تشكل معارضة تركيا لطلب السويد للانضمام لحلف شمال الأطلسي ” الناتو”، أداة أخرى للسياسة الخارجية التي ينتهجها أردوغان قبل انتخابات 2023.
في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، تحدث وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم عن طلب السويد للانضمام إلى “حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”)، إلى جانب فنلندا، في مقابلة مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية. وتطرق الحديث أيضًا إلى رفض البرلمان التركي المستمر تأييد انضمام السويد وفنلندا، وهو ما لا يمكن أن يتحقق بحسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلا بعد استيفاء عدة شروط. أما هنغاريا التي تعد العضو الآخر الوحيد في “الناتو” الذي يقف بوجه هذه العضوية، فقد ذكرت مؤخرًا أن برلمانها سيؤيد الطلب في كانون الأول/ديسمبر أو في مطلع العام 2023.
وردًا على سؤال مباشر في المقابلة، أكد بيلستروم أن هدف السويد هو الانضمام إلى “الناتو” في أقرب وقت ممكن وأن السويد لا تنوي بتاتًا انتظار الانتخابات البرلمانية التركية المقرر إجراؤها في حزيران/يونيو 2023. ومع ذلك، لا تزال العقبة متمحورة حول القضية الكردية، والوقت وحده كفيل بأن يحدد إلى أي مدى يمكن لأردوغان الضغط على السويد لتقديم التنازلات.
في حزيران/يونيو الماضي، أبرمت السويد وفنلندا صفقة مع تركيا حول الانضمام إلى “الناتو” ووقعتا اتفاقًا كان من المفترض أن يسهل العملية. وتبرز في هذا الاتفاق، الذي وقعته الحكومة الاشتراكية الديمقراطية السابقة التي خسرت لاحقًا في انتخابات أيلول/سبتمبر، فقرة تشير إلى استعداد الدولتين للعمل مع تركيا بشأن “مكافحة الإرهاب”، وتحديدًا الحركات الكردية. غير أن الأمور ازدادت ريبة وخطورة بعد الاتفاق.
فقبل الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، لم تفكر السويد قط بشكل جدي في الابتعاد عن سياسة الحياد التي كانت تنتهجها أو عن وضعها كدولة غير منتمية إلى “الناتو.” وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، سعت السويد إلى الانضمام ما يطلق عليه اتفاق الدفاع الاسكندنافي، لكن هذا الاتفاق باء بالفشل بعد انضمام كلا من النرويج والدنمارك إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، واضطرت فنلندا إلى استرضاء الاتحاد السوفيتي. بدأت الأمور تتغير في نهاية الثمانينيات، حيث صارت الحكومة السويدية الحالية تحت قيادة حزب يمين الوسط “Moderaterna”، الذي طالب لسنوات بانضمام السويد إلى “الناتو” وجادل بأن الحياد السويدي انتهى فعليًا مع قرار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عام 1995.
مع ذلك، لطالما دعمت السويد حركات الاستقلال والمبادرات الرامية إلى استدامة ودعم الجهود الإنسانية في عدد من الأماكن، وكان لهذا الدعم دور مهم في السياسة الخارجية السويدية، وهي سياسة أدت في كثير من الأحيان إلى دعم القضايا الكردية. وبالفعل، تضم السويد جالية كردية كبيرة، إذ يعيش فيها ما لا يقل عن 100 ألف كردي يحمل معظمهم الجنسية السويدية أو الجنسية المزدوجة، ومعظمهم من تركيا. والكثير من هؤلاء المواطنين الأكراد ناشطون سياسيًا في منظمات معنية بمختلف المجالات. وقد طالبت تركيا السويد على مدى سنوات متعددة بالحد من نشاط الجالية السياسي هذا، لأنه غالبًا ما يكون موجهًا ضد تركيا.
وحين تقدمت السويد بطلب الانضمام إلى “الناتو”، أصبح بيد تركيا فجأة أداة قوية للضغط على السويد بشأن هذه المسائل، بما أن أي عضوية جديدة في “الناتو” تستوجب موافقة جميع أعضائه. وفي حين بدا في بادئ الأمر أن اتفاق حزيران/يونيو يدل على إحراز بعض التقدم بهذا الشأن، إلا أن تركيا صعّدت الموقف منذ ذلك الحين وأصدرت سلسلة من التفسيرات للاتفاق. وأصبحت مطالبها تشمل الآن تسليم الأفراد الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين، وأضيفت إليها مؤخرًا مطالبة السويد بكشف هوية الأفراد الذين شاركوا في مظاهرة خارج السفارة التركية في ستوكهولم خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وقد تمسكت تركيا بهذه المسألة الأخيرة، لا سيما وأن الرئيس أردوغان تعرّض فيها “للإهانة” شخصيًا بحسب ما قاله مسؤولون في وزارة الخارجية التركية اتصلوا بالسفير السويدي للإعراب عن احتجاجهم ومطالبة السويد بالمساعدة في تحديد هوية المتظاهرين.
من الواضح أن السويد ليست مستعدة للكشف عن هوية المتظاهرين، وأنقرة تدرك ذلك طبعًا، ولكن هذه الادعاءات تظهر مدى استعداد الحكومة التركية للضغط على السويد والحصول على تنازلات منها. وسبق أن حاولت السويد، في عهد الحكومة السابقة والحكومة الجديدة، استرضاء تركيا من خلال الحد من مبيعات الأسلحة وترحيل بعض الأفراد الذين لم تتم الموافقة على طلبات لجوئهم. ولكن هذه الجهود لم تخفف من رفض تركيا للطلب السويدي، بل أسفرت عن سلسلة من الشروط الجديدة.
وتبقى إحدى النقاط الشائكة الرئيسية، إن لم تكن المشكلة الرئيسية، هي تحديد تعريف الإرهابي. فالاتحاد الأوروبي يعتبر “حزب العمال الكردستاني” في تركيا منظمةً إرهابية، ما يعني أنه مصنّف منظمة إرهابية في السويد أيضًا. ولكن التأكيد التركي على أن معظم الجماعات الكردية الأخرى في تركيا وسوريا والعراق إما تخضع لإدارة “حزب العمال الكردستاني” أو تنتمي إليه لا يزال محط خلاف.
وتشمل المنظمات التي يبرز اسمها في هذا الخلاف “وحدات حماية الشعب” السورية التي لعبت دورًا رئيسيًا في هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” (“داعش”) وتحاول الآن بناء دويلة شبه مستقلة في شمال شرق سوريا. فدور “وحدات حماية الشعب” ومستقبلها يؤثران على السويد أيضًا، لأن الكثيرين من أكراد السويد مقرّبون من “وحدات حماية الشعب” وكانوا يدعمونها خلال الحرب على “الدولة الإسلامية.” مع ذلك، التزمت الحكومتان السويديتان، السابقة والحالية، بالطلب التركي “بنأي النفس عن وحدات حماية الشعب” وفق ما ينص عليه الاتفاق. والجدير بالذكر أن هذه الجهود لم تحث أنقرة على تسريع العملية، بل على العكس، يبدو أن أنقرة تستغل أي محاولة من جانب ستوكهولم، وبدرجة أقل هلسنكي، لتلبية مطالبها كفرصة لانتزاع تنازلات ومطالب إضافية مقابل الموافقة على طلب الانضمام إلى “الناتو.”
ومن المرجح أيضًا ألا يوافق البرلمان التركي على طلب الدولتين الشماليتين بالانضمام إلى “الناتو” قبل الانتخابات العامة في تركيا المقررة في حزيران/يونيو 2023، إذ يرى الرئيس أردوغان مزايا انتخابية في تصوير تركيا على أنها دولة قوية ومهمة تتمتع بنفوذ قوي في السياسة الخارجية. لذلك، ومع أن بيلستروم صرّح أن السويد لن تنتظر الانتخابات التركية، ليس واضحًا ما الذي يمكن أن تفعله ستوكهولم أيضًا لتسريع العملية.
وبالطبع، تتأثر السويد أكثر من فنلندا بهذا الجمود، لأن الرئيس أردوغان كان قد صرّح في وقت سابق أنه مستعد لتأييد الطلب الفنلندي. لكن هذا الخيار غير وارد. فهاتان الدولتان المتجاورتان في الشمال الأوروبي، والمحايدتان بين “الناتو” و”حلف وارسو” منذ الحرب العالمية الثانية، قد نسقتا وعملتا معًا في المسائل الدفاعية طيلة عقود، وسوف تنضمان إلى “الناتو” في الوقت نفسه.
بالنسبة إلى السويد، بدأت هذه العملية المطولة تزداد إشكاليةً على الصعيدين المحلي والإقليمي. فالشريحة الكبيرة من السكان الأكراد الناشطين سياسيًا في السويد ينتقدون الحكومة على تساهلها الكبير مع تركيا. وبما أن التحديات التي تواجهها السويد تعيق عضوية فنلندا أيضًا، تؤثر التأخيرات في الوضع الاستراتيجي العام في منطقة البلطيق. فإذا دخلت السويد وفنلندا حلف “الناتو”، ستواجه روسيا ضغطًا بحريًا إضافيًا كبيرًا، إذ لا يبقى أمام السفن الروسية سوى خليج فنلندا الضيق وقطعة صغيرة من الأرض في كالينينغراد.
وبما أن السويد دولة ديمقراطية ليبرالية تتمتع ببنية سياسية قوية وقضاء مستقل، لا يمكنها فعل الكثير لاسترضاء تركيا. وفي ضوء الوضع الراهن، من الأفضل ربما للسويد أن تتوقف عن محاولة تلبية مطالب أردوغان وأن تُعلم أنقرة، بدلًا من ذلك، بأنها مستعدة للتعاون عندما تغير تركيا نهجها. في غضون ذلك، يمكن للسويد اتخاذ خطوات أمنية خارج إطار “الناتو”، وتحديدًا توسيع تنسيقها العسكري مع فنلندا والتعاون الأمني القائم مع المملكة المتحدة. وفي نهاية المطاف، إذا بالغت أنقرة في تقدير نفوذها إلى حد يجعلها عقبة أمنية فعلية، من المؤكد أن واشنطن والدول الأوروبية المجاورة لتركيا في “الناتو” سوف تتدخل.
من ناحية أخرى، إذا استمرت السويد في تقديم تنازلات تتعدى ما تم الاتفاق عليه في حزيران/يونيو، سوف تقوم تركيا في عهد الرئيس أردوغان بالاستفادة إلى أقصى حد ممكن من المكانة المهمة التي اكتسبتها حديثًا، سواء في المنطقة أو من خلال الحرب في أوكرانيا. وبحسب الأشهر الستة الماضية، فإن أي تنازلات إضافية تقدمها السويد لن تؤدي إلا إلى تعزيز نفوذ أردوغان عليها من دون أن تسرّع الطلب السويدي قيد أنملة.
ماغنوس نوريل هو باحث مساعد في معهد واشنطن
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى