“دبيب النمل”.. استراتيجية الجولاني لتحقيق طموحه بريف حلب الشمالي

ثائر المحمد

لم يتخلَ قائد “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، عن أهدافه وطموحاته بالتمدد في مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري بريف حلب الشمالي، وتسّلُم مقاليد السلطة والإدارة، غير أن الموقف التركي المعلن الرافض لفكرة دخول الهيئة إلى ريف حلب، أجبر الجولاني على تغيير سير خططه، والاعتماد على أدوات جديدة تمنحه النفوذ والسيطرة والتمدد البطيء بدون ضجيج.

وسعت هيئة تحرير الشام خلال شهر تشرين الأول الماضي بسط سيطرتها على كامل منطقة ريف حلب الشمالي، مستغلةً التوتر الذي نشب بين الفيلق الثالث وفرقة الحمزة على خلفية اغتيال الناشط “محمد أبو غنوم” في مدينة الباب، واستطاعت الهيئة – بالتعاون مع فصائل في الجيش الوطني- خلال فترة وجيزة الوصول إلى مشارف مدينة اعزاز (كبرى معاقل الفيلق الثالث)، إلا أن ضغوطاً دولية حالت دون دخول الهيئة إلى المنطقة والتوسع أكثر.

وأعربت تركيا خلال لقاءات مع قادة الجيش الوطني عن رفضها لفكرة دخول هيئة تحرير الشام إلى منطقة ريف حلب الشمالي، وأنها ملتزمة بإخراجها من المناطق التي دخلت إليها في عفرين، وهو ما لم يحدث حتى الآن، إذ تؤكد مصادر ميدانية متطابقة أن قوات الهيئة باتت متجذرة في منطقة “غصن الزيتون”، وتنتشر في معظم البلدات والقرى، تحت غطاء جزء من حركة “أحرار الشام”، وفرقة “السلطان سليمان شاه”، و”فرقة الحمزة”.

تفاصيل لم تُكشف بعد

التقى موقع “تلفزيون سوريا” بثلاثة قادة بارزين في الجيش الوطني السوري، للحديث عن حيثيات توغل هيئة تحرير الشام بريف حلب، واصطفاف الفصائل ضد بعضها بعضاً، علماً أن الفصائل هذه تعمل ضمن هيكلية واحدة تحت مظلة وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة.

يقول القادة إن فكرة تمدد الهيئة بريف حلب لمعت في رأس الجولاني منذ سنوات، وبدأ منذ عامين فعلياً بإرسال عروض لفصائل الجيش الوطني للتشارك في إدارة المنطقة، وطرح الفكرة عبر وسطاء على الفيلق الثالث، الذي رفض مناقشة أي تفاصيل في العرض، بحسب القادة.

ومن وجهة نظر بعض فصائل الجيش الوطني، فإن منطقة ريف حلب ليست حكراً على فصيل بعينه، إلا أن مسألة دخول تحرير الشام تتعلق بجوانب كثيرة، أهمها تصنيف الهيئة على قوائم الإرهاب، ويقول القادة الثلاثة: “لا يمكن أن تضرب تصنيف الدول للجماعات عرض الحائط، التصنيف أصاب الثورة السورية في مقتل، ودخول الجولاني إلى المنطقة سيكون بلا شك ذريعة لقصفها”.

وقال أحد هؤلاء القادة في حديث مع موقع “تلفزيون سوريا”: “قبل أشهر استغل الجولاني الخلاف بين الفيلق الثالث، وأحرار الشام القطاع الشرقي، للتوسع بريف حلب، رغم أن المشكلة داخلية ضمن الفيلق الثالث، ووصلت قوات الهيئة حينذاك إلى عفرين، ثم دخل وسيط دولي، وقال إما أن يعيد الفيلق الثالث مقار منطقة عولان قرب مدينة الباب لأحرار الشام القطاع الشرقي، وإما أن يعطى الضوء الأخضر للهيئة للدخول حتى مدينة الباب، فتشاورت قيادة الفيلق الثالث وناقشت المصالح والمفاسد، وقررت إعادة مقار عولان، مقابل انسحاب الهيئة من عفرين إلى إدلب”.

وأضاف: “استشعرت عدة فصائل خطر دخول هيئة تحرير الشام عبر استغلال أحداث جديدة، واتفق الفيلق الثالث وحركة التحرير والبناء ولواء السمرقند على تشكيل غرفة عمليات مشتركة، وتشكيل خط صد جنوبي عفرين لمنع أي تقدم جديد للهيئة، وعند الخلاف الناتج عن اغتيال الناشط أبو غنوم، توجهت قوات من غرفة العمليات إلى نقاط حاكمة بريف عفرين، أبرزها تلة كوكبة لتنتشر هناك تحسباً لدخول الهيئة، لكن فرقة الحمزة التي تحالفت لاحقاً مع الهيئة منعت هذه القوات من الانتشار على اعتبار أن هذه النقاط الحاكمة تقع ضمن قطاعاتها”.

وعند وصول الهيئة إلى مشارف مدينة اعزاز بعد السيطرة على بلدة كفرجنة، يقول القيادي: “خلال المفاوضات، عرض الجولاني ثلاثة عروض على الفيلق الثالث، أولها الشراكة، أو تحييد الفيلق لنفسه وعدم التدخل بأي شأن عام، أو استمرار الحرب بين الطرفين، فإما أن يصل الفيلق الثالث إلى إدلب، أو أن تصل الهيئة إلى جرابلس حسب مفهوم الجولاني وما قاله في الجلسة، فتم توقيع الاتفاق (10 بنود انتشرت على وسائل الإعلام)”.

