ظهر القانون الدولي الإنساني ، الذي يقر غالبية الفقهاء بأنه فرع من فروع القانون الدولي المعاصر .أما تعريف القانون الدولي الإنساني بالمفهوم الواسع بأنه : (( مجموعة القواعد القانونية الدولية المكتوبة أو العرفية التي تكفل احترام الفرد ورفاهيته )) .أما بالمفهوم الضيق فليس مجاله هذه المقالة.
الخلاصة : من حق المدنيين العزل حسب القانون الدولي الإنساني الحماية التي تضمن احترام الفرد وكامل حقوقه التي شرعتها الرسالات السماوية والقوانين الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والتزامات الدولة اتجاههم وكذلك الأمر الآليات الدولية الخاصة بتنفيذ هذه القواعد وذلك في اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1977 ( بمبدأ القياس طبعا ) .
من الجدير بالذكر أن مبدأ الحماية قد رسخ واستقر في أول وثيقة دولية وهي إعلان سان بترسبورغ لعام 1868 حيث نصت الفقرة الثانية من ديباجة الإعلان على ما يلي : (( … وهذا يعد اعترافا ضمنيا بأن الأعمال العدائية لا توجه إلى المدنيين المسالمين …. )) . من هنا توالى النص على هذا المبدأ في كل الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة. وعليه يعد هذا المبدأ أو الآلية الركيزة الأساسية للحماية الإنسانية للمدنيين الأبرياء من الأعمال العدوانية إثناء الحرب وأثناء السلم على السواء.
دواعي طلب الحماية الدولية حسب القانون الدولي الإنساني:
إن ارتكاب الجرائم بحق المدنيين بحجة متطلبات الحفاظ على الأمن، أو ما يطلق النظام السوري عليه (العصابات المسلحة)، واستخدام النظام السوري لأبشع وسائل القمع ونذكر منها وفق القانون الدولي الإنساني:
1- استخدام الغازات المسيلة للدموع. (بسوريا استخدمت بعنف ومخلوطة بغازات سامة ومنتهية الصلاحية .
2- زراعة الألغام المضادة للأفراد .(وهذه أيضا استخدمها النظام السوري على الحدود الأردنية السورية ومناطق أخرى ).
3- استخدام سلاح التجويع ضد المدنيين أو ما يسمى بالضغط الاقتصادي .
4- استخدام أسلحة محظورة دوليا مثل الدمدم متفجر الرأس أو قذائف أو مواد من شأنها أن تسبب آلام لا مبرر لها وخصوصا المقذوفات ذات المعيار الصغير والسرعة الأولية الكبيرة ( فإن كانت محرمة بحالة الاحتلال فكيف بمواجهة المدنيين ).
5- الاعتقال التعسفي والتعذيب والتصفية الجسدية والاغتيالات وعشرات الأسباب الأخرى وكلها متوفرة بالملف السوري وتم انتهاكها من قبل النظام .
المدنيون من هم ؟
جاء في التوصيات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها (25) تحت رقم 2675 ، والتي تنص أنه: (( يجب أن ألا يكون السكان المدنيون بصفتهم هذه هدفا للعمليات العسكرية )) والملاحظ على هذه التوصية أنها تبنت التفسير الواسع في تعريف المدنيين .
والمدنيون وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ظل جهودها لوضع تعريف محدد واضح للمدنيين ، فقد جاء في المادة الرابعة من مشروع القواعد المتعلقة بالحد من الأخطار التي يتعرض لها المدنيون لعام 1956. حيث نصت المادة المذكورة على أن (( يتألف السكان المدنيون من كل الأشخاص الذين لا ينتمون لفئة أو أخرى من الفئات التالية:
أ- أفراد القوات المسلحة أو التنظيمات المساعدة أو المكملة لها .
ب- الأشخاص الذين لا ينتمون للقوات المشار إليها أعلاه ولكنهم يشاركون في القتال )).
وقد جاء في المادة 50 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 . على أن (( …. يندرج في السكان المدنيين كافة الأشخاص المدنيين . ولا يجرد السكان المدنيون من صفتهم المدنية بوجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين … )) .
ما هي حقوق المدنيين في اتفاقية جنيف الرابعة ؟
باختصار نذكر أهم الحقوق :
1- الحق في الحياة والنهي عن التعذيب والمعاملة الغير إنسانية .
2- حق احترام الأشخاص وشرفهم وكرامتهم .
3- حق احترام العقيدة الدينية والعادات والتقاليد .
4- حق المدنيين في البقاء والتنقل وتحريم النقل الإجباري .
