كتبت في عام 2019 أن المسار الذي تسلكه مصر ينذر بالإفلاس قريبًا وفشل الدولة على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها.
وقد اعترض البعض على هذا الرأي حيث اعتقدوا أن مصر تشهد تنمية كبيرة، فقد واصلت الصناديق الأجنبية الاستثمار في الأدوات الحكومية المصرية واستمر صندوق النقد الدولي في تقديم دعم غير مشروط جوهريا.
لكن في الأشهر الثلاثة الماضية، تعرض الجنيه المصري لضربات موجعة، وأصبحت العملة الأجنبية غير متوفرة لمعظم المستوردين وتفاقمت تكاليف المعيشة، وطبقاً لإحدى التقديرات فقد بلغ التضخم نسبة لا تحتمل وصلت إلى 88%.
وقد ارتفع إجمالي الدين المصري بنسبة 93% في 5 سنوات فقط. وفي ميزانية 2022/2023، شكلت الديون ما يقرب من 50% من الإنفاق. بعبارة أخرى، تقترض مصر فقط من أجل البقاء، والطريقة الوحيدة للوفاء بالتزامات هذه الديون هي اقتراض المزيد.
وحتى ضمن القيود المعيقة التي يسمح للبرلمان المصري بالعمل من خلالها، من الواضح أن الرقصة قد انتهت. فوفقًا لتصريحات أحد النواب، “ليس لدى الحكومة رؤية لوقف الاقتراض، أو حتى للحد من استخدام الاقتراض لسد العجز وزيادة الموارد”.
ماذا عن مقومات الاقتصاد؟ الجواب هو أن هذه المقومات تم تدميرها بشكل منهجي على مدى السنوات العشر الماضية منذ الاستيلاء العسكري على البلاد.
وتعد مصادر العملات الأجنبية في مصر محدودة. وتقليديا، كان المصدران الرئيسيان هما عائدات قناة السويس والسياحة، وقد تضرر كلاهما بشدة، أولاً بسبب عدم الاستقرار، ثم جائحة “كوفيد -19” والآن حرب أوكرانيا.
في غضون ذلك، أهدرت الحكومة فرصًا هائلة لتطوير الاقتصاد وتحديثه وتنميته.
وبدلاً من تنمية القطاع الخاص – بما يحمله ذلك من تأثيرات على الناتج المحلي الإجمالي – اختارت الحكومة وضع جميع الأنشطة الاقتصادية في أيدي الجيش.
ويعمل الجيش اليوم في كل قطاع من قطاعات الحياة الاقتصادية المصرية، بما في ذلك الإعلام والترفيه والأغذية والضيافة والإنشاءات وكل شيء آخر تقريبا.
والنتيجة.. مصر ليست مفتوحة للعمل، في الواقع، القطاع الخاص على أجهزة الإنعاش، إن لم يكن قد مات بالفعل.
في غضون ذلك، ركز الجيش، بتوجيه مباشر وشخصي من الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، على المشاريع الضخمة التي ليس لها تأثير على النمو الاقتصادي.
وسحبت “العاصمة الإدارية” الجديدة في الصحراء 55 مليار دولار من الاقتصاد، بينما سحبت منه التوسعة غير الضرورية لقناة السويس ما يقرب من 9 مليارات دولار أخرى، ولم ينجم عن ذلك زيادة تذكر في الإيرادات.
وليس من الصعب معرفة كيف وصلنا إلى هذه النقطة. أولاً، اتبع النظام مسارًا لا علاقة له بالمعرفة الاقتصادية من الناحيتين النقدية والمالية. ثانيًا، كان هناك دعم هائل من صندوق النقد الدولي والقوى الدولية الأخرى، وإشادة بإجراءاته الاقتصادية.
ثالثًا، ذهب ما يقدر بنحو 45 مليار دولار لشراء أسلحة، دون أي حاجة جيوسياسية واضحة.
وبين عامي 2015 و 2019، أصبحت مصر – البلد المثقل بالديون مع الفقر المدقع – ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم. وعلى العكس من ذلك، فإن الإنفاق على القطاعات الأساسية مثل الصحة والتعليم كان أقل من الحدود الدنيا المضمونة دستوريًا.
وكان وراء هذه القرارات رؤية واحدة ووحيدة لم يزل “السيسي” ملتزماً بها منذ البداية، ألا وهي أنه يوجد وفرة من المال محلياً وإقليمياً بإمكان مصر أن تسحب منه كيفما شاءت. وترافق ذلك مع قمع وحشي غير مسبوق ما زال مستمراً وبلا وهوادة.
وهكذا تركزت سياسة الحكومة على إيجاد طرق لسحب أموال الناس عبر إصدار السندات العامة، والتي فعلياً تمنح عائداً سلبياً إذا ما أخذنا بالحساب تهاوي قيمة العملة، أو عبر مزيد من فرض الضرائب.
