وقف الباحثون أمام العجز العربي مما يجري في فلسطين وسورية، ابتداءً بالقتل الذي يُمارس بحق المدنيين والمعارضين للنظام أمام أعين العالم في سورية، مرورًا بقيام ابنة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصيًا، إيفانكا، بافتتاح السفارة الأميركية في القدس؛ الأمر الذي عدّه البعض تحديًا لكل العالم ولكل قوانينه وأعرافه، إضافة إلى قتل ما يزيد عن 60 فلسطينيًا مدنيًا بدمٍ بارد.
حول ذلك، يقول الباحث والمحامي السوري نادر جبلي: “ليس هناك أي سر في قصة العجز العربي عن مواجهة التحديات والمخاطر التي تحيق بالأمة، سواء في فلسطين أو في سورية، أو في غيرها. بل لا شيء أكثر وضوحًا من قصة العجز هذه”، معتبرًا في حديث إلى (جيرون) أن القصة “تكمن في حالة التردي والضعف والانحطاط الفظيعة التي تعيشها الدول العربية، والتي تسببت بها طغمٌ حاكمة مستبدة شمولية، لا يهمها إلا بقاؤها في السلطة وحماية عروشها، مهما كان الثمن، وأيًا كانت الوسيلة”.
أضاف جبلي: “هذا الهدف الرئيس (لدى الحكام العرب) تطلّب العمل على خطين: الأول هو تغييب شعوبها وتدجينها، ونزع الحرية والسياسة والفكر والثقافة من مجتمعاتها، وتحويلها إلى غوغاء لا تملك سوى تأييد الحاكم والتسبيح بحمده وبمآثره العظيمة وانتصاراته الوهمية. والثاني هو التنازل والانبطاح أمام القوى العالمية المهيمنة والمؤثرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها (إسرائيل)، باعتبارها القادرة على حماية هذه الأنظمة وردع أعدائها، وتثبيتها في عروشها”.
ورأى أن واشنطن، كي تحمي هذه الأنظمة (من إيران مثلًا)، فرضَت عليها تقديم “التنازلات في القضية الفلسطينية لصالح (إسرائيل)، وتقديم ثروات البلاد كهدايا ورشى لهذا السيد الحامي (واشنطن)، على شكل صفقات إذعان بأرقام فلكية، كما يتطلب الالتزام بأوامره، مهما كانت”.
في الموضوع ذاته، قال #رياض_نعسان_آغا، وزير الثقافة السوري سابقًا: إن الأوروبيين الذين تقاسموا الأمة العربية “رتّبوا البيت العربي، بما يضمن بقاء نفوذهم، عبر قيادات محلية تابعة للقوى الكبرى، وزرعوا إسرائيل في قلب الأمة العربية لتمنع أي تمرد على نفوذ القوى المهيمنة. وفي أواخر السبعينيات من القرن الماضي، تمكّن الغرب، بظهور دولة الملالي المتطرفة مذهبيًا، من أن يحوّل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع طائفي مذهبي، ويمنع العرب من أي تمرد أو ثورة ذات صبغة عربية، وحين حاولت الشعوب العربية الانتفاض على واقعها، والثورة على عجز النظام العربي بعد سلسلة من انهياراته أمام إسرائيل (عام 48، وعام 67، وعام 73) وبعد دعم الديكتاتوريات فيه، تم إجهاض الربيع العربي بدعم دولي، وتمت إعادة الشعوب العربية في الدول الثائرة إلى حالة أسوأ مما كانت عليه قبل الثورات، التي تم اختراقها بدعم التطرف، وتمت السيطرة على توجهات الربيع العربي، وإغراقه بالفتن وإيقاظ النعرات التاريخية دينيًا ومذهبيًا، ثمّ عبر التدخل العسكري الخارجي المباشر، كما حدث في سورية”.
