مثلٌ شعبيٌّ، لكن يبدو أنَّه في طريقه إلى التحقق على أرض الواقع، مؤشراتُه ليست في أخبار المعاركِ هنا وهناك التي تتداولها القنوات الإخبارية بكثرة، ولكن في المشهد الكلي للعالم هذه الأيام!
التعبير اللاتيني” “Homo Sapiens ويعني “الإنسان الذي يعرف” عدَّه علماء الأنثروبولوجيا المعاصرون الوصفَ الأمثلَ للبشر الحاليين؛ ولما هو في رأيهم الصنفُ الوحيد الباقي منذ ستة ملايين سنة من بين ما يصل إلى 18 نوعًا مختلفًا من البشر اكتشفوهم من خلال حفرياتهم في شرق إفريقيا. لكن يبدو أنَّ الحرب العالمية الثالثة سوف تشهد تكريسًا وتتويجًا للنوع التاسعَ عشرَ من البشر الذي يصحُّ أن نُطلق عليه اسم “Homo frivolum ” وتعني باللاتينية الإنسان العابث! لنبحثْ فيما يدور من حولنا لإسقاط هذا الافتراضِ على مشاهداتنا الحالية، ونشكل استشرافًا لمستقبل البشرية، مستندين على أبحاث علمية رصينة، حتى نفهم المشهد الحالي بشكل أعمق!
على مدى العقودِ القليلة الماضية، أدَّت الملاحظاتُ والتجارِب مع الحيوانات الاجتماعية مثلِ القرود من فصيلة البونوبو، وكذلك على بني البشر، إلى ثورة مفاهيمية في فهم كيفية تطور الأخلاق البشرية والمكانة البشرية الحقيقية في المملكة الحيوانية؛ حيثُ تمَّ جمعُ هذه المعلومات وتأطيرُها من قبل العالم الهولندي- الأمريكي فرانس دي وال Frans de Waal في كتابين رائدين؛ كتاب البونوبو والملحد (The Bonobo and the Atheist-2013) وكتاب عصر التعاطف (The Age of Empathy-2009).
يوضح فرانس دي وال في كتاب عصر التعاطف؛ The Age of Empathy كيف أنَّ التعاطفَ يربط الحيوانات الاجتماعية ببعضها بعضًا، مما يجعل من البقاء والعيش أمرًا ممكنًا…
لقد استنتج هذا العالم أنَّ كلًّا من المعاملة بالمثل والتعاطف هما الركيزتان اللتان تقوم عليهما الأخلاق-في قرود البونوبو “Bonobo” والقردة والحيوانات الاجتماعية الأخرى. لكن بحسب أبحاثه فإنَّ بني البشر فقط همُ القادرون على “تجريد” القيمة وتوسيع نطاق القيود السلوكية لأخلاق “شخص لشخص أو فرد لفرد” لتشمل المجتمع الأكبر، بما في ذلك الغرباء عن هذا المجتمع؛ وبحسب رأي فرانس، فإنَّ كلًّا من الدين والسعي العلمي للمعرفة مدفوعان بإلهام مماثل لإيجاد المعنى والشعور بالهدف في هذه الحياة، سيكون البديل عن الصراع بين بني البشر.
استطاع العالم فرانس دي وال Frans de Waal التحققَ من صحة استنتاجاتِه وتوسيعِها من خلال التجارِبِ على الرئيسات والثديَّات الأخرى التي تعيش في كلٍّ من البيئات البرية و “الاصطناعية” مثل حدائق الحيوان ومراكز البحوث الحيوانية؛ ومن بين طيف السلوك التعاطفي الذي أظهرته هذه التجاربُ عند القرود؛ مشاركةُ الطعام، والتعاونُ في إكمال المهام، والشعورُ بالإنصاف، والرفقةُ، ومواساةُ الأفراد المنكوبين والمهزومين بعد الصراع من قبل طرف ثالث، وكذلك العديد من المسائل التي تدفع الفردَ في مجتمع القرود لتبني منظورِ الآخرِ؛ على سبيل المثال لا الحصر، وكما هو من المفروض أن يكونَ الحالُ مع بني البشر، فإنَّ الظلمَ مدانٌ بشدة عبر طيفٍ كاملٍ من الحيوانات الاجتماعية. ففي تجربة نموذجية، عندما يكون قردان قادران على إدراك أنَّهما يتمُّ مكافأتُهما بشكل غير متساوٍ على أداء المهمة نفسِها، فغالبًا ما يرفض القرد الذي يتلقى المكافأة الأقل إكمال المهمة.