5- الحقوق القضائية .
6- وهناك حقوق اقتصادية وثقافية .
7- حقوق العائلة ( احترام روابط الزواج المقدسة –وعدم التفريق بين أفراد الأسرة الواحدة – احترام السكن –حماية النساء وشرفهن من الاغتصاب والاعتداء حسب الفقرة الثانية من المادة 27 .
8- الحق بالتربية والتعليم والصحة
9- حق العمل وعدم الطرد التعسفي .
10- حق احترام الحقوق المالية الخاصة بالسكان المدنيين .
11- الحق في حماية الممتلكات الثقافية وهناك أسباب أخرى لن نذكرها لعدم الإطالة .
بعض انتهاكات النظام السوري :
1- قصف الأحياء السكنية وتدمير المنازل والممتلكات المدنية الخاصة .
2- استعمال القوة المفرطة وغير المناسبة ،وأعمال القتل خارج إطار القانون والقضاء .
3- اعتماد سياسة الاغتيالات رسميا .مما أدى إلى قتل الكثير من المدنيين إضافة إلى إطلاق النار على المدنيين خلال مواجهة التظاهرات وأثناء مرورهم على الحواجز .
4- استمرار سياسة الحصار والعقاب الجماعي ، وفرض القيود على حرية الحركة .
5- تدمير المساجد ومحاصرة للمشافي ، وقتل الأطفال والنساء والمرضى والإجهاز على الجرحى .وهم الأحق بحماية خاصة لكونهم أكثر ضعفاً.
واقع حدود الآليات الدولية بضمان حماية المدنيين :
إن ظاهرة القتل والاستبداد من قبل الحاكم المستبد والمستأثر بالسلطة والقاتل لشعبه ليس ظاهرة حديثة عبر التاريخ ، لكن الحديث في الأمر ،هو دور المجتمع الدولي في تأمين الحماية للمدنيين في ظل ( الاحتلال ) الداخلي والهيمنة على السلطة والإطاحة بالحاكم القاتل لشعبه والتدخل لدى كيان دولي داخلي يبيد فئة معينة من شعبه لتمردهم على الحكم المطلق بالتظاهر السلمي ، أو بسبب انتمائهم . كما حدث في يوغسلافيا في القصف الثاني من القرن الماضي . وما حدث في العراق وليبيا .وإن اختلفت الأسباب والأدوات مع الملف السوري .
لذلك وباعتبار أن الظواهر الجديدة تحتاج إلى زمن لتقنين النصوص الدولية لتأطير الفعل والنص . لكن هذا لا يمنع الاجتهاد رغم وجود الأرضية القانونية في النصوص والعهود والاتفاقيات .
فقد ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة أن من أهم واجباتها وأسباب نشوئها هو إحلال السلم والأمن الدوليين . ومن هذا المنطلق ومن باب القياس والتطبيق وجب عليها اتخاذ ثلاثة إجراءات سريعة :
1- ضمانات الإشراف والرقابة على التنفيذ وفق اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول .
2- دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين .
3- دور الأجهزة القضائية الدولية في تنفيذ قواعد حماية المدنيين .
أولا ً : ضمانات الإشراف والرقابة :
1- اللجنة الدولية للصليب الأحمر : تتشكل مما لا يزيد عن خمسة وعشرون مواطنا ً سويسريا ً ، تبعا لقدراتهم الذاتية ونزعتهم الإنسانية ، لمدة أربع سنوات بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي الأعضاء . وهم الأمر الذي يسمح لهم بتفادي الضغوط الخارجية ويجعلهم أحراراً في أداء وظائفهم . وتستمد مشروعية نشاطها من منطلق عملها التقليدي ، وتواجدها الميداني ، من خلال شبكة مندوبيها . وقد أقرت اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولان الإضافيان الملحقين بها ، بدور اللجنة .
2- الدولة الحامية : وقد عرّفت في ظل القانون الدولي بأنها الدولة التي تحمل على عاتقها مهمة حماية المدنيين المسالمين في دولة جارة أو قريبة ، وتختارها الدولة المحتلة أراضيها ، وبالقياس الممثل الوحيد للشعوب التي تتعرض للإبادة أو العنف ، وهنا المدنيين بمثابة ممثلين ولهم الحق باختيار الدولة الحامية . وعليها واجبات تقوم بها من تلقاء نفسها وواجبات إلزامية .
3- اللجنة الدولية لتقصي الحقائق .
ثانياً : دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين :
أُنشأت الأمم المتحدة على ركام حربين عالميتين ، ومن أهم أهدافها العمل على حفظ السلم والأمن الدوليين .
