باستثناء الإتجار بالمخدرات وتحول سوريا إلى منافس عالمي لافغانستان، يكاد يكون حديث التطبيع التركي السوري الموضوع الوحيد الذي يذكّر العالم هذه الأيام بالمأساة السورية. العالم في مكان آخر مشدود إلى تطورات حرب بوتين على أوكرانيا. وكما الإعلام العالمي، يولي الإعلام الروسي والناطق بالروسية إهتماماً ملحوظاً بموضوع التطبيع الذي يثيره أردوغان منذ أشهر.
موقع المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC الذي أطلقته وزارتا الخارجية والدفاع ووكالتا الأنباء نوفوستي وإنترفاكس، ويترأس وزير الخارجية لافروف مجلس أمنائه، ويشكل الناطق بإسم الكرملين بيسكوف أحد أعضاء هيئة رئاسته. ونشير إلى هذه المعطيات لنقول بأن النصوص التي تنشر على موقع المجلس ليست بعيدة عن رأي الكرملين الرسمي، ولا تذيل بالتعبير المعروف “رأي الكاتب فد لا يتوافق مع رأي هيئة التحرير”.
نشر الموقع في 19 الجاري المستشرق المعروف وعضو المجلس كيريل سيمونوف نصاً بعنوان “سوريا وتركيا في البحث عن حل وسط: البراغماتية ضد الإساءات القديمة”. يرى المستشرق أن اللقاء الثلاثي الروسي التركي السوري في موسكو أواخر الشهر المنصرم شكل حدثا مهماً في التغلب على العداء بين دمشق وأنقرة. ولذلك قد يكون 2023 عام إنفراج في التسوية السورية وإعادة إطلاق العملية السلمية.
يقول المستشرق أن أردوغان أعرب للرئيس الروسي في إتصال هاتفي عن رغبته في إعادة التواصل مع الأسد وفق خطة من ثلاث مراحل تتوج باللقاء بين الرئيسين. وبترحيب من بوتين إكتسبت الرغبة شكل ما يسميه المستشرق “خريطة طريق” عمومية الملامح حتى الآن، وإعتبر لقاء موسكو الثلاثي المذكور الخطوة الأولى في تنفيذ هذه الخريطة.
الخطوة الثانية رآها في لقاء وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا الذي لا يزال في طور التنسيق، مع العلم أن وزير الخارجية التركي لم يستبعد إنعقاده أواخر الجاري أو مطلع الشهر القادم. لكن المعلومات الصادرة لاحقاً عن المراجع الرسمية التركية تشير إلى موعد متأخر أكثر، قد يكون آخر شباط/فبراير، حسب المستشرق.
الخطوة الثالثة والأهم على طريق تطبيع علاقات البلدين ــــــ قمة الرئيسين التركي والسوري ستتوقف على نتائج لقاء وزيري خارجية البلدين. ويرى المستشرق أنه حتى إذا لم تتم هذه الخطوة، فإن عملية تطبيع العلاقات التركية السورية ستواصل تقدمها. ومن أجل هذا التقدم ينبغي أن تكتسب لقاءات جهازي المخابرات ووزراء الدفاع والخارجية طابع الإستمرارية. واعتبر أن تصريح وزير الدفاع التركي في ختام اللقاء في موسكو يشير إلى إمكانية هذه الإستمرارية، حيث قال بأنه تم التوافق تم على مواصلة اللقاءات بصيغتها الثلاثية “من أجل الإستقرار في سوريا والمنطقة ككل”.
لكن المستشرق، وفي ما يشبه النعي المبرر لعملية التطبيع، يرى أن الخطوة الأولى قد تكون الأخيرة فيها أيضاً. يعيد “شبه النعي” هذه إلى توفر العديد من العوامل القادرة على عرقلة تقدم العملية، ويتدرج في تعداد العوامل وفق مستوى قدرتها على التعطيل حسب رؤيته التي ترى في المعارضة السورية عامل التعطيل الأخير.
لا يفرز المستشرق فقرة خاصة برفض الولايات المتحدة القاطع لعملية التطبيع، ويكتفي بالقول أن “من بين هذه العوامل يمكن إدراج موقف الولايات المتحدة. ويرى أن أميركا يمكن أن تمارس ضغوطا على أنقرة عن طريق تلبية بعض رغباتها في رفع الحظر عن صفقات السلاح المجمدة، والتي تفترض أن يؤدي إلى وقف الإتصالات بين أنقرة ودمشق “المزعجة جداً” للولايات المتحدة. أو عن طريق طرح مبادرات جديدة في مصالحة تركيا مع الكرد السوريين.