لقد أظهرتِ الأبحاثُ الفيزيولوجيةُ العصبية أنَّ القدرةَ على الاستجابة التعاطفية لدى البشر والحيوانات الاجتماعية الأخرى مثل القرود يتمُّ تمكينُها من خلال هياكلِ الدماغِ المعروفةِ باسم الخلايا العصبية المرآتية (mirror neurons) ، فعند مواجهةِ أعضاءِ المجموعة الآخرين، فإنَّ الرئيسات مثلَ البشر والشمبانزي والقرود تميلُ إلى تقليد السلوكِ من خلال تنشيط الخلايا العصبية المرآتية؛ ونتيجة لذلك يكتسبون إحساسًا بالحالة العاطفية تجاه الفرد الآخر، أو كما يقول دي وال، “تتيح لكائن واحد أن يعيش تحت جلد كائن آخر “.
إنَّ الاختراقاتِ التكنولوجيةَ الحديثة في التحليل الجيني، جنبًا إلى جنب مع المعلومات الأثرية والأنثروبولوجية القديمة والتراث اللغوي البشري وغيرها من المعلومات، تمنحُنا الآن فرصة لا مثيل لها لتتبع تطور البشرية وحركتها في الوقت المناسب، وبالتالي من مشاهداتنا الحالية سنسقط الواقع على استنتاجاتنا في هذه المقالة.
اليميني المحافظ بوريس جونسون يُقال في أعرقِ ديمقراطية في العالم، لأنَّه خالف القواعد التي أُمر بها، تخلفه ليز تراس لمدة 44 يومًا، وتستقيل؛ لأنَّها لم تستطعْ تنفيذ وعودِها ، ثم يأتي بريطاني من أصول هندية مهاجرة يحارب المهاجرين ليمسك الدفة، هذه الديمقراطية الأعرق نفسُها لا تجد بديلًا لرئيس بلد قتل أكثر من مليون من مواطنيه وشرد ملايين آخرين، أو تدعم حزب أو فصيل في بلد آخر سرق ونهب ودمر البلاد والعباد بل وحتى تجبر من يحكمهم هؤلاء على قبول الواقع الذي يخدم مصلحتها بالدرجة الأولى ! حروب الوكالة التي تغذيها وتنشرها استخباراتُ من يحملون لواء الحضارةِ هذه الأيامَ والتي تمتصُّ، ثم تسحق أحلام الشعوب المستعبدة؛ لتعيش شعوبُهم السعادة المصطنعة ونشوة التفوق العرقي الزائف! الديمقراطية والحرية والعدالة لجنس بشريٍّ حقٌّ مقدس، أمَّا لجنس بشري آخر، فهي محرمة، في سلوك يرفضه حتى قرود البونوبو بحسب ” Frans de Waal ” ،فرانس دي وال الهولندي الأمريكي نفسه يحمل إرثَ مملكةٍ جابتِ البحارَ للقتل والنهب والاستعباد، جيرانُه الدانماركيون الذين يؤوون اللاجئين تحت شعارات براقة، استخدموا العلمَ لإيقاف نسلِ السكان الأصليين لغرينادا! المستعبدون يتقاتلون في خيام اللجوء وطوابير الذل بينما يطأطئون الرأس تحت سوط جلاد أوتحت وطأة الحاجة للقمة طعام أو تدفئة شتاء أو إشباعًا لعقدة نقص السيادة!