وتعتبر الشعوب هي بمثابة أشخاص بالمجتمع الدولي ، ومن هنا فلمجلس الأمن الكثير من التدابير في إيقاع الجزاءات الدولية بهدف عمليات حفظ السلام العالمي وحماية المدنيين .
• أشكال الجزاءات الدولية :
1- الجزاءات أو العقوبات الاقتصادية : ولها جانبين .الأول : منع الدولة المرتكبة للمخالفة الدولية من الاستمرار في فعلها . والثاني : عقابي يهدف إلى ايقاع الضرر بالدولة لردعها وتتنوع ألوان وصور الجزاء ومن بينها :
– الحظر الجوي أو الحصار .
– المقاطعات الاقتصادية .
– عقوبة عدم المساهمة ( الاقتصادية ) .
– وقف العمل بالاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة المخالفة طرفا ً فيها .
– تجميد الأرصدة …… الخ ما هنالك من عقوبات وجزاءات .
2- الجزاءات الدولية والسياسية والدبلوماسية : وهو دو طابع سياسي طرد السفراء والبعثات الدبلوماسية ، تعليق العضوية أو تجميدها في الهيئات الدولية والمنظمات الدولية والإقليمية ….. الخ .
3- الجزاءات الدولية العسكرية : أي بالاستخدام المشروع للقوة المسلحة . كأثر لانتهاك أحد أشخاص القانون الدولي للقواعد المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين . شريطة إخفاق سائر الجزاءات الدولية الأخرى غير العسكرية .
• وقد اقر ميثاق الأمم المتحدة هذا الجزاء في المواد من 42 إلى 50 من الفصل السابع ، وحتى يكون الخيار واجب التطبيق يحتاج إلى شرطين متلازمين أو أحدهما :
1- انتهاك جسيم لا يمكن معه إعادة السلام والأمن الدوليين إلى نصابهما دون اللجوء إلى الجزاءات العسكرية .
2- فشل الجزاءات الأخرى غي العسكرية ، وهو أمر متروك للسلطان المطلق لمجلس الأمن حسب معيار جسامة الانتهاك .
• تجدر الإشارة أن البند السابع من الميثاق وعلى الأخص من المواد 42إلى 50 منه لم يورد أية إشارة إلى الطرق المثلى لتنفيذ هذه التدابير .
ثالثاً : دور الأجهزة القضائية الجنائية الدولية الخاصة في حماية المدنيين :
هناك أمثلة كثيرة على النماذج القضائية الدولية الخاصة :
– محكمة نورمبرغ وطوكيو ، ومن ضمن صلاحياتها النظر بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية التي ترتكب ضد السكان المدنيين .
– المحكمة المختصة بالقضية اليوغسلافية .
– المحكمة الدولية المختصة بقضية اغتيال الحريري وسلسلة الاغتيالات بلبنان .
– المحكمة الجنائية الدولية الدائمة :
وتعتبر آلية فعالة من آليات إحكام تطبيق القانون الدولي الإنساني ، ولها تأثير رادع لا يستهان به اتجاه من تسول له نفسه بانتهاك أحكام ذلك القانون ، وتعتبر جهازاً قضائياً مستقلاً ودائماً .
أما اختصاصاتها كل الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ، والقانون الدولي الإنساني ونذكر منها :
– جرائم إبادة الجنس البشري .
– الجرائم ضد الإنساني .
– جرائم الحرب .
– جرائم العدوان .
من هنا تبرز الأهمية بتوثيق الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها النظام السوري بحق الشعب الأعزل وضد المدنيين .
ومن خلال ما تقدم نستطيع القول أن محاولات النظام السوري التملص من التزاماته الدولية اتجاه المدنيين ، أو التهرب من إيقاع الجزاءات الدولية عبر آلية التصويت في مجلس الأمن بالاعتماد والارتكاز على الفيتو الروسي والصيني ستبؤ بالفشل لإحدى احتمالين :
1- أما تغيير الموقفين من القرار بدفع الفاتورة المطلوبة كون الأمر متعلق بالمجمل بالاقتصاد.
2- أو بتطبيق السيناريو وفق السوابق الدولية للجوء إلى تفعيل النص في الفصل السابع تحت وطأة فضائع الجرائم إذا وصلت إلى مرحلة الإبادة إذا لزم الأمر كما حدث في قضية إبادة المسلمين في يوغسلافيا .
المصدر: الحوار المتمدن
تاريخ النشر 26/8/2015