ويواصل القيادي حديثه: “البنود العشرة صحيحة، والاتفاق وقِّع تحت ضغط المعطيات العسكرية السيئة للفيلق الثالث وتحالف فصائل في الجيش الوطني مع الهيئة ضده، وعند ارتفاع وتيرة المظاهرات الشعبية الرافضة لدخول الهيئة، طلب الجانب التركي اجتماعاً، قالوا فيه إنهم يرفضون دخول الهيئة إلى المنطقة، وهو موقف نتج غالباً إثر ضغوط دولية، خاصة من الولايات المتحدة”، وفقاً للمتحدث.

استراتيجية “دبيب النمل”

يرى القادة الثلاثة أن فكرة دخول هيئة تحرير الشام إلى ريف حلب لم تُستبعد، لكن الضغط الشعبي والرفض الدولي للفكرة، أسهم في تحويل سياسة تطبيقها إلى الخفاء وبأدوات بعيدة عن الأعمال العسكرية، بما يرفع الضغط عن الجانب التركي”.

ووصف القادة أنباء العمل على إخراج الهيئة من عفرين، ومنع دخولها إلى منطقة درع الفرات بـ “أبر البنج، ونوع من أنواع المراوغة”، حيث ما زال الجولاني ماضياً في مشروعه للتوسع بريف حلب، ويمكن أن تظهر معالم هذا الأمر بعد نحو 6 أشهر إذا لم تطرأ أحداث جديدة مخالفة لما يُعمل عليه”.

وقال أحد المتحدثين: “الجولاني قال لمندوبي الفيلق الثالث خلال جلسات التفاوض: لدي برنامج جاهز مرسوم للدخول لريف حلب، وأعلم أن ورقتكم محروقة لدى الأتراك، بسبب المظاهرات والمطالب المتكررة في مناطق سيطرتكم تجاه أي حدث، عكس ما يجري في إدلب”.

وتابع: “يتم العمل على دخول الجولاني إلى ريف حلب بمبدأ خطوة مقابل خطوة، والفيلق الثالث تلقى إخطاراً واضحاً بأن عليه التفاهم مع هيئة تحرير الشام، ولهذا فإن الاعتماد الأكبر لعرقلة مخطط توسع الهيئة، يقع على الحراك والمظاهرات الشعبية”.

ضغوط على الفيلق الثالث

تشير مصادر متطابقة إلى استمرار الضغوط على الفيلق الثالث للتعاون مع هيئة تحرير الشام، وتسهيل دخولها إلى بقية مناطق ريف حلب الشمالي تمهيداً لاستلام إدارة المنطقة بشكل كامل.

وتعرض الفيلق الثالث لتهديدات بقطع الرواتب المقدمة لعناصره في حال لم يتعامل بمرونة مع ملف تمدد الهيئة، وهذا يضع الفيلق أمام موقف صعب، خاصة بعد خسارته أبرز منابع التمويل والمورد الاقتصادي المتمثل بـ “معبر الحمران” شرقي حلب.

وفي منتصف الشهر الجاري قرر الفيلق الثالث حلّ مجلس الشورى الخاص بالفصيل، على أن يستمر مجلس القيادة المؤلف من نحو 19 عضواً بمهامه في قيادة الفيلق.

وبحسب الفيلق، الأمر جاء “لترسيخ المؤسساتية، واستكمالاً لخطوات الاندماج الكامل لمكونات الفيلق الثالث، واستناداً للقوانين الناظمة فيه، وفي سياق تنظيم وتطوير عمل هياكله الداخلية على مختلف الأصعدة”.

مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، أكدت أن الإجراء هذا سبقته ضغوطات تركية لاستبعاد 4 أشخاص من مجلس الشورى، وهم رئيس المجلس عبد الله العثمان، والقائد السابق للفيلق مهند الخلف (أبو أحمد نور)، وسيف الله الأمين (أبو بدر)، وعبد العزيز سلامة.

واتخذ الفيلق الثالث قراره بحلّ مجلس الشورى لسببين رئيسيين، الأول: الحد من الضغوط الناجمة عن مطالب إبعاد الأشخاص الأربعة، والثاني: إبعاد بعض الشخصيات عن الواجهة، لوجود شكوك بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام، ولقاء الجولاني في أكثر من مناسبة دون تنسيق مع قيادة الفيلق الثالث.

وتأتي هذه الأحداث امتداداً للاقتتال الذي بدأ بين “الفيلق الثالث” من جهة، وهيئة تحرير الشام وفرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه وحركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام من جهة أخرى، في الريف الشمالي لحلب، في 11 تشرين الأول الماضي، على خلفية هجوم الفيلق الثالث على مقار لـ “فرقة الحمزة” في مدينة الباب بريف حلب، بعد التأكد من تورط قادة في الفرقة بقتل الناشط الإعلامي “محمد عبد اللطيف أبو غنوم” وزوجته.

وتدخلت “تحرير الشام” حينذاك لمؤازرة فرقة الحمزة، وهاجمت – بمساندة فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) – مقار الفيلق الثالث في غصن الزيتون، وبذلك اشتعلت شرارة المواجهات التي استمرت لنحو أسبوع، ثم انتهت بتدخل تركي، أعقبه اجتماع مع فصائل الجيش الوطني في غازي عنتاب التركية لوضع أسس جديدة لإدارة المنطقة.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى