أم من دونها، فإن إردوغان قوة متوسطة مزعجة تضرب أكثر من ثقلها بموازنة دبلوماسية رائعة. لا يتناسب ذلك مع نموذج بايدن للديمقراطية مقابل الاستبداد؛ هذه هي معضلة تركيا وحدود القوة الأميركية تجاهها”.
إلى أين تتجه العلاقات التركية مع واشنطن ومع الناتو؟
يقول السفير جيمس جيفري إن “تركيا لن تغادر حلف شمال الأطلسي، ولن تميل أكثر باتجاه روسيا، ففي ليبيا، وشمال غربي سوريا، وفي أوكرانيا، عرقلت تركيا التمدد الروسي، وأدركت أن هذا أكبر تهديد أمني لها”.
كما يعتقد هنري باركي أن” تركيا لن تغادر حلف شمال الأطلسي لسبب بسيط أنها تستفيد كثيراً من هذا الحلف. على سبيل المثال، في عام 2020 عندما هاجمت روسيا بعض القواعد التركية في سوريا، رأينا رد الفعل الأميركي عبر إرسال صواريخ باتريوت. وبالتالي تركيا تستفيد، لكنها لا تتكلم بتاتاً عن ما فعلته أميركا من أجلها”.
ويوافق الكاتب الأميركي ستيفن كوك على مقولة أن تركيا لم تعد شريكًا موثوقًا به للغرب، لأن “تركيا قد تكون حليفًا في الناتو، لكنها بالكاد شريك. وربما تنأى تركيا بنفسها عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لكنها لا تتماشى تمامًا مع روسيا. لأنها تريد أن تكون تركية، لا شرقية ولا غربية”.
ويجادل الباحث الأميركي مايكل روبين بأن “تركيا لم تعد دولة حيوية كما كانت خلال الحرب الباردة، عندما كانت دولة على خط المواجهة مع الاتحاد السوفياتي، وكانت ذات توجه غربي. فقد حان الوقت للانتهاء من خدعة تركيا”.
انتهى في واشنطن الاجتماع الرابع للآلية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا بالاتفاق على تعزيز التواصل بين البلدين الحليفين في مجالات ومناطق كثيرة حيث تتقاطع مصالحهما على رقعة شطرنج دولية معقدة وواسعة من سوريا إلى أوكرانيا وروسيا.. فهل ستأتي الأيام والأشهر المقبلة بسياسات عقلانية مسؤولة تضبط العلاقة الصعبة بين واشنطن وأنقرة؟
المصدر: الحرة. نت