وتستهدف آخر ضريبة فرضتها الحكومة مؤسسة الزواج. وكان معظم المصريين يفترضون أن تلك مجرد نكتة، وذلك إلى أن أعلن عنها السيسي بنفسه. بات معلوماً لدى الجميع منذ وقت مبكر أن “السيسي” يرى في أموال الخليج ما صرح به ذات مرة قائلاً “إنهم لديهم الكثير من الأرز”.
أخيرًا، يحتقر “السيسي” التخطيط، وقد ذكر بشكل واضح أنه إذا كانت الحكومة أجرت دراسات جدوى، لم تكن لتوافق على 75-80% من المشاريع الحكومية.
وكانت تلك خطوات واضحة باتجاه كارثة حتمية، إذن، كيف يمكن للحكومة أن تستمر في العمل بهذه الطريقة مع الحفاظ على مكانتها الدولية؟ الجواب محزن لكنه واضح: الحكومة اشترت المجتمع الدولي من خلال سلسلة من المناورات.
فعلى سبيل المثال، كانت الغاية من شراء السلاح هي “كسب رضى البلدان البائعة، وفي نفس الوقت قطع الطريق على أي ضغوط أمريكية محتملة بشأن بعض القضايا مثل السجل البائس في مجال حقوق الإنسان وفي مناهضة الديمقراطية”، بحسب ما قاله “يزيد صايغ”، كبير الباحثين في مركز “مالكوم إتش كير كارنيغي” للشرق الأوسط.
وفي نفس الوقت لبت، معدلات الفائدة المرتفعة على الديون احتياجات المؤسسات الاستثمارية. أما المانحون، مثل دول الخليج، فرأوا أن نجاح النظام العسكري أمر ضروري بالنسبة لمشاريعهم في المنطقة.
وهكذا وصلنا إلى هنا حيث إهدار مئات المليارات من الدولارات وهدم القطاع الخاص وجعل خزينة الدولة مثقلة بالديون مع ارتفاع تكلفة المعيشة ووجود انفصال شبه كامل بين المشاعر الشعبية والسياسة الرسمية.
ويعتقد ما يقرب من 70% من المصريين أن الحكومة “لا تفعل سوى القليل جدًا لتلبية احتياجات الناس ليكونوا في مستوى معيشي مقبول”، وبالرغم من الممارسات القمعية للنظام، فإن نصف السكان لا يرون أن الاحتجاجات في الشوارع ضد الحكومة شيء سيء.
وبغض النظر عن الأرقام، ليس هناك شك أن مزاج الشارع المصري تغير بشكل ملموس. وبينما يحيط اليأس بالناس من كل جانب، فقد تمكن الخوف من الجميع.
ويسود إحساس بأن البلد ينهار على مرأى ومسمع من المصريين، ولا يوجد ما يشير من قريب أو بعيد إلى أن “السيسي” أو الحكومة على استعداد لإعادة تقييم هذا المسار المفضي إلى الدمار.
يختلف شعور الغضب اليوم عن ما كان عليه في أي وقت سابق من تاريخ مصر الحديث.
وهذا لا يعني بالضرورة أنه ستكون هناك تعبئة جماهيرية، لكن الغضب الشعبي سيصل إلى نقطة ستمتد إلى الشوارع ويقابلها قمع وحشي مميت. ولكن بدون أي ملاذ آخر، سيصبح الوضع غير قابل للتنبؤ.
ومن المرجح أن يستمر الداعمون الدوليون في تقديم حبال نجاة خاضعة لمغالطة التكلفة الغارقة والتوهم بأن بإمكانهم دفع النظام نحو “الإصلاح”. ولكني الآن أصبح على يقين بأن مصر مقبلة على كارثة.
قد تكون الحكومة قادرة على تأخير الانهيار، ولكن ليس منعه، ويجب أن يكون واضحًا للجميع أن الحكومة نفسها ورؤية زعيمها هي التي قادت مصر إلى هذه النقطة الكارثية.
إن الطريق الوحيد أمام مصر للمضي قدمًا هو الطريق الذي لا يشمل “السيسي” أو الجيش كسلطة تنفيذية، وبدون هذا التغيير، تتجه مصر نحو مستقبل مجهول ومظلم.
لقد قيل إن مصر أكبر من أن تفشل، ولكن قد يكون من الصعب إنقاذها. وفي غياب انتخابات رئاسية مبكرة، مصحوبة بإعادة ضبط رئيسية وجوهرية في النهج القمعي والوحشي للنظام، سنستمر في الاندفاع نحو الكارثة.
**لقراءة النص الأصلي Despair, fear, repression: Sisi is driving Egypt toward disaster
المصدر | يحيى حامد/ ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد