اختيار الرئيس الصيني شي جينبينغ لولاية ثالثة على رأس الحزب والدولة في الصين، كان حدثاً متوقعاً. لكن هذا لا يجرده من الأهمية التي يكتسبها في مرحلة تتميز بتصاعد التوتر مع الولايات المتحدة وزيادة منافسة لا هوادة فيها بين أكبر قوتين اقتصاديتين.
كثيرة هي التساؤلات التي ستلي نتائج المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني وتجديد التفويض لشي جينبينغ. مثلاً، قبل خمسة أعوام، لم تكن تايوان تمثل العصب الرئيسي للعلاقات الأميركية – الصينية. وكانت العلاقات التجارية هي الأساس.
وحتى الأمس القريب، كان يبدو أن مسألة تايوان قد حسمت عام 1979، مع التطبيع الأميركي – الصيني، وصدور أكثر من تعهد أميركي بالتزام سياسة “صين واحدة”. وساد غموض استراتيجي حيال مسألة الدفاع عن تايوان، إذا ما حاول البر الصيني ضم الجزيرة بالقوة.
أما اليوم، فقد أجلى الرئيس الأميركي جو بايدن كل غموض، وكرر في أكثر من مناسبة أن واشنطن ستدافع عن الجزيرة، إذا ما تعرضت لهجوم صيني. وفي المقابل، كان هناك عرض للقوة من قبل الصين عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي للجزيرة في آب (أغسطس) الماضي. وفي إشارة بالغة الدلالة، أدخل مؤتمر الحزب الشيوعي فقرة في الدستور لا تنفي إمكان استخدام القوة للتوحد مع تايوان.
تصعيد من كلا الجانبين الصيني والأميركي حول تايوان. وأميركا عازمة على تعزيز حضورها في المحيطين الهادئ والهندي، اللذين باتا من حيث الأهمية الجيوسياسية في منزلة تفوق منزلة أوروبا أو أي منطقة أخرى من العالم. النشاط العسكري والدبلوماسي الأميركي في المنطقة يفوق أي نشاط أميركي في أي منطقة أخرى من العالم، على رغم أن الولايات المتحدة أغدقت من المساعدات العسكرية على أوكرانيا في خلال سبعة أشهر ما لم تغدقه على دولة ما، بهذا الظرف القياسي منذ الحرب العالمية الثانية.
وبالتوازي تواصل حاملات الطائرات والبوارج الأميركية عبور مضيق تايوان والإبحار في مياه المحيطين الهادئ والهندي، وإجراء مناورات مشتركة مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والفيليبين وأندونيسيا، وإبرام التحالفات الأمنية والاقتصادية بينما الأنظار مشدودة إلى العملاق الصيني وتحركاته. وزيارة واحدة لمسؤول صيني لجزر سليمان، تبقى تتردد أصداؤها طويلاً في الولايات المتحدة!
أميركا لا تخفي قلقها من اتساع النفوذ العسكري للصين في المنطقة، وتراقب بحذر إعادة بناء الجيش الصيني، خصوصاً تعزيز البحرية بثلاث حاملات للطائرات فضلاً عن بناء جزر اصطناعية من الممكن أن تستخدم قواعد عسكرية. ولا تتوقف الانتقادات الأميركية للسياسات التي تنتهجها بكين في هونغ كونغ وشينجيانغ، ما تعتبره الصين تدخلاً أميركياً في شؤونها الداخلية.
وعلى رغم ذلك، الصين وأميركا، كلتاهما تلتزمان الحذر من تحول المواجهة الباردة الدائرة حالياً إلى مواجهة ساخنة. ذلك، أن تشابك المصالح الاقتصادية بين الجانبين، يملي على واشنطن وبكين التراجع عن حافة الهاوية في الوقت المناسب. والاعتماد الاقتصادي المتبادل بين البلدين، يحتم عليهما التروي في الانتقال إلى المواجهة المباشرة، التي من شأنها تكبيد الطرفين خسائر ليست في الحسبان.
لا يعني ذلك أن الضغوط المتبادلة لن تزداد وتتحول جزءاً من الحرب الباردة الدائرة بين الجانبين، سواء في آسيا وأسواقها المغرية، أم في أوروبا ومناطق أخرى من العالم.
ومع التفويض الجديد الذي حصل عليه شي جينبينغ، سيشتد أوار التنافس على تايوان التي باتت في صلب استراتيجية المواجهة الأوسع بين واشنطن وبكين.
هل يحدث في لحظة ما، صدام عسكري أميركي – صيني بسبب الجزيرة؟ هذا أمر لا يمكن التيقن من عدم حصوله، خصوصاً إذا استمرت العلاقات تسلك المسار الحالي من الانحدار، ولم يُصر إلى تدارك الأمر. ويمكن أن تكون رغبة بايدن في لقاء الرئيس الصيني في منتجع بالي الإندونيسي الشهر المقبل على هامش قمة مجموعة العشرين، خطوة ضرورية لتصحيح هذا المسار.
اتخذ شي جينبينغ شعاري “الحلم الصيني” و”إعادة التجديد” خلال عقد من مسيرته على رأس السلطة في الصين. والسؤال الآن: ماذا ينتظر الصين والعالم في السنوات الخمس المقبلة في ظل هذين الشعارين؟
المصدر: النهار العربي