لم يتبدل المشهد مع قافلة العودة الثانية التي عبرت بوابة المصنع الحدودية في منطقة البقاع. في الحقيقة لا يمكن الحديث عن قوافل لنازحين عائدين عبر هذه النقطة الحدودية. وإنما عن حافلة ثانية للعائدين، لم تنجح حتى في ملء جميع مقاعدها.
تسجّل 14 وحضر 10
صباح 5 تشرين الثاني لم يلتحق بالقافلة سوى عشرة نازحين، بعدما كان 14 شخصا قد سجلوا أسماءهم للعودة. وكما في رحلة العودة الأولى، وصل هؤلاء باكرا جدا الى نقطة المصنع حيث حمّلوا أمتعتهم فورا بحافلة بولمان مسجلة باسم الشركة العامة للنقل الداخلي بدمشق، كانت بإنتظارهم منذ السادسة صباحا، ليغادروا الأراضي اللبنانية بعد دقائق، نتيجة للتسهيلات التي وفرها لهم الأمن العام اللبناني عند حدود لبنان.
والعائدون العشرة أضيفوا الى 12 نازح سوري عبروا بوابة العودة الى بلادهم في 26 تشرين الأول الماضي. وبذلك يكون عدد العائدين عبر هذه البوابة قد وصل الى 22 نازح فقط، القسم الأكبر منهم كانوا يقطنون في النبطية، وقسم في حاصبيا، فيما العائدون من منطقتي البقاع الأوسط والغربي، اللتين تضمان أكبر تجمعات النازحين لا زالت شبه معدومة على رغم كل محاولات الترغيب وحملاتها التي أغدقت النازحين بالتسهيلات والتسويات.
لا يبدو سكان المخيمات في سهل البقاع في المقابل وكأنهم معنيون بهذه العودة. وعلى رغم البؤس الذي يستفحل في ظروف إقامتهم عاما بعد عام، يشي سلوك هؤلاء بأنهم لم يقرروا العودة الطوعية حتى الآن أقله ليس قبل إنتهاء فصل الشتاء.
قلق الشتاء
سلسلة عوامل قد تكون دفعتهم الى هذا السلوك، ومن بينها توقيت إستئناف حملة العودة التي كان قد بوشر بها منذ سنة 2018، عند بداية موسم الشتاء. وبالتالي يقلق الكثيرون على المصير الذي سينتظرهم ببلادهم، بعد خسارة الكثير منهم لممتلكاتهم ومنازلهم. وعليه لن يضحي هؤلاء بما توفره لهم المساعدة الشتوية الى جانب البطاقة الغذائية من إستقرار معيشي في فصل الشتاء، ليغادروا الى مصير مجهول، خصوصا أن أي من الجهات الداعمة لم تعلن حتى الآن عن آلية واضحة لنقل مساعداتها للنازحين، الى بلدهم.
هذا بالإضافة الى كون الكثيرين قد سجلوا أولادهم في المدارس، ومغادرتهم لبنان مع عائلاتهم في بداية الموسم الدراسي، سيكون تحت طائلة خسارة هؤلاء عاما دراسيا آخر، بعدما كان جزءا كبيرا من الأطفال قد أمضوا أقله سنة واحدة بعيدة عن المقاعد الدراسية سابقا وقد كتب على جزء من هؤلاء التسرب المدرسي.
خوف من النظام
إلا أن هذين السببين وإن كانا أساسيين في عرقلة عجلة العودة الطوعية للنازحين، فإنهما ليسا الوحيدين. قسم كبير من النازحين لا يزال يعتبر أن العودة الى كنف النظام نفسه الذي هتفوا ضده وحمل بعضهم السلاح بوجهه، سيكون محفوفا بمخاطر كثيرة. لا يثق هؤلاء بالضمانات والوعود التي تقدم لهم. ويفتشون عن ضمانات فعلية تتوفر لهم من خلال عينات العائدين في القوافل الأولى، وخصوصا بالنسبة للمطلوبين في الخدمة الإلزامية أو صفوف الإحتياطي، أو لمن يحتاجون لتسوية أوضاعهم القانونية.
علما أن تقريرا لمنسقية وزارة المهجرين كان قد أعلن قبيل إنطلاق قافلة العائدين الثانية من بلدة عرسال، عن تشكيل لجنة أمنية قضائية ستستقبل العائدين في منطقة الجراجير على الحدود السورية، وستتولى هذه اللجنة تسوية أوضاع هؤلاء، مع تقديم كافة التسهيلات اللازمة لهم من قبل الأمن العام اللبناني، بالإضافة الى النظر في الأوضاع المدنية لهؤلاء من خلال لجنة ستعالج الخلل الذي طرأ على أحوالهم الشخصية، وتؤمن لهم اوراقا ثبوتية بدلا عن تلك التالفة أو الضائعة، وتسجل الولادات التي لم تتسجل لدى إقامتها في لبنان. الأمر الذي يفترض أنه سيطبق أيضا على العائدين من بوابة دمشق.
معبر الزمراني:400 عائد
في المقابل بدا أن حملة العودة وجدت أصداء إيجابية لها في بلدة عرسال، وقد سجل في البلدة عودة 400 نازح إضافي بإتجاه معبر الزمراني، بعدما كان عدد مماثل قد غادر لبنان في الأسبوع الماضي. وذكر أن بين هؤلاء عدد من الرجال الذين تعثرت عودتهم في القافلة الأولى الى حين تسوية أوضاعهم القانونية، والوصول الى تسوية لأوضاعهم العسكرية، خصوصا أن العدد الأكبر منهم كان مطلوبا للتجنيد الإلزامي.
علما أن عقبة التجنيد الإلزامي، لا تزال تتقدم كل ذرائع الشبان النازحين في لبنان لعدم الحماس للعودة، ويفصح قسم من هؤلاء أنهم يرفضون الخدمة الإلزامية لمصلحة النظام السياسي المسيطر على الحكم حتى الآن، ويعتبرون هذه الخدمة خيانة كبرى لنضالات ودماء الشهداء الذين سقطوا على أيدي النظام.
وعليه فإن التسوية التي سيتوصل اليها النظام بشأن هذه الخدمة، سيكون لها الوقع الأكبر مستقبلا على اعداد النازحين الذين سيبدون الرغبة بالعودة الطوعية. وإلى أن يتوضح هذا الأمر، لا يزال هؤلاء يعربون عن إستعدادهم للسفر الى أي بلد آخر تختاره الأمم المتحدة لهم، إذا كان لبنان غير قادر على إستضافتهم لفترة أطول بعد الآن.
المصدر: المدن