أضاف آغا، خلال حديثه إلى (جيرون)، أن “لا بدّ من الإشارة إلى وجود حراك عربي واكب الانهيارات، وإلى ظهور دولٍ تمكّنت من تحقيق توازن وتنمية، كما في دول الخليج، ولكن على صعيد الأمة حيث القوى البشرية الكبرى، فقد تمّت السيطرة مرحليًا على محاولة الشعب العربي في النهوض والخلاص من العجز، حتى وصلت الأمة إلى حالة الموت السريري الراهنة، لكن الإرادة الشعبية لا بدّ لها من أن تعيد الكرة حتى تخرج الأمة العربية من حالة السبات التاريخي المزمن”.
على الصعيد نفسه، قال الباحث اللبناني فضيل حمود: “منذ أكثر من 70 عامًا، نحن في مُسلسل نكبوي عربي، وما احتلال فلسطين إلا حلقة فيه. كنّا بالصهيونية، أصبحنا أمام إيران ولاية الفقيه التي تسيطر مع حكومات العمالة في سورية والعراق، وميليشياتها المذهبية العربية ومرتزقتها، على العراق وسورية واليمن ولبنان، إضافة إلى الأحواز وجزر الإمارات”.
وأوضح لـ (جيرون) أنه “في الوقت الذي تبيد فيه عصابة الأسد مع المحتلين الروس والإيرانيين، بمشاركة بعض الفصائل الفلسطينية، عاصمةَ الشتات الفلسطيني مخيم اليرموك وتهجر لاجئيه، ترتكب إسرائيل مجزرة أخرى في غزة، ذهب ضحيتها العشرات من المقاومين المدنيين الأبطال”.
وقال: إن “ما ارتكبه النظام الأسدي الأب والابن بحق القضية الفلسطينية وشعبها، بالإضافة إلى الشعبين السوري واللبناني، يفوق بأضعاف مضاعفة مجازر وإبادات العدو الصهيوني. أنظمة الخليج والأردن التابعين لأميركا متواطئة ومستعدة لمد أياديهم لإسرائيل، معتقدين أنهما ستحميانهم من توغل إيران. ومصر التي أنهت حالة العداء مع الكيان الصهيوني، منذ اتفاقية العار (كامب ديفيد)، أطلق ديكتاتورها السيسي يد (إسرائيل) في استمرار عدوانها ومجازرها على شعبنا الفلسطيني، وهو يحاصر معها قطاع غزة”.
أضاف: “السلطة الفلسطينية الفاسدة هي امتداد لأنظمة الاستبداد والاستسلام العربي، وهي تتعاون مع العدو وتنسق أمنيًا معه ضد شعبها. (حماس) إمارة إسلامية تمارس مقاومة فلكلورية، إضافة إلى ضربها وحدة القضية والشعب. الشعوب العربية في غالبها مغلوب على أمرها، بين مطارق الغزاة وسنادين الطغاة والغلاة، الذين تظافرت جهودهم لضرب انتفاضات شعوبنا 2011، وإمكانية نهوضها في المهد. الشعب الفلسطيني، كما السوري، يقاوم باللحم الحي وبصدور عارية، عارية حتى من قوى وقيادات منظمة تقودهما”.
في السياق أيضًا، قال الكاتب محمد جبر المسالمة لـ (جيرون): إن الأنظمة العربية كلها “جاءت إلى السلطة بقرار إسرائيلي ومباركة أميركية، كلهم خارج الشرعية الشعبية. فالخطر على سلطاتهم من شعوبهم وليس من إسرائيل”، موضحًا أن “أهم #درس أكده الربيع العربي أن المعارضة الوطنية الديمقراطية #قادرة على إسقاط سلطاتهم بيسر وسهولة، وفي وقت قصير، بالرغم من كل ثغراتها، وأن ارتهانهم للخارج واستقواءهم بقوته العارية، ووضع مقدرات الأوطان تحت تصرف القوى المعادية لحاضر الأمة ومستقبلها، #هو الذي أبقاهم في مواقعهم، على حساب تدمير الوطن والمواطن”.
المصدر: جيرون
تاريخ النشر 16 أيار 2018