وكما هو متوقع، يخص موقف النظام السوري بشرح مسهب يرى فيه أن تعطيل التطبيع يمكن أن يحدث بسبب المطالب التي يعلنها النظام السوري شروطا لإنطلاق العملية، والتي لا يمكن لأنقرة أن تلبيها في الوقت الراهن. تشترط دمشق كخطوة أولية للقاء وزيري خارجية البلدين إنسحاب جميع القوات التركية من شمال سوريا، إلا أن مثل هذه الإنذارات بشأن الإحتلال التركي لا يمكن أن تقبلها تركيا، وهي منفصلة “بعض الشيء” عن الواقع إذا نظرنا إلى الوجود التركي في سوريا من حيث الجوهر، وليس عبر التصريحات الشعبوية.
في إطار تفنيده لعدم واقعية شروط ــــ إنذارات الأسد وعدم تمكن تركيا من الإستجابة لها، يقول المستشرق بأن وجود القوات التركية في إدلب “شرعي بالإجمال”، وذلك لأن القرار بدخولها هذه المنطقة لإقامة نقاط مراقبة إتخذته الجولة السادسة من مفاوضات منصة أستانة. ووفقاً لاتفاقات دول ترويكا أستانة، يمدد تلقائياً تواجد قواتها في منطقة خفض التوتر طالما لم تعترض إحدى هذه الدول. وإضافة إلى أنه لم تعترض أي منها حتى الآن، فإن دمشق نفسها رحبت في حينه بإتفاقات “أستانة السادسة” تلك.
وبعد أن يستعرض المستشرق، ومن وجهة نظر متوافقة مع التشجيع الروسي لعملية التطبيع، مصالح تركيا، روسيا ودمشق أيضاً في التطبيع، يجمع تحت عنوان واحد “الإجراءات المضادة المحتملة” لكل من الولايات المتحدة، الأكراد السوريين والمعارضة. ويرى أن واشنطن، وبالرغم من إعتراضها الحاد على مبادرة أردوغان، إلا أنها على إستعداد لتقديم عرض جيد لأنقرة.
يشير المستشرق إلى دعوة الأكراد السوريين المعارضة السورية الى توحيد الجهود في مواجهة التطبيع، ويقول بأن دول “الإئتلاف الدولي” تجهد لوقف الدعم التركي للمعارضة، وتعرض على الأخيرة مقابل ذلك إفساح المجال أمامها للمحافظة على سيطرتها على المناطق المتواجدة فيها باستثناء إدلب. وتقترح الولايات المتحدة على المعارضة توحيد المناطق الخاضعة للأكراد السوريين والجيش الوطني الحر، وتعد بتقديم “مساعدة واسعة” مع دول التحالف الأخرى، بما في ذلك المساعدة في الحصول على إعتراف دولي.
موقع وكالة الأنباء الإتحادية الروسية Riafan التي تدخل ضمن إمبراطورية “طباخ بوتين” الإعلامية، نشر مطلع الجاري نصاً بعنوان “إتصالات ظرفية أم تطبيع كامل: ماذا يقول حوار وسوريا تركيا”. يقول الموقع بأن تركيا من جانب تصرح بإستعدادها للتواصل مع سلطات سوريا الشرعية، ومن جانب آخر تواصل دعمها للمقاتلين الراديكاليين من “ما يسمى المعارضة المعتدلة”.
ويستنتج الموقع من لقاء وزير الخارجية التركي مطلع الشهر مع قادة الفصائل السورية المعارضة أن تركيا، وعلى الرغم من إنفتاحها على دمشق الرسمية، إلا أته ليس في نيتها أن تقوم ب”تغيير حاد” في نهجها السياسي وتدخل في مفاوضات جدية مع دمشق. وينقل عن الناطق بإسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين قوله بأن أنقرة لن تتخلى عن دعم المعارضة، وأن ممثليها سوف يلعبون دوراً أساسياً في مستقبل سوريا.
ويرى الموقع أن أي تطبيع للعلاقات بين تركيا وسوريا من شأنه أن يغير الصراع السوري، حيث أن “تركيا بالذات” هي التي كانت تدعم أولئك المقاتلين الذين يطلق عليهم الإعلام الأجنبي “المعارضة المعتدلة”، وهم مصرون على مواصلة الإحتفاظ بسيطرتهم على المناطق التي يتواجدون فيها شمال سوريا.
ويرى الموقع أن من السذاجة الإفتراض أن تركيا وسوريا سوف تقدمان على تطبيع علاقتهما في المستقبل القريب. ويبدو أن الطرفين مستعدان للتعاون في مسائل معينة، لكن ليس لتغيير مقاربتهما للأزمة السورية ككل.
المصدر: المدن