بينما تستمر المعارك على أشدها في درعا البلد لليوم الثالث على التوالي بين المجموعات التابعة للأمن العسكري، مدعومة بمجموعات من لجنة درعا المركزية وعناصر محليين، وبين مجموعات معارضة رفضت في وقت سابق جميع تسويات النظام الأمنية وضغوطه لترحيل عدد من قادتها نحو الشمال السوري، لا يزال الكثير من الأسئلة، التي قسّمت أبناء المحافظة إلى فريقين متعارضين حول حقيقة أهداف الحملة، من دون إجابات.
لما الانقسام؟
ووفق مصادر “المدن”، فقد شكّل رفض القادة الذين يتعرضون للهجوم، وأبرزهم مؤيد الحرفوش ومحمد المسالمة، الخروج نحو الشمال السوري بطلب من النظام سبباً رئيسياً في حلّ لجنة درعا المركزية في تموز/يوليو، إثر خلافات عشائرية أفضت إلى تفكيكها، وهي التي كانت تتولى مسؤولية المفاوضات مع النظام السوري منذ تسوية تموز/يوليو 2018.
وتتعرض اللجنة منذ ذلك الحين إلى حملة تخوين واتهامات بالارتباط بالنظام قادها الحرفوش والمسالمة، ما أدى إلى الانقسام حول الهجوم الحالي على القياديين خاصةً وأن مجموعات اللجنة تشارك بقوة خلال الهجوم الذي سقط على إثره عنصر من صفوفها.
لكن الباحث المساعد في ملف الجنوب السوري في مركز “عمران” للدراسات فاضل خانجي، أوضح أن المجموعات الرافضة للتسوية “أصبحت مرتبطة بعمليات السرقة وفرض الإتاوات في درعا البلد، وهو سبب رئيسي في الحملة التي تتعرض لها اليوم”، مؤكداً أنه في الأساس، توجد هوة بين المنخرطين في التسوية من جهة والمناهضين لها من جهة أخرى، وهو ما اتضح سابقاً من خلال اتهام اللجنة المركزية بالخيانة والعمالة.
وقال خانجي ل”المدن” إن الحملة تأتي أيضاً بسبب خشية المجموعات المحلية من استخدام النظام السوري خلايا تنظيم “داعش” كذريعة لشن حملات أمنية أو عسكرية ضد المنطقة على غرار ما حدث في جاسم و طفس سابقاً، إضافة إلى انخراط التنظيم في اغتيال شخصيات محلية محسوبة على المعارضة حيث يستخدم النظام السوري هذه الخلايا للقيام بالاغتيالات.
واعتبر أن تبني النظام للعملية يأتي في سياق عدم اعترافه بخصوصية المجموعات المسلحة التي انضمت للتسوية، وبالتالي تمايزها عن المؤسسات الأمنية التقليدية للنظام، إلا أن ذلك لا يغير من واقع الخصوصية التي تتمتع بها هذه المجموعات على الرغم من التبعية الإدارية لمؤسسات النظام الأمنية.
دور النظام ومكاسبه
شرارة الهجوم، جاءت عقب تفجير انتحاري نفسه داخل مضافة القيادي السابق في المعارضة غسان أبا زيد في درعا البلد قبل يومين، ما أدّى إلى مقتل 4 أشخاص بعضهم قياديون سابقون في المعارضة المسلحة وجرح 5 آخرين، واتّهام الحرفوش بالوقوف وراء التخطيط لتنفيذه بواسطة الانتحاري “أبو حمزة سبينة”، بالتنسيق مع أمير تنظيم “داعش” في درعا البلد يوسف النابلسي، إلا أن الحرفوش نفى عبر تسجيل صوتي الصبغة الداعشية عن نفسه وكذلك مسؤوليته عن التفجير الذي قال إنه حصل عن طريق الخطأ “أثناء تحضير أبا زيد لعبوة ناسفة”، مؤكداً أن الهجوم يهدف ل”إنهاء الثورة والثوار الرافضين للتسوية”.
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث السياسي من درعا الدكتور أحمد الحمادي أنه حتى الآن، لا توجد رواية مثبتة حول حقيقة الانفجار، فالبعض يقول إنه انتحاري فتح حزامه الناسف تحت تأثير المخدرات، فيما يحمّل الطرف الآخر المسؤولية لعناصر “داعش” الموجودين كأفراد جاؤوا بتسهيل وترخيص من قبل النظام لإثارة الفتنة، مؤكداً أنه حتى الآن، لم تتضح الجهة التي تقف وراء التخطيط والتنفيذ، خصوصاً أن معظم قتلى وجرحى التفجير هم مدنيون.
ويقول الحمادي ل”المدن”: “يجب علينا أن نضع في الحسبان مسؤولية أذرع أجهزة النظام السوري عن التفجير كونه المستفيد الأول من تفجير الأوضاع في درعا البلد، والحملة الأمنية التي تقوم بها بعض الميليشيات التابعة له على تخومها الشمالية الشرقية هدفها استهداف كل من الحرفوش والمسالمة والتخلص منهما، خاصة وأنهما لا يزالان خارج سيطرة النظام ولم يصالحا ولم يجريا تسوية، بل كانا ضد المصالحة والتسوية علناً.
ويضيف أن اللواء الثامن يشارك في العملية للمحافظة على شيء من الدعم الشعبي إثر تدهور الأوضاع في أعقاب التفجير، بالتزامن مع لا مبالة النظام بما سيحصل خلال الاقتتال الذي سيستغله النظام لتعزيز نفوذه وسيطرته على حساب دماء أبناء المحافظة.
هل يتطور المشهد إلى اقتتال عشائري؟
ولا يمكن فصل درعا البلد عن النسيج الاجتماعي العشائري الذي تتشكل منه مدن وأرياف المحافظة، ولذا فإن حديثاً يتم التداول به عن وصول الاقتتال إلى شفير حرب عشائرية بين عشيرة أبازيد التي انطلقت من عندها شرارة الهجوم، وعشيرتي المسالمة والحرفوش المتهمة
بإراقة الدماء خلال التفجير.
لكن الحمادي، يرى أنه من المستبعد أن يصل الاقتتال إلى نزاع عشائري، موضحاً أن عشيرة المسالمة ينتمي إليها “الكسم” قائد مجموعة تابعة للأمن العسكري، فيما ينتمي محمد المسالمة الذي يقاتل في الجانب المقابل للعشيرة نفسها. وشدّد على أن درعا البلد مجتمع محلي متماسك وقوي ولن ينجر لأي اقتتال عشائري، خاصة وأن الروابط الاجتماعية القوية والمتينة قائمة على القرابة والنسب والجيرة.
المصدر: المدن