في عام 2015 كتب آلان دونو عن نظام التفاهة، وهي نظريةٌ فلسفيةٌ سياسيةٌ جديدة، تنبَّأ بها فيلسوفُ العلوم السياسية الكندي بالواقع المزري للانسان العاقل ، وتتلخص نظرية آلان دونو بسيطرة التافهين على العالم، مؤكِّدًا أنَّ التافهين حسموا المعركة، من دون اجتياح الباستيل، إشارة إلى الثورة الفرنسية، ولا حريق الرايخشتاغ (البرلمان الألماني)، في إشارة إلى صعود هتلر في ألمانيا. وقال في كتابه: إنَّ التافهين قد ربحوا الحرب، وسيطروا على عالمنا، وباتوا يحكمونه، وإنَّ القابلية للتعليب حلّت محلّ التفكير العميق. وأعطى ألان دونو نصيحة فجَّة للناس في هذا العصر، من باب السخرية، موجزُها بأنَّه لا لزوم لهذه الكتب المعقدة، ولا تكن فخورًا ولا روحانيًّا، فهذا يُظهرك متكبرًا، ويتابع ليقول؛ “لا تقدِّمُ أيَّ فكرة جيدة، وإلا فستكون عرضة للنقد، ولا تحملْ نظرة ثاقبة، بل وسِّعْ مقلتيك، وأرخِ شفتيك، وفكرْ بميوعة (أي بمرونة وقابليه للتشكل) وكن كذلك حتى تنجح، عليك أن تكون قابلًا للتعليب حتى تعيش في عالم اليوم”. لقد تغير الزمن، فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة. لا ننسى أنَّ ظهور هؤلاء التافهين وعبثية ما أوصلوا له البشرية هي تتويج لصعود وعلو الصنف التاسعَ عشرَ للبشر الذي اطلقنا عليه مصطلح “الإنسان العابث ” frivolum Homo” الذي سيرث بلا شك الأنسان العاقل” Sapiens Homo”، وهنا علينا أن ندركَ ونقف عند حقيقة مرة ؛ أنَّ هذا الذي يصفُه علماءُ الأنثروبولوجيا الغربيون بالإنسان العاقل، هو لوصف إنسانِ مجتمعاتهم وليس لوصف إنسان مجتمعاتنا ، لأن ساستُهم، ومن يتحكمون بمقدراتهم ومقدرات العالم من حولنا يسمُّون الإنسان في بلادنا بالإنسان التابع ” homo subordinatus ” لِمَ لا وهم يوجونه هو والقطيع الذي يحكمه بالهاتف وبإذلال متعمد.
بعد كلِّ هذا الشرحِ الطويل ستكون الثالثة ثابتةً، بكل تأكيد ليس تنبأً بالمستقبل، لكن إيمانًا راسخًا بسنن الخالق التي تضع صفاته الجليلة في الفطرة البشرية السليمة التي حاول العالم فرانس دي وال إعادة اكتشافها في الحيوانات الاجتماعية بعد أن ضاع عنها في الإنسان العابث الحالي لا لشيء إلا لأنَّه أَخْطَأَ في تصنيف بني البشر! عون والمالكي والأسد …. والقائمة الطويلة من الحراس العبيد المعينين على الزنازين العملاقة (أوطاننا) التي ما هي إلا مصانع ضخمة للإنسان التابع الذليل ،سيجدون أنفسهم في يوم قريب تحت براثنِ وسيوف عبيدهم، وعندها لن ينفعهم أخلاصُهم المطلقُ لساداتهم العابثين؛ لأن أسيادهم العابثين سيكونون حينها يُقَلِّبُون أكَفَّهمِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَوا فِيهَا وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولون يَٰلَيْتَنِى لَمْ نشْرِكْ بِرَبِّىنا أَحَدًا! وهذا سيكون قريبًا بعد الثالثة الثابتة! والله القاهر فوق عباده.
شكرا على هذه المقالة القيمة